بازگشت

الجواب 5


وهو لسيّد مشايخنا العلاّمة محمّد حسين الطباطبائي (ره) (ت 1402ه) صاحب «تفسير الميزان »؛ حيث قال : إن ّ علمهم : بالحوادث علم بماآنها واجبة التحقق ، ضرورية الوقوع لا تقبل بداءً ولا تحمل تخلفاً كما في الاخبار. والعلم الذي هذا شانه لا اثر له في فعل الإنسان .

بيان ذلك : ان من المقرّر عقلاً ـ وقد صدّقه الكتاب والسنّة ـ ان كل حادثة من الحوادث تحتاج في تحقّقها الي علّة ، وان العلّة المتوقف عليهاوجود الشي ء تنقسم الي ناقصة و تامة ، و العلّة التامة تمام ما يتوقف عليه وجود الشي ء؛ فيجب بوجودها وجوده و بعدمها عدمه ، والعلّة الناقصة بعض ما يتوقف عليه وجود الشي ء فلا يجوب بوجودها وجوده ؛ لافتقاره معها الي غيرها، ولكن يجب بعدمها عدمه . ومن هنا يظهر انه لا تتحقّق حادثة من الحوادث إلاّ و هي واجبة الوجود بإيجاب علّتها التامة التي فوقها، وكذا الكلام في علّتها التامة حتي ينتهي الي الواجب بالذات تعالي وتقدّس . فالعالم مؤلّف من سلسلة من الحوادث ، كل حلقة من حلقاتهاواجبة الوجود بما يسبقها ـ و إن كانت ممكنة بالقياس علي علّتها الناقصة ـوهذه الوجوبات المترتبة الواقعة في سلسلة الحوادث في نظام القضاء الحتمي الذي ينسبه الله تعالي الي نفسه . قال تعالي : (لِّيَقْضِي َ اللَّه ُ أَمْرًا كَان َمَفْعُولاً). وقال : (وَكَان َ أَمْرًا مَّقْضِيًّا).

ثم ّ إن من المعلوم ان الإنسان الفعّال بالعلم والإرادة إنّما يقصد مايتعلّق به علمه من الخير والنفع ، ويهرب ممّا يتعلق به علمه من الشرّ و الضر، فللعلم اثر في دعوة الإنسان الي العمل ، وبعثه نحو الفعل والترك بالتوسل بما ينفعه في جلب النفع او دفع لاضرر، بوذلك يظهر ان علم الإنسانب الخير وكذا الشرّ والضرر في الحوادث المستقبلة إنّما يؤثر اثره لو تعلّق بها العلم من جهة إمكانها لا من جهة ضرورتها علي ما اُشير إليه آنفاً، وذلك كان يعلم الإنسان انه لو حضر مكاناً كذا في ساعة كذا من يوم كذا قتل قطعاً؛ فيؤثر العلم المفروض فيه ببعثه نحو دفع الضرر؛ فيختارترك الحضور في المكان المفروض تحرّزاً من القتل . واما إذا تعلّق العلم بالضرر مثلاً من جهة كونه ضروري الوقوع واجب التحقّق ؛ كما إذا علم انه في مكان كذا في ساعة كذا من يوم كذا مقتول لا محالة بحيث لا ينفع في دفع القتل عنه عمل و لا تحول دونه حيلة ؛ فإن مثل هذا العلم لا يؤثر في الإنسان امراً يبعثه الي نوع من التحرّز و الاتقاء لفرض علمه بانه لا ينفع فيه شي ء من العمل ، فهذا الإنسان مع علمه بالضرر المستقبل يجري في العمل مجري الجاهل بالضرر.

إذا علمت ذلك ثم راجعت الاخبار الناصّة علي ان ّ الذي علّمهم الله تعالي من العلم بالحوادث لا بداء فيه ولا تخلّف ؛ ظهر لك اندفاع ما وردعلي القول بعلمهم بعامّة الحوادث من انه لو كان لهم علم بذلك لاحترزواممّا وقعوا فيه من الشر، كالشهادة قتلاً بالسيف وبالسم لحرمة إلقاء النفسه في التهلكة .

وجه الاندفاع ، ان ّ علمهم بالحوادث علم بها من جهة ضرورتها كما هو صريح في نفي البداء عن علمهم ، والعلم الذي ها شانه لا اثر له في فعل الإنسان الي نوع من التحرّز، وإذا كان الخطر بحيث لا يبل الدفع بوجه من الوجوه فالابتلاء به وقوع في التهلكة لا إلقاء الي التهلكة ، قال تعالي : (قُل لَّوْ كُنتُم ْ فِي بُيُوتِكُم ْ لَبَرَزَ الَّذِين َ كُتِب َ عَلَيْهِم ُ الْقَتْل ُ إِلَي مَضَاجِعِهِم ْ).

نقول : هذا الكلام مع دقّته قد يُلاحظ علي آخره انه لو كان قضاءً لازماً و قدراً حاتماً لبطل الثواب ، كما ورد نظير ذلك عن امير المؤمنين عليه افضل صلوات المصلّين عندما ساله الشامي حول مسيره الي الشام وانه بقضاء من الله و قدر منه ..

مضافاً الي ذلك فقد ورد في عدة روايات ان اميرالمؤمنين (ع) خُيّر في الليلة التاسعة عشرة من شهر رمضان المبارك من السنة التي ضُرب فيهابين البقاء و اللقاء فاختار لقاء الله تعالي .

نعم جاء في بعض النسخ عوض كلمة «خُيّر» (بالخاء المعجّمة ) كلمة «حيّر» (بالحاء المهملة ) إلاّ ان النسخة الاُولي تتناسب مع عنوان الباب الذي ذكرت فيه هذه الرواية ، و هو باب : إن ّ الائمة : يعلمون متي يموتون وانهم لا يموتون إلاّ باختيارهم ، حتي صرّحت بعض روايات هذا الباب بذلك ؛ فقد جاء بسند معتبر عن عبدالملك بن اعين ، عن ابي جعفر (ع)، قال : «انزل الله تعالي النصر علي الحسين (ع) حتّي كان ما بين السماءوالارض ، ثم خُيّر النصر او لقاء الله، فاختار لقاء الله تعالي ».