بازگشت

ادلة جواز التطبير حزنا و جزعا علي الحسين والقول باستحبابه


دليل الجواز والإباحة:

أدلّ دليلٍ علي جواز وإباحة التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) ما يصطلح عليه في علم استنباط الأحكام الشرعية بـ: (أصالة البراءة) والتي تعني الحكم بالجواز والإباحة والحلية لكلّ عملٍ أو شيءٍ لم يصلنا فيه نصّ أو دليل يدل علي حرمته ومنعه في الكتاب الشريف أو السنّة المباركة.

إذ أنّ كلّ فقيهٍ حين تواجهه أيّ مسألة من مسائل الحياة الدينية أو الدنيوية لابدّ أن يكون للشرع المقدّس رأيّ فيها فعليه أن يبحث أولاً في أدلة الكتاب والسنة بخصوص تلكم المسألة التي واجهته فإن لم يجد لها ذكراً في النصوص والأدلة الشرعية فعليه أن يتمسّك بالأصول العملية كأصالة البراءة مثلاً التي ترتبط بما في أيدينا من أمر والتي تعني بأنّ كلّ شيءٍ هو لك حلال حتي تثبت حرمته من الكتاب العزيز أو السنّة الشريفة. وهذا هو حكم العقل والشرع معاً وهو ما يصطلح عليه بالبراءة العقلية والشرعية [1] .

ومن هنا فإن التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء صلوات الله عليه جائز ومباح من دون أي أشكال يذكر وذلك للقطع الأكيد واليقين الواضح من أننا لا نملك أي نص أو دليل من الكتاب أو السنة يحرّمه أو يمنعه. ولقد خالف الذين ذهبوا إلي حرمة التطبير حزناً وجزعاً علي أبي عبد الله (عليه السلام) الطريقة الصحيحة في استنباط الأحكام الشرعية والتي عليها اتفاق كلمة فقهاء الأمة وعلمائها إذ أفتوا بالتحريم من دون أي دليل شرعي صحيح وكلّ ما أوردوه من الكلام في طريق ذلك لا يثبت للمناقشة الشرعية وقد رأيت ضعف كلامهم ووهنه في الفصل الأول من هذا الكتاب.

أدلة الاستحباب

أولاً- الجزع المقدّس:

1- (عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كلّ الجزع والبكاء مكروه، سوي الجزع والبكاء علي الحسين (عليه السلام).

رواها الشيخ الطوسي (ره) في الأمالي، المجلس السادس ص 161 ح 20. والشيخ المجلسي (ره) في البحار ج 44 ب 34 ص 280 ح 9 وكذلك أيضاً في ج 45 ب 46 ص 313 ح 14.

2- (عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع علي الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنّه فيه مأجور).

عن كامل الزيارات ب 32 ص 107 ح 2 طبعة طهران، وفي بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 291 ح 32.

3- عن مسمع بن عبد الملك البصري قال: (قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا مسمع أنت من أهل العراق؛ أما تأتي قبر الحسين (عليه السلام)؟.... قال لي أفما تذكر ما صنع به؟ قلت: نعم، قال: فتجزع؟ قلت: إي والله واستعبر لذلك حتي يري أهلي أثر ذلك عليّ فأمتنع من الطعام حتي يستبين ذلك في وجهي. قال: رحم الله دمعتك أما إنّك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا....) [2] .

عن كامل الزيارات ب 32 ص 108 ح 6، وفي بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 289 ح 31.

4- عن مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في مراسم يوم عاشوراء: (.... ثم ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه....) [3] .

عن كامل الزيارات ب 71 ص 193 ح 7، وفي بحار الأنوار ج 101 ب 24 ص 290 ح 1.

5- ما رواه قدامة بن زائدة، عن أبيه، عن إمامنا السجاد (عليه السلام) حيث قال: (فإنه لمّا أصابنا بالطفّ ما أصابنا.... فكادت نفسي تخرج وتبيّنت ذلك مني عمتي زينب الكبري بنت علي (عليهما السلام) فقالت: مالي أراك تجود بنفسك يابقية جدي وأبي واخوتي؟!! فقلت: وكيف لا أجزع وأهلع وقد أري سيدي واخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مصرعين بدمائهم، مرملين بالعري....) [4] .

عن كامل الزيارات ب 88 ص 274.

وبعد أن أجلت النظر ياقارئي العزيز في هذه الأحاديث الكريمة فإنّه لابدّ من القول:

1- إنّ هذه الروايات في غاية الاعتبار والقبول من جهة طرقها وأسانيدها ومصادرها عند علمائنا وفقهائنا المتقدمين منهم والمتأخرين. وعليها عمل فقهاء ومراجع الأمة إذ نطقت بذلك أسفارهم وزبرهم. ودونك الأحياء منهم فسلهم، والأمر سهل.

2- متون هذه الروايات تدلّ بشكلٍ واضح وصريح علي أنّ الجزع علي سيد الشهداء (عليه السلام) مستحبّ مؤكّد وفي غاية التأكيد وبنحوٍ أخص في يوم عاشوراء الأليم.

3- المراد من الجزع في لغة العرب هو نقيض الصبر وهذا ما عليه كلّ المعاجم اللغوية. لذا فإنّ كلّ فعلٍ يفعله صاحب المصيبة يعبّر به عن عدم تحمّله وعن تأثّره الشديد فهو مصداق من مصاديق الجزع؛ إذ لا يوجد في لغة العرب تحديد معيّن لمعني الجزع وذلك أنّ حقيقته هو الحزن بلا حدود فكيف يكون له حدّ معين وخاص به. لكننا نعتمد علي العرف الصحيح في تحديد أقلّ مراتبه وهو العويل والضجيج والصراخ والبكاء الذي لا ينقطع مصحوباً بلطم الوجه وضرب الرأس ولدم الصدر إلي غير ذلك مما يقع في هذه المرتبة الأقل وإنّما قلت الأقلّ لأن المرتبة الأعلي والأشد هي ما يكون فيها هلاك النفس ويظهر هذا واضحاً في الحديث الخامس عن الإمام السجّاد (عليه السلام) حين يقول: (فكادت نفسي تخرج وتبيّنت ذلك مني عمتي زينب الكبري بنت علي (عليهما السلام) فقالت: مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي واخوتي؟!! فقلت وكيف لا أجزع وأهلع.....)، فالتفت ياقارئي العزيز لما جاء في هذه الكلمات الشريفة:

كادت نفسي تخرج: بمعني أوشكت علي الموت أو الهلاك.

مالي أراك تجود بنفسك: بمعني مالي أراك تريد أن تودّع الحياة.

وهذا التعبير: (تجود بنفسك) في لغة العرب ولسانهم يقال لمن يكون في النزع الأخير لخروج روحه من بدنه أي حينما يكون الموت وشيكاً وقريباً جداً من الإنسان. أمّا قوله (عليه السلام): (وكيف لا أجزع وأهلع) فهو صريح في استحباب الجزع وأفضليته بل الهلع الذي هو أفحش الجزع في لغة العرب [5] ؛ إذ لو لم يكن محبوباً عند الله سبحانه وتعالي لما فعله المعصوم (عليه السلام). ومن هنا صرّح الفقيه المحقق الشيخ خضر بن شلال العفكاوي (ره) في كتابه (أبواب الجنان) [6] قائلاً: (الذي يستفاد من مجموع النصوص ومنها الأخبار الواردة في زيارة الحسين المظلوم ولو مع الخوف علي النفس يجوز اللطم والجزع علي الحسين كيفما كان حتي لو علم بأنه يموت في نفس الوقت).

4- يتّضح ممّا تقدّم أنّ الجزع علي الحسين (عليه السلام) علي مراتب كثيرة أوّلها الصراخ والعويل والنحيب والبكاء المتواصل مع لدم الصدر والطم الوجه وضرب الرأس باليد أو غيرها، وآخرها ما قد يؤدّي إلي هلاك النفس والإضرار الشديد بها. وقطعاً فإنه يقع ما بين هاتين المرتبتين مراتب كثيرة تتسلسل بحسب شدتها. وما التطبير الحسيني إلاّ مرتبة من هذه المراتب التي تقع في الحد الوسط من حيث الشدّة بل ربما أقل من ذلك وإلاّ فأين يقع جزع التطبير من جزع إمامنا السجّاد (عليه السلام) حين يقول: (فكادت نفسي تخرج) وهو قول يطابق الواقع مائة في المائة ليس فيه أدني حدّ من المبالغة أو المواربة إذ هو قول المعصوم (عليه السلام) وكلامه، وكلام الإمام إمام الكلام. ثم إنّ التطبير الحسيني لا ضرر فيه علي الإنسان وحتي لو كان فيه ضرر فهو ضرر لا يعتدّ به أبداً كما بيّنا ذلك فيما تقدّم من هذا الكتاب. ومن هنا فإنّ مرتبته لن تكون من المراتب الشديدة من الجزع علي أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه.

5- النتيجة التي نحصل عليها بعد تلكم المقدّمات أن التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء صلوات الله عليه ما هو إلاّ مرتبة ومصداق من مصاديق الجزع علي الحسين (عليه السلام) والذي حكمت الشريعة باستحبابه المؤكّد وندبت إليه أهل الإيمان؛ كي يقتدوا بأئمتهم المعصومين (عليهم السلام) الذين جزعوا حتي كادت النفوس أن تخرج لاجل حسين العقيدة والمبادئ صلوات الله عليه.

6- ويؤيّد هذه المعاني ما تفيض به كلمات دعاء الندبة الشريف الذي يرويه سيدنا ابن طاووس (ره) في إقبال الأعمال، ومصباح الزائر، وجمال الأسبوع، والشيخ المجلسي (ره) في بحار الأنوار:

(فعلي الأطائب من أهل بيت محمّد وعلي صلي الله عليهما وآلهما فليبك الباكون، وإيّاهم فليندب النادبون، ولمثلهم فلتذرف الدموع، وليصرخ الصارخون، ويضجّ الضاجّون، ويعجّ العاجّون، أين الحسن؟! أين الحسين؟! أين أبناء الحسين؟!).

إلي أن يقول الدعاء الشريف:

(أين الطالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء؟! أين الطالب بدم المقتول بكربلاء؟!).

ثم يقول مناجياً نادياً:

(هل من معين فأطيل معه العويل والبكاء؟! هل من جزوع فاساعد جزعه إذا خلا؟! هل قذيت عين فساعدتها عيني علي القذي؟! هل إليك يا أبن أحمد سبيل فتلقي؟!).

فانظر أيها القارئ العزيز لقول الدعاء الشريف:

1- هل من جزوع: والجزوع بحسب موازين الصرف صيغة مبالغة أي جازع وجازع و...

2- هل قذيت عين: إشارة واضحة لما يصيب العين من ضرر أو مرض أو ألم شديد بسبب البكاء والنوح جزعاً علي مصاب الحسين (عليه السلام)، وشوقاً وحسرةً علي فراق الطالب بثأره صلوات الله وسلامه عليه.

والحرّ تكفيه الإشارة.

ثانياً - الإبكاء:

1- (عن علي بن الحسن بن فضّال، عن أبيه قال: قال الرضا (عليه السلام): من تذكّر مصابنا وبكي لما ارتكب منّا، كان معنا في درجاتنا يوم القيامة ومن ذكّر بمصابنا فبكي وأبكي لم تبك عينه يوم تبكي العيون،..).

عن بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 278 ح 1 منقولاً عن أمالي الشيخ الصدوق المجلس 17، الرقم 4.

وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج 1 ص 294 بنفس إسناد الحديث المتقدم عنه صلوات الله عليه: (من تذكّر مصابنا فبكي وأبكي لم تبك عينه يوم تبكي العيون،..) [7] .

2- عن السيد ابن طاووس (ره): (روي عن آل الرسول (عليهم السلام) أنّهم قالوا: من بكي وأبكي خمسين فله الجنة، ومن بكي وأبكي ثلاثين فله الجنة، ومن بكي وأبكي عشرين فله الجنة، ومن بكي وأبكي عشرة فله الجنة، ومن بكي وأبكي واحداً فله الجنة، ومن تباكي فله الجنّة).

عن بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 288 منقولاً عن اللهوف في قتلي الطفوف للسيد ابن طاووس (ره).

3- (عن أبي هارون المكفوف قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا هارون أنشدني في الحسين (عليه السلام)؟ قال: فأنشدته فبكي، فقال: أنشدني كما تنشدون - يعني بالرقّة - قال: فأنشدته:



امرر علي جدث الحسين

فقـــــل لأعظـــمه الزّكيّة



قال: فبكي، ثمّ قال زدني، قال: فأنشدته القصيدة الأخري، قال: فبكي، وسمعت البكاء من خلف السّتر، قال: فلما فرغت قال لي: يا أبا هارون من أنشد في الحسين شعراً فبكي وأبكي عشراً كتبت لهم الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكي وأبكي خمسةً كتبت لهم الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكي وأبكي واحداً كتبت لهما الجنة، ومن ذكر الحسين (عليه السلام) عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه علي الله، ولم يرض له بدون الجنّة).

عن كامل الزيارات ب 33 ص 111 ح 1، وثواب الأعمال ص 47، والبحار ج 44 ب 34 ص 288 ح 28.

4- (عن أبي عمارة المنشد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: يا أبا عمارة أنشدني في الحسين (عليه السلام)، قال: فأنشدته فبكي، ثمّ أنشدته فبكي، ثمّ أنشدته فبكي، قال: فو الله ما زلت أنشده ويبكي حتي سمعت البكاء من الدار، فقال لي: يا أبا عمارة من انشد في الحسين شعراً فأبكي خمسين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً بأبكي أربعين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكي ثلاثين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكي عشرين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكي عشرة فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكي فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكي فله الجنة).

عن كامل الزيارات ب 33 ص 112 ح2، و أمالي الصدوق المجلس 29 - الرقم 6، وثواب الأعمال ص 47، والبحار 44 ب 34 ص 282 ح 15.

5- (عن صالح بن عقبة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أنشد في الحسين (عليه السلام) بيت شعرٍ فبكي وأبكي تسعةً فله ولهم الجنة، فلم يزل حتي قال: من أنشد في الحسين بيتاً فبكي وأظنّه قال: أو تباكي فله الجنة).

عن كامل الزيارات ب 33 ص 113 ح 4 ومثله بسند آخر ح 7 من نفس الباب والصفحة، وثواب الأعمال ص 48، والبحار ج 44 ب 34 ص 289 ح 29.

6- (عن أبي هارون المكفوف قال: دخلت علي أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: أنشدني فأنشدته، فقال: لا؛ كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره، قال: فأنشدته:



امرر علي جدث الحسين

فقل لأعظمه الزّكيّة



قال: فلمّا بكي أمسكت أنا، فقال مرّ، فمررت، قال: ثمّ قال: زدني.. زدني، قال: فأنشدته:



يـــا مريم قومي فاندبي مولاك

وعلي الحسين فاسعدي ببكاك



قال: فبكي وتهايج النساء!! قال: فلمّا أن سكتن قال لي: يا أبا هارون من أنشد في الحسين (عليه السلام) فأبكي عشرة فله الجنة، ثمّ جعل ينقص واحداً واحداً حتي بلغ الواحد، فقال: من أنشد في الحسين فأبكي واحداً فله الجنة، ثمّ قال: من ذكره فبكي فله الجنة). عن كامل الزيارات ب 33 ص 113 ح 5، وبحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 287 ح 25.

7- (عن زيد الشحّام، قال: كنّا عند أبي عبد الله ونحن جماعة من الكوفيّين فدخل جعفر بن عفّان علي أبي عبد الله (عليه السلام) فقرّبه وأدناه ثم قال: يا جعفر، قال: لبيك! جعلني الله فداك. قال: بلغني أنك تقول الشعر في الحسين وتجيده. فقال له: نعم، جعلني الله فداك، قال: قل! فأنشده (صلي الله عليه) فبكي ومن حوله، حتي صارت الدموع علي وجهه ولحيته. ثم قال: يا جعفر والله لقد شهدت ملائكة الله المقرّبون ههنا يسمعون قولك في الحسين (عليه السلام) ولقد بكوا كما بكينا وأكثر، ولقد أوجب الله تعالي لك يا جعفر في ساعته [8] الجنة بأسرها، وغفر الله لك. فقال: يا جعفر ألا أزيدك؟ قال: نعم يا سيدي. قال: ما من أحدٍ قال في الحسين شعراً فبكي وأبكي به إلاّ أوجب الله له الجنة وغفر له).

عن رجال الكشي ص 187، وبحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 282 ح 16، ووسائل الشيعة ج 10 ص 464 ب 104 المزار ح 1.

وبعد ذكر هذه الأحاديث والروايات، أقول:

1- الأخبار المتقدّمة تلقّاها علماؤنا بالقبول والاعتماد والعمل بها والفتيا علي أساسها؛ فلا حاجة للخوض في تفاصيل أسانيدها؛ لوضوح كونها علي درجةٍ عاليةٍ من الاعتبار الشرعي والعملي.

2- مضمون هذه الأخبار ومحتواها: الاستحباب المؤكّد للبكاء والإبكاء علي سيد الشهداء صلوات الله عليه وما يترتب عليهما من عظيم أجرٍ عند الله سبحانه وتعالي. أمّا الذي نخصّه بالذكر والبحث هنا من بينهما فهو الإبكاء وذلك أنّ البحث منعقد لأجله منذ البداية. والذي نراه واضحاً في هذه الروايات الشريفة أنّ الأولي والثانية منها تحدّثت عن الإبكاء بنحوٍ عام من دون ذكر أي مصداقٍ من مصاديق الإبكاء فجاء لسانها: (بكي وأبكي) من دون ذكر أي أسلوب من أساليب الإبكاء، وأما ما تبقّي منها فقد جاء مشتملاً علي ذكر مصداقٍ من أهم مصاديق الإبكاء خصوصاً في زمان الأئمة [9] (عليهم السلام) وهو إنشاد الشعر لأجل الإبكاء علي الحسين المظلوم صلوات الله وسلامه عليه. وإلا فمن المعلوم أنّ الإبكاء ليس له من أسلوب معيّن فقد يكون من طريق: ذكر المصيبة نثراً بلحنٍ حزين، أو من دون لحن، أو بإنشاد الشعر إلقاءً، أو بصوتٍ شجيّ، أو بتأليف كتابٍ يستدرّ الدمعة من قارئه ومطالعه، أو بإنتاج فيلم سينمائي أو تلفزيوني روائياً كان أو وثائقيّاً يعرض الواقعة بكل آلامها وأشجانها، أو بإخراج مسرحيةٍ أو تمثيليةٍ تهيج الدمع والعبرات، أو برسم لوحةٍ فنيةٍ تعبّر عن جراحات ضمائر الأحرار وآلامها لما لقي سبط النبي الأعظم (صلي الله عليه وآله)، أو بإقامة المسيرات العزائية والمواكب الحسينية من مواكب اللطم وضرب السلاسل والتطبير الحسيني إلي غير ذلك من فنون العزاء الحسيني وأشكاله والتي هي من أهم أسباب الإبكاء وطرقه. علماً أن أسباب الإبكاء وأساليبه ليست منحصرةً في ما ذكر وإنّما يبقي الباب مفتوحاً في هذا المجال لكل أشكال التعبير وتهييج الأحزان لأجل مصاب سيد شباب أهل الجنة صلوات الله عليه.

3- يظهر بوضوحٍ جليّ مما تقدّم الاستحباب المؤكّد للإبكاء علي سيد الشهداء عليه أفضل الصلاة والسلام، ويظهر أيضاً أنّ مواكب التطبير الحسيني من أهمّ أسباب الإبكاء وتهييج العبرات، لذا فإنّ هذا الاستحباب سيسري حتماً علي هذه الشعيرة الحسينية المبكية كما يسري علي غيرها من الشعائر الحسينية الأخري المبكية وكذلك الأساليب التعبيرية المختلفة المكية أيضاً والتي ذكرنا قبل قليلٍ أمثلةً منها في قائمةٍ لذكر أنواع مختلفة من أساليب الإبكاء علي الحسين (عليه السلام). ولا يخفي فإنّ القول: بأنّ مواكب التطبير الحسيني من أهم أسباب الإبكاء هو ما يشهد به الواقع علي الأرض ويقرّبه أرباب العزاء الحسيني والجماهير الغفيرة المشاركة في الحضور وأهل البيت أدري بالذي فيه؛ حيث يتجمّع أهل التطبير عند فجر عاشوراء في تكاياهم وحسينياتهم، وهم يرتدون أكفانهم البيضاء، بعد تأدية صلاة الصبح، تقرأ زيارة عاشوراء، تتبعها قراءة شجية جداً لقصّة مذبح الحسين ومقتله (عليه السلام) بنحو مختصر، مع مقاطع من زيارة الناحية المقدّسة، ثم ترتفع الصيحات والصرخات: يا حسين.. يا حسين، والبكاء والنحيب يهزّ الأرجاء، وتقرع الطبول، وتمتشق السيوف، وبصوتٍ واحدٍ تتدافع الدموع متدفّقةً كأنّها عين جارية:



يا فاطمه قومي إلي الطفوف

هـــذا حسين طعمة السيوف



حيدر.. حيدر.. حيدر

فتجري الدماء نازفةً تذكّر بأقدس دم سفك علي وجه الأرض، مشفوعةً بالدموع والعبرات، والآهات والحسرات، فكم من باكٍ أو باكية، حيث لا تري إلاّ أجواءً مشحونةً بالعاطفة الحسينية الجيّاشة، ولا تسمع إلاّ ندبةً وصراخاً حسينياً يهزّ سمع الملكوت.. فكأنها الغاضريات وصوت حسين يجرف الدهور ويمزّق أستار القرون!!!



فيــــا أيها الوتر في الخالدين

فـــــذّاً إلــــي الآن لـــم يشفع



ويـــا عـظة الطامحين العظام

للاهيـــــن عــــــن غدهم قنّع



أبا عبد الله صلي الله عليك.. فما قدر الدموع؟! وما قدر الدماء؟! في محراب أحزانك، (أشهد أنّ دمك سكن في الخلد واقشعرّت له أظلّة العرش، وبكي له جميع الخلائق، وبكت له السماوات السبع، والأرضون السبع، وما فيهنّ، وما بينهن، ومن يتقلّب في الجنة والنار من خلق ربّنا، وما يري، وما لا يري) [10] .

ولا أملك إلاّ أن أقول: بأنّ مواكب التطبير الحسيني هي دماء نازفة، ودموع مسفوحة، وقلوب واعية تطوف في محراب عشقها في الفناء الحسيني الأرحب، وتستضيء بنور مصباح الهدي؛ كي تفوز بسفينة النجاة الآمنة. فطوبي لكم أحباب الحسين (عليه السلام)، وطوبي لكم أيها النازفون دماً ودمعاً في محراب عشقه ومودّته.

ثالثاً - إحياء أمر الإمام الحسين (عليه السلام):

1- (عن الأزدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لفضيل: تجلسون وتتحدّثون؟ قال: نعم، جعلت فداك. قال: إنّ تلك المجالس أحبّها فأحيوا أمرنا يا فضيل! فرحم الله من أحيي أمرنا، يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر).

عن بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 282 ح 14، نقلاً عن قرب الإسناد ص 26.

2- (عن علي بن الحسين بن فضّال، عن أبيه قال: قال الرضا (عليه السلام): من تذكّر مصابنا وبكي لما ارتكب منّا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكّر بمصابنا فبكي وأبكي لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) [11] .

وهنا أمور لابدّ من ذكرها والإشارة إليها:

1- إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) عموماً، وإحياء الأمر الحسيني والقضية الحسينية خصوصاً واجب شرعيّ أكيد يوجبه العقل [12] قبل الشرع وتؤكّد الأدلة الشرعية بشكلٍ واضحٍ وقطعي من نصوصٍ دينيّة وسيرة متشرّعة إلي غير ذلك من المرتكزات العقلية والشرعية. وهذه مسألة مفروغ منها في دنيا الفقه والأحكام، ومن البديهيات التي لا يختلف عليها اثنان من فقهائنا بأيّ وجهٍ من الوجوه. نعم يمكن القول بأنّ إحياء الأمر علي مرتبتين منه ما هو واجب لا يجوز تركه بأيّ حالٍ من الأحوال، ومنه ما هو مندوب ومستحبّ إتيانه بنحوٍ أكيد يترتب عليه عظيم الأجر والثواب.

2- ليكن معلوماً إنّ أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) الآمرة وجوباً أو استحباباً بإحياء أمرهم كثيرة جداً. وإني لم أتناولها بالذكر لوضوح أمرها عند أهل الشرع والدين. وما ذكرت هذين الحديثين الشريفين إلاّ لأجل التبرك بهما أولاً. وثانياً لظهورهما في إحياء الأمر المستحب الذي يدور الحديث عنه في هذا المقام.

3- الروايتان المذكورتان تدلاّن علي أهمية إحياء أمرهم (عليهم السلام) وتصرّحان باستحبابه المؤكّد. مع اشتمالهما علي ذكر بعضٍ من الأمور التي هي من الأسباب المهمة في إحياء الأمر من قبيل إقامة مجالس الذكر والعزاء، وتذكّر مصائب أهل البيت (عليهم السلام) وذكرها، والبكاء والإبكاء في سبيل ذلك، وهكذا كلّ أمرٍ يوصلنا إلي نفس هذا المطلوب.

4- من كلّ ما تقدّم يتجلّي بوضوحٍ أنّ التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء صلوات الله عليه مصداق واضح من مصاديق إحياء الأمر من جهةٍ كونه سبباً قوياً من أسباب الإبكاء علي الحسين (عليه السلام) وقد مرّ بيان ذلك فضلاً عمّا أشارت إليه الروايتان اللتان بين أيدينا من إن الإبكاء مصداق من مصاديق إحياء الأمر أيضا، هذا أولاً. وثانياً لما في التطبير الحسيني من بعد جماهيري واسع؛ حيث الجموع الغفيرة المشاركة في هذا الموكب والجموع المتفاعلة والمتأثرة بها. ولا شكّ فإنّ أهم أمرٍ في إحياء الأمر العقائدي هو جماهيرية العمل وانتشار تأثيره خصوصاً إذا كان ذا ميزةٍ عاطفية ثرّة كالتطبير الحسيني. ومن كل ذلك يبدو واضحاً سريان حكم الاستحباب علي التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء صلوات الله عليه، لكونه مصداقاً من أوضح مصاديق إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) عموماً، وإحياء أمر الحسين صلوات الله عليه بنحو خاص.

توضيحات:

1- ربّما يقول قائل: إنّ إظهار الجزع والإبكاء من جملة مصاديق إحياء الأمر. فلأيّ سببٍ جعلنا كلّ واحدٍ من هذه الثلاثة موضوعاً ودليلاً قائماً برأسه؟ وجواب ذلك: إنّ الناظر والمتفحّص بدقةٍ في كلمات أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم يجد بوضوحٍ أنّ الجزع مطلوب بنفسه بما هو، ومن جملة آثاره أنه يكون سبباً في إحياء الأمر. وكذلك الإبكاء فهو مطلوب بنفسه بما هو أيضاً لما فيه وفي الجزع من منافع معنوية وتربوية تصقل روح الإنسان، وتذكّي وجدانه، وتغسل عواطفه من كلّ شائبةٍ تلحق بها، راسمةًً لها جادّة صوابها. فكل واحدٍ منهما مطلوب بنفسه بما هو هو، وفي بعض جهات كلّ واحدٍ منهما سبب لإحياء الأمر، ومن هنا جعلنا كل واحدٍ من هذه الثلاثة: الجزع المقدّس، والإبكاء، وإحياء الأمر الحسيني موضوعاً ودليلاً قائماً برأسه.

2- حكم الاستحباب المؤكّد يسري بنحو الأصالة علي إظهار الجزع علي الحسين (عليه السلام)، وعلي الإبكاء عليه، وعلي إحياء أمره صلوات الله عليه؛ وذلك لورود النصوص الشريفة عن المعصومين (عليهم السلام) بخصوص كل واحد من هذه الثلاثة. أما سريان هذا الاستحباب علي التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء عليه أفضل الصلاة والسلام فهو من باب التفرّع والمصداقية، إذ أنّ التطبير الحسيني مصداق واضح لإظهار الجزع، والإبكاء، وإحياء الأمر، ومن هنا كان جريان حكم الاستحباب عليه. لا من باب ورود نصّ خاصّ يأمر بهذا النحو المعين من العزاء. وإنّما كان ذلك عملاً موافقاً لما رواه البزنطي في جامعه عن هشام بن سالم، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا) [13] ، وما رواه أيضاً في جامعه عن الإمام الرضا (عليه السلام): (علينا إلقاء الأصول إليكم، وعليكم التفريع) [14] .

زبدة القول:

استحباب إظهار الجزع علي ريحانة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، واستحباب الإبكاء عليه، واستحباب إحياء أمره (عليه السلام).

أمور ثابتة لا شكّ فيها وقد تبيّنت ذلك واضحاً يا قارئي العزيز فكذاك هو التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء صلوات الله عليه حقّ لا ريب فيه ويجري عليه حكم الاستحباب لكونه مصداقاً واضحاً لإظهار الجزع المستحب، والإبكاء المستحب، وإحياء الأمر المستحب. وقد مرّت بك الأدلة واضحةً جلية. وستأتيك أدلة أخري وأخري، (ويأتيك بالأنباء من لم تزوّد).

أدلّة أخري.. لعلّهم يبصرون!

أولاً - حزن نبيّ الله يعقوب (عليه السلام) (وتولّي عنهم وقال يا أسفي علي يوسف وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم، قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتي تكون حرضاً أو تكون من الهالكين).[سورة يوسف: الآية 84 و 85]. وهنا ثمّة فوائد:

الفائدة الأولي: في المعاني اللغوية

ابيضّت عيناه: أصابها البياض وهو فقدان البصر. ويقول صادق العترة (عليه السلام): (البكاؤون خمسة آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي بن الحسين، فأما يعقوب فبكي علي يوسف حتي ذهب بصره..) [15] .

وبصريح القرآن العزيز أنه (عليه السلام) ما ارتدّ بصيراً حتي شمّ قميص ولده يوسف: (فلما أن جاء البشير ألقاه علي وجهه فارتدّ بصيرا) [16] .

تالله تفتؤا تذكر يوسف: لا تفتر عن ذكر يوسف ولا تنقطع عنه.

حرضاً: مشرفاً علي الهلاك أو ميتاً.

الفائدة الثانية: في قوّة حجّية الاستدلال بحالة نبيّ الله يعقوب (عليه السلام) في المقام الذي نحن فيه وذلك من جهة:

أ- أنها سيرة نبيّ معصوم يبيّنها لنا الباري سبحانه وتعالي في كتابه العزيز الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) [17] .

ويقرّرها لنا لأجل الاعتبار والتأسّي بسيرة أوليائه الطاهرين.

ب - استدلّ بها إمامنا السجاد (عليه السلام) حين سئل عن طول حزنه وبكائه وجزعه علي سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه حيث يروي لنا شيخنا أبو القاسم جعفر بن قولويه (ره) بأسانيده الموثوقة المعتبرة: (أشرف مولي لعلي بن الحسين (عليهما السلام) وهو في سقيفة له ساجد يبكي، فقال له: يا مولاي يا علي بن الحسين أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فرفع رأسه إليه وقال: ويلك والله لقد شكي يعقوب إلي ربّه في أقلّ مما رأيت حتي قال: (يا أسفي علي يوسف)، إنه فقد ابناً واحداً، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبّحون حولي) [18] .

وفي بحار الأنوار رواية أخري أنه حين قال له أحد مواليه: (أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال له (صلوات الله عليه): ويحك إنّ يعقوب النبي (عليه السلام) كان له اثنا عشر ابناً فغيّب الله واحداً منهم، فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه، واحدودب ظهره من الغمّ، وكان ابنه حيّاً في الدنيا، وأنا نظرت إلي أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني؟) [19] .

الفائدة الثالثة: مدلول الآيتين الشريفتين

دلّت الآيتان الكريمتان 84 و 85 من سورة يوسف المباركة علي معان عديدة من أهمّها:

أ- أولوية إظهار الحزن والجزع والبكاء علي أولياء الله حزناً علي مصابهم أو شوقاً إليهم.

ب - أفضلية مثل هذا العمل علي غيره خصوصاً وان النبي يعقوب (عليه السلام) علم بأنّ فقدان البصر سيؤثر بشكلٍ وآخر علي أعماله الأخري والتي يكون التبليغ والإرشاد ورعاية أمور أتباعه من أهمها ومع ذلك فهو قد بكي وبكي حتي كفّ بصره لما يجده من فضلٍ وعظيم أجر في بكائه شوقاً وحزناً علي فراق ولي الله، ولما في علمه من أنّ بكائه وحزنه هذا مفضّل عند الله تعالي علي غيره من سائر الأعمال الأخري وإلا لما فعله فهو نبي معصوم وأسوة حسنة لأتباعه ومن يقتدي به من المؤمنين.

ج- أفضلية وأولوية ورجحان التعرّض للضرر الشديد كفقدان البصر وانطفاء نور العينين وغير ذلك بسبب الحزن والغمّ والبكاء والنحيب والجزع لأجل أولياء الله. علماً أن قيمة العينين كقيمة الحياة وهذا ما قررّه الشرع المبين في أحكام الديات إذ جعل دية العينين كدية إنسان كامل.

د- لم يكن تعرّض النبي يعقوب (عليه السلام) لهذه الأضرار الكبيرة من دون قصدٍ وسابق علمٍ وكأنّها حصلت بغتةً فجأة بل إنّ الأمر كان يحصل بعلمه وبعلم الآخرين من حوله إلا تري القرآن العظيم يخبرنا عن قولهم له (عليه السلام): (حتي تكون حرضاً أو تكون من الهالكين)، لأنهم كانوا يرون بأمّ أعينهم أيّ ضررٍ وألمٍ يلحقه بنفسه بسبب شوقه وحزنه وجزعه علي ولي الله.

الفائدة الرابعة: في علم نبيّ الله يعقوب بحياة ولده يوسف (عليهما السلام):

من دون مقدماتٍ لابدّ من القول: إن يعقوب النبي (عليه السلام) كان علي علمٍ بحياة ولده يوسف (عليه السلام) وإليك ما جاء من تلويحٍ وتصريحٍ بهذا الخصوص في كتاب الله العزيز:

1- (فصبر جميل عسي الله أن يأتيني بهم جميعا).[سورة يوسف: الآية 83].

2- (قال إنّما أشكو بثي وحزني إلي الله وأعلم من الله ما لا تعلمون).[سورة يوسف: الآية 86].

3- (يا بنيّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تايئسوا من روح الله إنّه لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون).[سورة يوسف: الآية 87].

4- (ولمّا فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون، قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم، فلما أن جاء البشير ألقاه علي وجهه فارتدّ بصيراً، قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله مالا تعلمون).[سورة يوسف: الآيات 94 و 95 و 96].

وأمّا الروايات الشريفة فإليك نموذج منها:

1- (عن حنان بن سدير، عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أخبرني عن يعقوب حين قال لولده (اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) كان علم أنه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة وذهبت عيناه من الحزن والبكاء؟ قال: نعم علم أنه حي؛ أنه دعي ربه في السحر أن يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه ملك الموت في أطيب رائحة وأحسن صورة، فقال له: من أنت؟ قال: أنا ملك الموت، أليس سألت الله أن ينزلني عليك؟ قال: نعم. قال: ما حاجتك يا يعقوب؟ قال: اخبرني عن الأرواح تقبضها جملة أو تفاريق؟ قال: يقبضها أعواني متفرقة وتعرض عليّ مجتمعة. قال يعقوب: فأسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب هل عرض عليك في الأرواح روح يوسف؟ فقال: لا؛ فعند ذلك علم أنه حي.

فقال لولده: (اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تياسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) [20] .

2- (عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام):.... وكان يعقوب يعلم أنّ يوسف حي لم يمت وأنّ الله تعالي ذكره سيظهره له بعد غيبته، كان يقول لبنيه: إني اعلم من الله ما لا تعلمون) [21] .

ولا أظنّك يا قارئي العزيز أنّك بحاجةٍ إلي أكثر من ذلك لأجل بيان هذا الأمر و شرحه.

الفائدة الخامسة: زبدة القول

لقد بلغ ما بلغ من حزن يعقوب (عليه السلام) أن فقد بصره وابيضّ شعره وتقوّس ظهره وأسرع إليه الهرم حتي قال عنه إمامنا الصادق (عليه السلام) حين سألوه: (ما بلغ من حزن يعقوب علي يوسف؟ قال (عليه السلام): حزن سبعين ثكلي حرّي) [22] ، وكان ذلك منه مع علمه بحياة ولده. وقد جاء في رواية علي بن إبراهيم (ره) في تفسيره المعروف أنه كان بين يوسف وأبيه مسافة ثمانية عشر يوماً لا غير ومع كلّ ذلك فإنّ نبي الله يعقوب (عليه السلام) قضي سنينه في الحزن العظيم والجزع الشديد؛ ولو لم يكن ذلك من أعظم القربات إلي الله سبحانه وتعالي لما فعله هذا النبيّ المعصوم سلام الله عليه، ولما قرّره الباري جلّ شأنه في كتابه العزيز.

فهل يحق لأحد بعد ذلك من أهل الدين والشرع أن يشكّك في جواز بل مندوبية واستحباب إلحاق ضرر لا يعتدّ به في إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة لإظهار الحزن والجزع علي مصاب أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه. وقطعاً فقد تبيّن لك مما تقدم إن التطبير الحسيني لا ضرر فيه وحتي إن وجد فهو ممّا لا يعتدّ به. وأين يقع ضرر التطبير الحسيني علي فرض وجوده من ضرر العمي وفقدان البصر؟! فلمّا جاز هذا جاز ذلك مع أولويةٍ وأفضليةٍ وتأكيد لجهات ثلاث يتميز بها الجزع والحزن علي سيد شباب أهل الجنة صلوات الله عليه عن جزع وحزن يعقوب علي ولده (عليهما السلام):

1- للفارق العظيم بين المنزلتين والمقامين لسيد الشهداء صلوات الله عليه ويوسف الصديق (عليه السلام).

2- لعظمة مصيبة أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه التي لا تشبهها مصيبة ولا تدانيها رزية؛ إذ لا يمكننا المقايسة بين الذي جري علي يوسف (عليه السلام) وبين ما جري علي غريب الطفوف عليه افضل الصلاة والسلام.

3- للفارق الكبير جداً جداً بين ملابسات القضيتين وآثارهما، فأين وجه المقارنة أو المقايسة بين قضية عائليةٍ محدودة جوهرها التحاسد بين أخوةٍ لأبٍ واحد في بيتٍ واحد وعائلةٍ واحدة، وبين القضية الحسينية الخالدة بكل أبعادها، وظروفها، وبكل أهدافها، وآلامها، وآمالها، وتضحياتها، ومآسيها الجسام القاسية؛ والتي دوّخت العقول عبر الأجيال والعصور؟!

وختاماً يا قارئي العزيز فإني أقول بملء فمي: إنّ الذي تدل عليه وبوضوح آيات الكتاب الكريم في قصة يعقوب و يوسف (عليهما السلام) هو جواز بل استحباب إلحاق الضرر بالنفس في مواطن الحزن والجزع علي أولياء الله؛ لما في ذلك من عظيم أجرٍ وسمّو هدفٍ وجليل نفعٍ وجزيل فائدة مثمرة. ولا يخفي عل كلّ منصفٍ من محبي أهل البيت (عليهم السلام) إن التطبير الحسيني ليس فيه من إضرار واقعيّ بالنفس بل هو إضرار موهوم ومدّعي إذ لا حقيقة له والتجربة الطويلة الوافرة وتأريخ مواكب التطبير الحسيني أدلّ دليلٍ علي ذلك. ومن هنا فإذا جاز إلحاق الضرر بالنفس حزناً وجزعاً علي أولياء الله بحسب آيات الكتاب الكريم في قصة يوسف (عليه السلام). فكيف سيكون القول في التطبير الحسيني الذي لا ضرر ولا إضرار فيه علي النفس إذاً؟ ولكن (أفلا يتدبّرون القرآن أم علي قلوبٍ أقفالها) [23] .

و واعجباً ممّن يدّعي العلم والفقه والرئاسة الدينية وهو يري رضا الله سبحانه وتعالي في قرآنه الكريم عن حزن نبي معصوم لغيبة ولده أضرّ به حتي أفقده بصره مع علمه بحياة ولده؛ وإنّما كان ذلك منه شوقاً وحسرةً عليه بسبب ما يلقاه من مصاعب الحياة وبلاءاتها. كيف يتجرّأ ويعلن عدم رضا الله سبحانه وتعالي عن مواكب التطبير الحسيني حزناً وجزعاً علي مصاب لا مثيل له عبر تاريخ البشرية والي يوم القيامة (قل أ الله إذن لكم أم علي الله تفترون) [24] .

ولا أسهب في الكلام اكثر من ذلك، إلا أنني أقول: إذا كان قميص يوسف (عليه السلام) ببركته ويمنه ردّ البصر والنور إلي العينين اللتين انطفأ ضوءهما حزناً وجزعاً لأجل فراقه وشوقاً إليه. فإنّ تراباً جالت عليه خيول الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وصحبه الأوفياء وداسته بحوافرها هو تراب الغاضريات جعل الله فيه الشفاء من كل داء. وإنّ كلّ قطرة دمعٍ أو دمٍ سالت حزناً وجزعاً علي أبي عبد الله صلوات الله عليه تردّ البصيرة قبل البصر، وتجلي العقول، وتطهر القلوب، وترفع النفس الإنسانية إلي المراتب السامية.

ثانياً - خطبة أمير المؤمنين وسيد الوصيين صلوات الله وسلامه عليه وهي خطبته المعروفة المشهورة والتي أولها: (أمّا بعد، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصّة أوليائه..)، وقد خطبها حين وردت الأخبار بما فعله أصحاب معاوية لعنة الله عليه وعليهم لما غزوا الأنبار. فكان ممّا قاله عليه أفضل الصلاة والسلام: (وهذا أخو غامد وقد وردت خيله الأنبار، وقد قتل حسان بن حسّان البكري، وأزال خيلكم عن مسالحها، ولقد بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل علي المرأة المسلمة والأخري المعاهدة [25] ، فينتزع حجلها [26] وقلبها [27] وقلائدها ورعثها [28] ، ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع [29] والاسترحام ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلاً منهم كلم [30] ، ولا أريق لهم دم؛ فلو أنّ امرءاً مسلمـــاً مات مـــن بعــــد هـــذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً [31] ) [32] .

وأمّا مصادر هذه الخطبة الشريفة فهي كثيرة جداً ومن أهمّها:

نهج البلاغة ص 69 و ص 70 خ 27.

الكافي ج 5 ص 7 و ص 8 ح 6 ب 1 فضل الجهاد.

وقد رواها أيضاً شيخ الطائفة (ره) في تهذيب الأحكام ج 6 ص 54 ح 11 والشيخ الصدوق (ره) في معاني الأخبار، والشيخ المجلسي (ره) في بحار الأنوار، وأشار إليها الحر العاملي (ره) في الوسائل ج 11 وغيرهم كثير جداً.

وأظنّ يا قارئي العزيز أنّ وجه الاستدلال واضح فيها لا غبار عليه ولا غبش فيه؛ فسيد الأوصياء صلوات الله وسلامه عليه في خطبته هذه ما هو بلائمٍ لأي مسلم مات أسفاً وحسرةً لما جري علي نساء الأنبار من رعايا دولة أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام حين سلب أتباع معاوية لعنة الله عليه وعليهم حليّ نساء المسلمين ونساء أهل الذمة من اليهود أو النصاري بعد أن قتلوا عامل أمير المؤمنين (عليه السلام) علي الأنبار وعاثوا في الأرض فسادا. بل أنه (عليه السلام) يراه جديراً بالاحترام والتقدير، إذ يقول صلوات الله عليه: (بل كان عندي به جديرا).

فإذا كان الموت أسفا وحزناً لسلب امرأة يهودية من رعايا دولة أمير المؤمنين (عليه السلام) حليها وزينتها أمراً يستحق الإنسان عليه التقدير والإكرام عند سيد الأوصياء صلوات الله وسلامه عليه فما بالك أيها المنصف في الذي جري علي عقيلة العقائل زينب الكبري وعلي بنات أمير المؤمنين ونساء الحسن والحسين وآل بيت النبي صلوات الله عليهم جميعاً في عرصات الطفوف وما بعدها؟! وما بالك في الذي جري علي سيد الشهداء صلوات الله عليه قبل الذبح وبعده؟!

فأين الإنصاف يا تري.

وأين الحقّ يا تري؟

فلسلب امرأةٍ يهودية من أهل الذمة يجوز الموت أسفاً.. بل من مات بسبب ذلك أسفاً وحسرةً كان به جديرا! مع أنّ الثابت فقهاً حرمة الجزع في غير مصاب الحسين (عليه السلام) مطلقاً والنصوص شاهدة بذلك والجزع يا قارئي العزيز اشد بكثير جداً من الأسف فإذا كان الموت يعدّ من الأسف كما هو واضح وجلي في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) فكيف بالجزع ومراتبه؟!

ولا أريد الإطالة عليك، لكنّ مخلص القول هو:

1- ممدوحية الموت أسفاً لسلب امرأة يهودية من أهل الذمة.

2- وعلي ما تقدم فإنّ الموت من درجات ومراتب الأسف.

3- ومن المعلوم فإنّ الأسف اقل بكثيرٍ من الجزع.

4- تأكيد المعصومين (عليهم السلام) وأمرهم لنا بإظهار الجزع علي مصاب الحسين (عليه السلام) والذي هو أعلي درجة من الأسف بكثير بل جاء في بعض النصوص الشريفة التي تقدّم ذكرها قبل قليل في نفس هذا الفصل الحثّ علي الهلع وهو أفحش الجزع. ولقد جزع وهلع إمامنا السجاد(عليه السلام) علي مصاب أبيه (عليه السلام) كما حدثنا بذلك عن نفسه المقدّسة.

فما هي النتيجة بعد ذلك يا تري؟

أظنّ أنّ الأمر بات واضحاً لذي عينين؛ أفبعد كل هذا؟! كيف يمكن الاستشكال علي جراحةٍ محدودة وخروج مقدار محدود من الدم لا يسبّب أدني ضررٍ للإنسان يفعله عشاق الحسين صلوات الله عليه في مواكب حزنهم وجزعهم عليه وعلي أهل بيته الأطهار وصحبه الأخيار؟!

ولكن ما عشت أراك الدهر عجبا!!!

ثالثاً- استحباب زيارة سيد الشهداء صلوات الله عليه مع الخوف علي النفس ووجود المخاطر العظيمة:

والأحاديث والأخبار عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم كثيرة وفيرة في هذا المضمون. وهاأنا ذاكر لك بعضاً منها:

1- (عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول فيمن زار أباك علي خوف؟ قال: يؤمنه الله يوم الفزع الأكبر، وتلقّاه الملائكة بالبشارة، ويقال له: لا تخف ولا تحزن هذا يومك الّذي فيه فوزك).

جاء مروياً في:

1- كامل الزيارات طبعة طهران ب 45 ح 1 ص 135.

2- وسائل الشيعة ج 10 ب 47 ح 1 ص 356.

3- بحار الأنوار ج 101 ص 11.

2- (عن ابن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: إني أنزل الأرّجان وقلبي ينازعني إلي قبر أبيك، فإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتّي ارجع خوفاً من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح، فقال: يا ابن بكير أما تحبّ أن يراك الله فينا خائفاً؟ أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظلّه الله في ظلّ عرشه، وكان محدّثه الحسين (عليه السلام) تحت العرش، وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزع، فإن فزع وقّرته الملائكة وسكنت قلبه بالبشارة).

جاء مروياً في:

1- كامل الزيارات ب 45 ح 2 ص 135 و ص 136.

2- وسائل الشيعة ج 10 ب 47 ح 2 ص 356.

3- بحار الأنوار ج 101 ص 11.

3- (عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: يا معاوية لا تدع زيارة قبر الحسين (عليه السلام) لخوف، فإنّ من تركه رأي من الحسرة ما يتمنّي أنّ قبره كان عنده، أما تحب أن يري الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعليّ وفاطمة والأئمة (عليهم السلام)؟ أما تحب أن تكون ممن ينقلب بالمغفرة لما مضي ويغفر له ذنوب سبعين سنة؟ أما تحب أن تكون ممن يخرج من الدنيا وليس عليه ذنب يتبع به؟ أما تحب أن تكون غداً ممن يصافحه رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟.

جاء مروياً في:

1- كامل الزيارات ب 40 ح 3 ص 127 و ب 45 ح 3.

2- وسائل الشيعة ج10 ب 37 ح 7 ص 321.

3- بحار الأنوار ج 101 ب 1 ح 30 ص 8.

وقد مرّ ذكر هذا الحديث بتمامه نقلاً عن الوسائل في الفصل الأول من هذا الكتاب.

4- عن محمد بن مسلم، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه سأله: (هل تأتي قبر الحسين (عليه السلام)؟ قلت: نعم علي خوف ووجل، فقال (عليه السلام): ما كان في هذا أشدّ فالثواب فيه علي قدر الخوف، ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم يقوم الناس لربّ العالمين، وانصرف بالمغفرة، وسلّمت عليه الملائكة، ورآه النبي [33] (صلي الله عليه وآله) وما يصنع، ودعا له، وانقلب بنعمةٍ من الله وفضل لم يمسسه سوء واتّبع رضوان الله) [34] .

5- ما جاء في حديث قدامة بن زائدة، عن أبيه قال: (قال علي ابن الحسين (عليهما السلام): بلغني يا زائدة أنّك تزور قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) أحياناً؟ فقلت: إنّ ذلك لكما بلغك، فقال لي: فلماذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحداً علي محبّتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا والواجب علي هذه الأمة من حقّنا؟ فقلت: والله ما أريد بذلك إلاّ الله ورسوله، ولا أحفل بسخط من سخط، ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه، فقال: والله إنّ ذلك لكذلك؟ فقلت: والله إنّ ذلك لكذلك، يقولها ثلاثاً وأقولها ثلاثاً. فقال: أبشر ثم أبشر ثم أبشر..).

وقد مرّ عليك يا قارئي العزيز هذا الحديث الطويل بتمامه في الفصل الأول من هذا الكتاب الذي بين يديك نقلاً عن كامل الزيارات ب 88 من ص 273 إلي ص 278، فراجعه مرةً أخري وأخري تغتنم إن شاء الله تعالي.

6- (عن الأصمّ [35] قال: حدّثنا هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل، قال: أتاه رجل فقال له: يا ابن رسول الله هل يُزار والدك؟ قال: فقال نعم ويصلّي عنده، وقال: يصلي خلفه ولا يتقدّم عليه، قال: فما لمن أتاه؟ قال: الجنة إن كان يأتمّ به، قال: فما لمن تركه رغبةً عنه؟ قال: الحسرة يوم الحسرة، قال: فما لمن أقام عنده؟ قال: كلّ يوم بألف شهر، قال: فما للمنفق في خروجه إليه والمنفق عنده؟ قال: درهم بألف درهم، قال: فما لمن مات في سفره إليه؟ قال: تشيّعه الملائكة، وتأتيه بالحنوط والكسوة من الجنّة، وتصلّي عليه إذا كفّن وتكفّنه فوق أكفانه، وتفرش له الرّيحان تحته، وتدفع الأرض حتّي تصوّر من بين يديه مسيرة ثلاثة أميال، ومن خلفه مثل ذلك، وعند رأسه مثل ذلك، وعند رجليه مثل ذلك، ويفتح له باب من الجنّة إلي قبره، ويدخل عليه روحها وريحانها حتي تقوم الساعة، قلت: فما لمن صلّي عنده؟ قال من صلّي عنده ركعتين لم يسأل الله تعالي شيئاً إلا أعطاه إيّاه، قلت: فما لمن اغتسل من ماء الفرات، ثمّ أتاه؟ قال: إذا اغتسل من ماء الفرات وهو يريده تساقطت عنه خطاياه كيوم ولدته أمه، قال: قلت: فما لمن يجهز إليه ولم يخرج لعلّةٍ تصيبه؟ قال: يعطيه الله بكلّ درهم أنفقه مثل أُحُد من الحسنات، ويخلف عليه أضعاف ما أنفقه، ويصرف عنه من البلاء مما قد نزل ليصيبه، ويدفع عنه، ويحفظ في ماله، قال: قلت: فما لمن قتل عنده، جار عليه سلطان فقتله؟ قال: أول قطرة من دمه يغفر له كلّ خطيئة، وتغسل طينته التي خلق منها الملائكة حتي تخلص كما خلصت الأنبياء المخلصين، ويذهب عنها ما كان خالطها من أجناس طين أهل الكفر، ويغسل قلبه ويشرح صدره ويملأ إيماناً فيلقي الله وهو مخلص من كلّ ما تخالطه الأبدان والقلوب، ويكتب له شفاعة في أهل بيته وألف من إخوانه، وتولّي الصلاة عليه الملائكة مع جبرائيل وملك الموت، ويؤتي بكفنه وحنوطه من الجنّة، ويوسّع قبره عليه ويوضع له مصابيح في قبره ويفتح له باب من الجنّة وتأتيه الملائكة بالطرف من الجنّة، ويرفع بعد ثمانية عشر يوماً إلي حظيرة القدس، فلا يزال فيها مع أولياء الله حتي تصيبه النفخة التي لا تبقي شيئاً. فإذا كانت النفخة الثانية وخرج من قبره كان أوّل من يصافح رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأمير المؤمنين والأوصياء (عليهم السلام) ويبشّرونه ويقولون له: الزمنا، ويقيمونه علي الحوض فيشرب منه ويسقي من أحبّ. قلت: فما لمن حبس في إتيانه؟ قال: له بكل يوم يحبس ويغتم فرحة إلي يوم القيامة، فإن ضرب بعد الحبس في إتيانه كان له بكلّ ضربةٍ حوراء وبكلّ وجع يدخل علي بدنه ألف ألف حسنة ويمحي بها عنه ألف ألف سيّئة، ويرفع له بها ألف ألف درجة، ويكون من محدّثي رسول الله (صلي الله عليه وآله) حتي يفرغ من الحساب، فيصافحه حملة العرش ويقال له: سل ما أحببت. ويؤتي ضاربه للحساب فلا يسأل عن شيء ولا يحتسب بشيء ويؤخذ بضبعيه حتي ينتهي به إلي ملك يحبوه ويتحفه بشربةٍ من الحميم، وشربةٍ من الغسلين، ويوضع علي مقالٍ في النار فيقال له: ذق ما قدّمت يداك فيما أتيت إلي هذا الذي ضربته، وهو وفد الله ووفد رسوله ويؤتي بالمضروب إلي باب جهنّم فيقال له: انظر إلي ضاربك والي ما قد لقي فهل شفيت صدرك، وقد اقتصّ لك منه؟ فيقول: الحمد لله الذي انتصر لي ولولد رسوله منه).

وقد جاء هذا الحديث مروياً في:

1- كامل الزيارات ب 44 ح 2 ص 133 و ص 134.

2- بحار الأنوار ج 101 ص 79.

3- مستدرك الوسائل ج 2 ص 209 الطبعة الحجرية.

بيان:

بعد ذكر هذه الروايات والأحاديث التي لا يحتاج فهمها ومعرفة فحواها إلي جهدٍ جهيد، اُلخّص الكلام في النقاط التالية:

1- الروايات المتقدمة كلها منقولة من كتاب كامل الزيارات الذي يعتبر بين المحققين من العلماء والفقهاء والمحدّثين أنه من أوثق كتب الطائفة وأعلاها منزلة وأشدّها اعتباراً [36] .

2- متون هذه الروايات تدلّ بوضوحٍ علي:

أ- جواز بل استحباب إلحاق الضرر بالنفس لو استلزم ذلك في سبيل زيارة سيد الشهداء صلوات الله عليه.

ب - عظيم الثواب والأجر، وعظيم المنزلة والزلفي والقرب من الله سبحانه وتعالي بسبب ما يتحمّله الإنسان من أضرار تلحق به أو مخاطر عظيمة قد تودي بحياته في سبيل زيارة أبي عبد الله الحسين المظلوم صلوات الله وسلامه عليه) [37] .

3- البعد الأهم في ملاك تشريع الزيارة الحسينية المقدّسة كما يبدو من كلمات المعصومين (عليهم السلام) هو بعد تربوي عقائدي: تربوي من حيث العبرة والأسوة الحسينية بكل كمالها وحقّها وهداها، وعقائدي من حيث تمتين وتشديد الرابطة الصحيحة بين الجماهير وقادتهم الربانيين وإذكاء شعلة الحق بإحياء القضية الحسينية، إضافةً لما يترتب علي ذلك من عظيم الأجر والثواب، وتضاعف الحسنات، ومحو السيئات، وغفران الذنوب، وتوفيق الطاعة والعمل الصالح، ودفع البلاء في الدين والدنيا؛ لذا كان هذا الحثّ الأكيد من المعصومين (عليهم السلام) للتوجّه إلي زيارة سيد الشهداء صلوات الله عليه ولو استلزم ذلك قتل النفوس كما مرّ علينا في الأحاديث والروايات الشريفة التي ذكرت قبل قليل. فإذا جاز قتل النفس وتحمّل الأضرار والمخاطر الكبيرة في سبيل إحياء أمر الحسين (عليه السلام) بل يظهر الاستحباب بشكلٍ واضح من تلكم الروايات والأخبار. فما قيمة الضرر الهيّن علي فرض وجوده في التطبير حزناً وجزعاً علي سيد شباب أهل الجنّة صلوات الله وسلامه عليه إذاً؟! وما قيمة الاستهزاء والسخرية في مقابل ما يفعله الظالمون من تنكيل وتعذيب وتقتيل في سبيل إحياء أمر آل محمّد صلوات الله عليهم جميعاً؟! الجواب عندكم أيها المنصفون..

زبدة المخض:

من قصة يوسف (عليه السلام) القرآنية عرفنا جواز بل رجحان الإضرار بالنفس حتي درجة فقدان البصر شوقاً وحزناً علي أولياء الله وما يجري عليهم.

ومن خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) عرفنا جواز بل رجحان الموت أسفاً لأجل ما يجري من الأذيان والمحن علي رعايا الدولة الإسلامية وان كانوا من أهل الذمة كما صار في واقعة غزو الأنبار من قبل أصحاب معاوية لعنة الله عليه وعليهم.

ومن أحاديث استحباب زيارة سيد الشهداء (عليه السلام) مع الخوف عرفنا جواز بل رجحان تحمل البلايا والمخاطر العظيمة حتي درجة القتل في سبيل ذلك.

فهل يبقي لذي قول مقال؟!

وهل بعد ذلك إلا القول بجواز بل رجحان واستحباب التطبير حزناً وجزعاً علي أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه؟!

وفي جوّ الإستدلال أيضاً:

شواهد ومؤيّدات

أ- من موارد الإدماء:

(عن مسلم الجصّاص قال: دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة، فبينما أنا أجصصّ الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة، فأقبلت علي خادم كان معنا فقلت: مالي أري الكوفة تضجّ؟ قال: الساعة أتوا برأس خارجي خرج علي يزيد، فقلت: من هذا الخارجي؟ فقال: الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: فتركت الخادم حتّي خرج ولطمت وجهي حتّي خشيت علي عيني أن تذهب، وغسّلت يدي من الجصّ وخرجت من ظهر القصر وأتيت إلي الكناس. فبينما أنا واقف والناس يتوقّعون وصول السبايا والرؤوس إذ قد أقبلت نحو أربعين شُقّة تحمل علي أربعين جملاً فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة (عليها السلام) وإذا بعليّ بن الحسين (عليهما السلام) علي بعير بغير وطاء، دماً وأوداجه تشخب، وهو مع ذلك يبكي ويقول:



يـــا أمــة السوء لا سقياً لربعكم

يـــا أمّـــة لـــم تــــراع جدّنا فينا



لـــو أنّـــنا ورســــول الله يجمعنا

يـــــوم القـــيامة ما كنتم تقولونا



بنـــي أمـية ما هذا الوقوف علي

تـــلك المــصائب لا تلبون داعينا



تصــــفّقون عـــلينا كفّــــكم فرحاً

وأنتـــم في فجاج الأرض تسبونا



أليـــس جـــدّي رسول الله ويلكم

أهدي البريّــة من سبل المضلّينا



يا وقعة الطـفّ قد أورثتني حزنا

والله يهتك أســــتار المســـــيئينا



قال وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين علي المحامل بعض التمر والخبز والجوز، فصاحت بهم أمّ كلثوم وقالت: يا أهل الكوفة إنّ الصدقة علينا حرام وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلي الأرض، قال كل ذلك والناس يبكون علي ما أصابهم. ثمّ إنّ أمّ كلثوم أطلعت رأسها من المحمل، وقالت لهم: صه يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم، وتبكينا نساؤكم؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء. فبينما هي تخاطبهنّ إذا بضجّة قد ارتفعت، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين (عليه السلام) وهو رأس زهريّ قمريّ أشبه الخلق برسول الله (صلي الله عليه وآله) ولحيته كسواد السبج [38] قد انتصل منها الخضاب، ووجه دارة قمرٍ طالع والريح تلعب بها يميناً وشمالا فالتفت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدّم المحمل، حتّي رأينا الدّم يخرج من تحت قناعها وأومأت إليه بحرقة وجعلت تقول:



يــــا هــلالاً لمّـــا استتمّ كمالا

غـــــاله خســــفه فأبدا غروبا



ما توهّمت يا شقــــيق فؤادي

كان هذا مقدّراً مكتوبــا) [39] .



وفي الزيارة المفجعة التي يقرأها زوّار العقيلة (عليها السلام) حين المثول بين يدي ضريحها المقدّس في مشهدها المبارك:

(السلام عليك يا من نطحت جبينها بمقدّم المحمل إذ رأت رأس سيد الشهداء، ويخرج الدم من تحت قناعها ومن محملها بحيث يري من حولها الأعداء).

2- (عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قال الرضا (عليه السلام): إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال فاستحلّت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله حرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح [40] جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلي يوم الانقضاء، فعلي مثل الحسين فليبك الباكون فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام.

ثمّ قال (عليه السلام): كان أبي إذا دخل شهر المحرّم لا يري ضاحكاً وكانت الكآبة تغلب عليه حتّي يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلي الله عليه) [41] .

3- ومما جاء في زيارة الناحية المقدّسة، حيث يقول إمام زماننا (عليه السلام): (فلئن أخّرتني الدّهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً، ولمن نصب لك العداوة مناصباً، فلأندبنّك صباحاً ومساء، ولأبكين لك بدل الدموع دماً، حسرةً عليك، وتأسّفاً علي ما دهاك، وتلهّفاً حتّي أموت بلوعة المصاب، وغصّة الاكتئاب) [42] .

4- وعن بحار الأنوار لشيخنا المجلسي (ره):

(إنّ آدم لمّا هبط إلي الأرض لم ير حوّا فصار يطوف الأرض في طلبها فمرّ بكربلا فاغتمّ وضاق صدره من غير سبب، وعثر في الموضع الّذي قتل فيه الحسين، حتّي سال الدّم من رجله، فرفع رأسه إلي السماء وقال: إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فعاقبتني به؟ فإنّي طفت جميع الأرض، وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض. فأوحي الله إليه يا آدم ما حدث منك ذنب، ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً فسال دمك موافقة لدمه، فقال آدم: يا ربّ أيكون الحسين نبيّاً؟ قال: لا، ولكنه سبط النبيّ محمّد، فقال: ومن القاتل له؟ قال: قاتله يزيد لعين أهل السماوات والأرض. فقال آدم: فأيّ شيء أصنع يا جبرائيل؟ فقال: العنه يا آدم فلعنه أربع مرّات ومشي خطوات إلي جبل عرفات فوجد حوّا هناك) [43] .

5- وعنه أيضاً:

(إنّ إبراهيم (عليه السلام) مرّ في أرض كربلا وهو راكب فرساً فعثرت به وسقط إبراهيم وشجّ رأسه وسال دمه، فأخذ في الاستغفار وقال: إلهي أيّ شيء حدث مني؟ فنزل إليه جبرائيل وقال: يا إبراهيم ما حدث منك ذنب، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء، فسال دمك موافقة لدمه. قال: يا جبرائيل ومن يكون قاتله؟ قال: لعين أهل السماوات والأرضين، والقلم جري علي اللّوح بلعنه بغير إذن ربّه فأوحي الله تعالي إلي القلم إنّك استحققت الثناء بهذا اللّعن. فرفع إبراهيم (عليه السلام) يده ولعن يزيد لعناً كثيراً وأمّن فرسه بلسان فصيح فقال إبراهيم لفرسه:

أيّ شيء عرفت حتّي تؤمّن علي دعائي؟ فقال: يا إبراهيم أنا أفتخر بركوبك عليّ فلما عثرت وسقطت عن ظهري عظمت خجلتي وكان سبب ذلك من يزيد لعنه الله تعالي) [44] .

6- وعنه أيضاً كذلك:

(إنّ موسي كان ذات يوم سائراً ومعه يوشع بن نون، فلمّا جاء إلي أرض كربلا انخرق نعله، وانقطع شراكه، ودخل الحسك [45] في رجليه، وسال دمه، فقال: إلهي أيّ شيء حدث منّي فأوحي إليه أنّ هنا يقتل الحسين (عليه السلام) وهنا يسفك دمه، فسال دمك موافقة لدمه فقال: ربّ ومن يكون الحسين؟ فقيل له: هو سبط محمّد المصطفي، وابن عليّ المرتضي. فقال: ومن يكون قاتله؟ فقيل: هو لعين السمك في البحار، والوحوش في القفار، والطير في الهواء. فرفع موسي يديه ولعن يزيد ودعا عليه وأمّن يوشع بن نون علي دعائه ومضي لشأنه) [46] .

7- وفي كامل الزيارات:

(عن محمّد بن سنان - عمّن ذكره - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ إسماعيل الّذي قال الله تعالي في كتابه: (واذكر في الكتاب إسماعيل إنّه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً) [47] ، لم يكن إسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام)، بل كان نبياً من الأنبياء، بعثه الله إلي قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملك عن الله تبارك وتعالي فقال: إنّ الله بعثني إليك فمرني بما شئت، فقال: لي أسوة بما يصنع بالحسين) [48] .

8- ومنه أيضاً:

(عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّه كان لله رسولاً نبياً تسلّط عليه قومه فقشروا جلدة وجهه وفروة رأسه فأتاه رسول من ربّ العالمين فقال له: ربّك يقرؤك السلام ويقول: قد رأيت ما صنع بك؛ وقد أمرني بطاعتك، فمرني بما شئت، فقال: يكون لي بالحسين أسوة) [49] .

وسنري أحاديث أخري عن المعصومين (عليهم السلام) في هذا المضمون في الفصل السادس من هذا الكتاب في طوايا كلمات علماء وفقهاء ومراجع الأمة، كقول الإمام الصادق (عليه السلام): (علي مثل الحسين فلتشق الجيوب، ولتخمش الوجوه، ولتلطم الخدود)، ولا يخفي فإنّ لازمة خمش الوجوه هو الإدماء. وكذلك ما جاء منقولاً عن الإمام السجاد (عليه السلام) أنّه (كان إذا أخذ إناءً ليشرب يبكي حتي يملأه دماً)، وغير ذلك ممّا استدلّ به علماء الأمة وفقهاؤها واستشهدوا به.

ب - من موارد إلحاق الضرر بالنفس حتي الموت المؤيّدة بتقرير المعصوم (عليه السلام) ورضاه:

1- خطبة وصف المتقين في نهج البلاغة الشريف أشهر من نارٍ علي علم بين أهل العلم وأهل الدين من خاصّتهم وعامّتهم. فلندقّق النظر في قصة هذه الخطبة. وإليك نصّ ما ذكره الشريف الرضي (ره) في نهج البلاغة:

(روي أنّ صاحباً لأمير المؤمنين (عليه السلام) يقال له همام كان رجلاً عابداً فقال له: يا أمير المؤمنين، صف لي المتقين حتي كأني أنظر إليهم. فتثاقل (عليه السلام) عن جوابه ثم قال: يا همام اتق الله وأحسن فـ (إنّ الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) [50] .

فلم يقنع همام بهذا القول حتي عزم عليه، فحمد الله وأثني عليه، وصلّي علي النبي (صلّي الله عليه وآله) ثم قال (عليه السلام):

أمّا بعد.... إلي آخر الخطبة الشريفة.

قال: فصعق [51] همام صعقة كانت نفسه فيها. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أما والله لقد كنت أخافها عليه. ثم قال: أهكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها؟) [52] .

تعليق:

قول سيد الأوصياء عليه أفضل الصلاة والسلام:

(أما والله لقد كنت أخافها عليه) يُشعرنا بأنّ هماماً كان متوقّعاً منه أن يكون الذي منه كان، حيث وقع مغشياً عليه وفارقت روحه الدنيا. وهذا يدلّ بنحو مؤكّد علي جواز الإقدام علي ما يلحق الضرر بالنفس ولو إلي درجة الموت مع العلم المسبق أو الظن الشديد قبل الشروع في بعضٍ من الحالات المعنوية كالتي كان الحديث عنها في هذه الواقعة. وقوله (عليه السلام): (أهكذا تصنع المواعظ بأهلها؟) تقرير واضح وإمضاء بيّن لحالة همام رضوان الله تعالي عليه بل هو في الحقيقة مدح بليغ وبيان جزل لسموّ المقام المعنوي والدرجة الإيمانية لهمام ومن كان مثله. وخلاصة القول هي: جواز بل رجحان إلحاق الضرر بالنفس ولو كان ذلك إلي درجة الموت في بعضٍ من الحالات المعنوية، فهمام رضوان الله تعالي عليه سمع أوصاف المتقين فصعق صعقة كانت نفسه فيها. فكيف لو سمع بما جري علي إمام المتقين وسيدّهم وحجة الله البالغة عليهم سيد الشهداء صلوات الله عليه:

(.... ولما ضعف الحسين (عليه السلام) عن القتال وقف يستريح فرماه رجل بحجر علي جبهته فسال الدم علي وجهه، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن عينيه، رماه آخر بسهم محدّد له ثلاث شعب وقع علي قلبه فقال: بسم الله وبالله وعلي ملّة رسول الله ورفع رأسه إلي السماء وقال: الهي إنّك تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس علي وجه الأرض ابن بنت نبي غيري!! ثم أخرج السهم من قفاه وانبعث الدم كالميزاب فوضع يده تحت الجرح فلما امتلأت رمي به نحو السماء وقال: هوّن عليّ ما نزل بي أنه بعين الله فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلي الأرض! ثم وضعها ثانياً فلما امتلأت لطخ به رأسه ووجهه ولحيته وقال: هكذا أكون حتي ألقي الله وجدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأنا مخضّب بدمي...... وأعياه نزف الدم فجلس علي الأرض ينوء برقبته فانتهي إليه في هذا الحال مالك بن النسر فشتمه ثم ضربه بالسيف علي رأسه وكان عليه برنس فامتلأ البرنس دما فقال الحسين (عليه السلام): لا أكلت بيمينك ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين.... فصاح الشمر: ما وقوفكم وما تنتظرون بالرجل وقد أثخنته السهام والرماح؟! احملوا عليه!



وا أســـــــــفاه حـــــملوا عــــليـــه

مــــن كــــل جــــــانبٍ أتــــوا إليـه



قــــد ضــــربوا عــــاتقه المطــهرا

بـضربةٍ كبي لها علي الثري [53] .



وضربه زرعة بن شريك علي كتفه الأيسر، ورماه الحصين في حلقه، وضربه آخر علي عاتقه، وطعنه سنان بن أنس في ترقوته ثم في بواني صدر رماه بسهمٍ في نحره، وطعنه صالح بن وهب في جنبه. وأقبل الفرس يدور حوله ولطّخ ناصيته بدمه فصاح ابن سعد دونكم الفرس.... فلما أمن الطلب أقبل نحو الحسين يمرّغ ناصيته بدمه ويشمّه ويصهل صهيلاً عالياً.. قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) كان يقول: (الظليمة، الظليمة، من أمةٍ قتلت ابن بنت نبيها) وتوجّه نحو المخيم بذلك الصهيل.... ثم صاح بن سعد بالناس: انزلوا إليه وأريحوه فبدر إليه شمر فرفسه برجله وجلس علي صدره، وقبض علي شيبته المقدّسة، وضربه بالسيف اثنتي عشرة ضربة، واحتزّ رأسه المقدّس!!!!!

وأقبل القوم علي سلبه، فأخذ إسحاق بن حوية قميصه، وأخذ الأخنس بن مرثد بن علقمة الحضرمي عمامته، وأخذ الأسود بن خالد نعليه.... وجاء بجدل فرأي الخاتم في إصبعه والدماء عليه فقطع إصبعه واخذ الخاتم.... وأراد رجل منهم أخذ تكّة سرواله وكان لها قيمة [54] وذلك بعد ما سلبه الناس يقول: أردت أن انزع التكّة فوضع يده اليمني فلم اقدر علي رفعها فقطعت يمينه فوضع يده اليسري عليها فلم أقدر علي رفعها فقطعتها وهممت بنزع السروال فسمعت زلزلة فخفت وتركته وغشي عليّ....) [55] .

أتري هماماً ماذا يصنع؟ سؤال أترك جوابه للمنصفين..

وماذا يقول سيد الأوصياء (عليه السلام) لقومٍ يلطّخون رؤوسهم بدمائهم حزناً وجزعاً علي مصاب إمامهم من دون أن يلحقهم أي ضررٍ يذكر بعد أن قال ما قال عليه أفضل الصلاة والسلام في همامٍ الذي قضي نحبه في صعقةٍ لأجل موعظةٍ بالغة؟!

2- تحت نظر الإمام السجاد صلوات الله عليه وتقريره آلت الرباب (عليها السلام) أم عبد الله الرضيع علي نفسها أن لا تسكن تحت ظل بعد أن بقي أبو عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ثلاثاً علي الثري من دون ظل؛ وبقيت تتحمل آلام حرّ الحجاز وقرّه لم يظلها سقف بيت حتي ودّعت الدنيا بعد عاشوراء بسنةٍ واحدة. وهذا الأمر ليس بخفيّ إذ نقله مؤرّخو العامة [56] قبل الخاصة.

ويحضرني من الشعر ما يناسب المقام:



البـــــــدار البـــــــدار آل نـــــــــزال

قد فنيتم ما بين بيض الشفار [57] .



لا تــــــلد هــــــاشمية علــــــويــــــاً

إن تــــــــركتم أميـــــــــةً بــــــقرار



طـــــأطأوا الروس إنّ رأس حسينٍ

رفعـــــوه فـــوق القنا الخطّار [58] .



لا تذوقوا المعيــــــن واقضوا ظمايا

بعـــــد ظـام قضي بحدّ الغرار [59] .



لا تــــمدّوا لكــــم عـن الشمس ظلاّ

إنّ فـــــي الشمـــس مهجة المختار



حــــــقّ أن لا تـــــكفّنوا هـــــاشمياً

بعــــــد مـــــا كفّـن الحسين الذاري



لا تشــــــقّوا لآل فــــــهرٍ قبـــــــوراً

فــــــابن طـــه ملقيً بلا إقبار [60] .



وبعد ما رأيت يا قارئي العزيز من حال سيدتنا الرباب سلام الله عليها وما تحمّلته من آلامٍ وأوجاع خلال سنةٍ كاملة حتي فارقت الدنيا؛ كلّ ذلك حزناً وجزعاً علي سيد شباب أهل الجنّة عليه أفضل الصلاة والسلام. أفيحقّ لأحدٍ أن يعترض علي مواكب التطبير الحسيني والتي لا يقاس ما فيها من حزنٍ وجزعٍ أبداً بأي وجه من الوجوه مع حزنٍ كحزن سيدتنا الرباب (عليها السلام)؟! ولكن ماذا نقول إذا انقلبت الموازين، وانتكس الوجدان، ومات الإنصاف؟!

خاتمة الفصل الخامس:

مرّ علينا في هذا الفصل:

1- دليل أصالة البراءة: إذ كل شيء هو لك حلال حتي تعلم بحرمته.

2- أحاديث: استحباب الجزع، الإبكاء، إحياء الأمر.

3- حزن نبي الله يعقوب (عليه السلام)، خطبة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، أحاديث استحباب زيارة الحسين (عليه السلام) مع الخوف والمخاطر.

4- مجموعة من الشواهد والمؤيّدات.

وكلّ ذلك يدلّ بوضوح علي جواز ورجحان وأولوية واستحباب التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه. ومهما يكن فإنّه حتي لو أنكر المنكرون كلّ هذه الأحاديث والروايات والأدلّة - ولا يكون ذلك قطعاً منهم إلاّ جهلاً أو مكابرةً وعناداً - فإنهم لا يمكنهم بأي وجهٍ من الوجوه أن يتركوا الإفتاء والعمل بالأصل العملي القائل بالجواز لعدم وجود أي نصّ أو حديثٍ في أيديهم يمنع من التطبير الحسيني. وإلا كانت فتاواهم وآراؤهم إفتاءً من غير علم، ومن أفتي بغير علم فأمره معروف.


پاورقي

[1] البراءة العقلية هي حکم العقل بأن الله سبحانه وتعالي لا يعاقب أحداً من خلقه أو أمة من الأمم علي فعل شيءٍ لم يکن قد بيّن لهم حرمته من طريق الأنبياء والرسل والأوصياء (عليهم السلام) والکتب السماوية. وهي ما يعبّر عنها بقاعدة قبح العقاب بلا بيان. وأما البراءة الشرعية فهي حکم الشرع کتاباً وسنةً الموافق والمطابق للحکم العقلي الذي سبق ذکره قبل قليل: وقد وردت النصوص من الکتاب الکريم والسنة المبارکة في هذا المضمون وهذا المحتوي وعلي سبيل المثال مما ورد في السنة الشريفة:

- عن الإمام الصادق (عليه السلام): (کلّ شيء مطلق حتي يرد فيه نهي)، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق.

- وعنه (عليه السلام) أيضاً: (الأشياء مطلقة ما لم يرد عليک أمر ونهي وکل شيءٍ يکون فيه حلال وحرام فهو لک حلال أبداً ما لم تعرف الحرام منه فتدعه)، أمالي الشيخ طوسي.

- عن المعصوم (عليهم السلام): (کل شيءٍ مطلق حتي يرد فيه نص)، غوالي اللئالي.. إلي غير ذلک من النصوص الکثيرة والتي يمکنک أن تراجعها في ما جمعه السيد عبد الله شبر (ره) في کتابه الأصول الأصلية والقواعد الشرعية من ص 212 إلي ص 217 طبعة قم، منشورات مکتبة المفيد.

[2] واليک الحديث بتمامه کما رواه شيخنا بن قولويه (ره): (عن مسمع بن عبد الملک کردين البصري قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا مسمع أنت من أهل العراق؛ أما تأتي قبر الحسين (عليه السلام)؟ قلت: لا؛ أنا رجل مشهور عند أهل البصرة، وعندنا من يتّبع هوي هذا الخليفة، وعدوّنا کثير من أهل القبائل من النُّصّاب وغيرهم، ولست أمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيمثّلون بي، قال لي: أفما تذکر ما صنع به؟ قلت: نعم، قال: فتجزع؟ قلت: إي والله وأستعبر لذلک حتي يري أهلي أثر ذلک عليّ فأمتنع من الطعام حتي يستبين ذلک في وجهي، قال: رحم الله دمعتک، أما إنّک من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا، والّذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا أمنّا، أما إنک ستري عند موتک حضور آبائي لک ووصيّتهم ملک الموت بک، وما يلقّونک به من البشارة أفضل، ولملک الموت أرق عليک وأشدّ رحمةً لک من الأُم الشفيقة علي ولدها، قال: ثمّ استعبر واستعبرت معه، فقال: الحمد لله الذي فضّلنا علي خلقه بالرحمة وخصّنا أهل البيت بالرحمة، يا مسمع إن الأرض والسماء لتبکي منذ قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) رحمةً لنا، وما بکي لنا من الملائکة أکثر وما رقأت دموع الملائکة، منذ قتلنا، وما بکي أحد رحمةً لنا ولما لقينا إلا رحمه الله قبل أن تخرج الدّمعة من عينيه، فإذا سالت دموعه علي خدّه، فلو أنّ قطرةً من دموعه سقطت في جهنّم لأطفئت حرّها حتي لا يوجد لها حر، وإنّ الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند موته فرحةً لا تزال تلک الفرحة في قلبه حتي يرد علينا الحوض، وإنّ الکوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه حتي أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه، يا مسمع من شرب منه لم يظمأ بعدها أبداً، ولم يستقِ بعدها أبداً، وهو في برد الکافور وريح المسک وطعم الزنجبيل، أحلي من العسل، وألين من الزّبد وأصفي من الدمع وأذکي من العنبر يخرج من تسنيم، ويمرّ بأنهار الجنان يجري علي رضراض الدّر والياقوت، فيه من القدحان أکثر من عدد نجوم السماء، يوجد ريحه من مسيرة ألف عام، قدحانه من الذهب والفضّة وألوان الجوهر، يفوح في وجه الشارب منه کلّ فائحة حتي يقول الشارب منه: ياليتني ترکت ههنا لا أبغي بهذا بدلا، ولا عنه تحويلاً، أما إنک يا ابن کردين ممن تروي منه، وما من عين بکت لنا إلا نعمت بالنظر إلي الکوثر وسيقت منه، وانّ الشارب منه ممن أحبنا ليعطي من اللّذّة والطعم والشهوة له أکثر مما يعطاه من هو دونه في حبنا. وان علي الکوثر أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي يده عصاً من عوسج يحطم بها أعداءنا، فيقول الرجل منهم: إني أشهد الشهادتين، فيقول: انطلق إلي إمامک فلان فاسأله أن يشفع لک، فيقول: تبرأ مني إمامي الّذي تذکره، فيقول: الرجع إلي ورائک فقل للذي کنت تتولاه وتقدّمه علي الخلق فاسأله إذا کان خير الخلق عندک أن يشفع لک، فإنّ خير الخلق من يشفع، فيقول: إني أهلک عطشاً، فيقول له: زادک الله ظمأ وزادک الله عطشاً. قلت: جعلت فداک وکيف يقدر علي الدنّو من الحوض ولم يقدر عليه غيره؟ فقال: ورع عن أشياء قبيحةٍ، وکفّ عن شتمنا أهل البيت إذا ذکرنا، وترک أشياء اجترأ عليها غيره، وليس ذلک لحبنا ولا لهوي منه لنا، ولکن ذلک لشدّة اجتهاده في عبادته وتديّنه ولما قد شغل نفسه به عن ذکر الناس، فأمّا قلبه فمنافق ودينه النّصب واتّباع أهل النّصب وولاية الماضين وتقدّمه لهما علي کلّ أحد).

[3] هذا الحديث الشريف هو حديث زيارة عاشوراء المبارکة وإليک الحديث بتمامه: (عن علقمة بن محمّد الحضرمي، ومحمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن مالک الجهني، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: من زار الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء من المحرّم حتّي يظلّ عنده باکياً لقي الله تعالي يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجّة وألفي ألف عمره، وألفي ألف غزوة، وثواب کلّ حجّة وعمرة وغزوة کثواب من حجّ واعتمر مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومع الأئمة الراشدين صلوات الله عليهم أجمعين. قال: قلت: جعلت فداک فما لمن کان في بعد البلاد وأقاصيها ولم يمکنه المسير في ذلک اليوم؟ قال: إذا کان ذلک اليوم برز إلي الصحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره، وأومأ إليه بالسلام، واجتهد علي قاتله بالدعاء وصلي بعده رکعتين يفعل ذلک في صدر النهار قبل الزوال، ثم ليندب الحسين (عليه السلام) ويبکيه ويأمر من في داره البکاء عليه، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبکاء بعضهم بعضاً في البيوت، وليعزّ بعضهم بعضاً بمصاب الحسين (عليه السلام)، فأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلک علي الله عزّ وجلّ جميع هذا الثواب، فقلت: جعلت فداک وأنت الضامن لهم إذا فعلوا ذلک والزعيم به؟ قال: أنا الضامن لهم ذلک والزعيم لمن فعل ذلک. قال: قلت: فکيف يعزّي بعضهم بعضاً؟ قال: يقولون: عظّم الله أجورنا بمصابنا بالحسين (عليه السلام)، وجعلنا وإيّاکم من الطالبين بثأره مع وليّه الإمام المهديّ من آل محمّد، فإن استطعت أن لا تنتشر يومک في حاجة فافعل، فإنه يوم نحس لا تقضي فيه حاجة وإن قضيت لم يبارک له فيها ولم ير رشداً ولا تدّخرنّ لمنزلک شيئاً، فإنه من ادّخر لمنزله شيئاً في ذلک اليوم لم يبارک له فيما يدّخره ولا يبارک في أهله، فمن فعل ذلک کتب له ثواب ألف ألف حجّة وألف ألف عمرة، وألف ألف غزوة مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) وکان له ثواب کلّ نبيّ ورسولٍ وصدّيقٍ وشهيد مات أو قتل منذ خلق الله الدنيا إلي أن تقوم الساعة.

قال صالح بن عقبة الجهنّي وسيف بن عميرة: قال علقمة بن محمّد الحضرميّ: فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) علّمني دعاءً أدعو به في ذلک اليوم إذا أنا زرته من قريب، ودعاءً أدعو به إذا لم أزره من قريب، وأومأت إليه من بعد البلاد ومن سطح داري بالسلام، قال: فقال: يا علقمة إذا أنت صلّيت رکعتين بعد أن تومي إليه بالسلام وقلت عند الإيماء إليه ومن بعد الرکعتين هذا القول فإنّک إذا قلت ذلک فقد دعوت بما يدعو به من زاره من الملائکة، وکتب الله لک بها ألف ألف حسنة، ومحي عنک ألف ألف سيّئةٍ ورفع لک مائة ألف ألف درجة، وکنت ممن استشهد مع الحسين بن علي (عليهما السلام) حتّي تشارکهم في درجاتهم، ولا تعرف إلاّ في الشهداء الذين استشهدوا معه، وکتب لک ثواب کلّ نبيّ ورسول وزيارة من زار الحسين بن عليّ (عليهما السلام) منذ يوم قتل، تقول: السلام عليک يا أبا عبد الله، السلام عليک يا ابن رسول الله، السلام عليک يا خيرة الله وابن خيرته.... إلي آخر الزيارة العاشورائية الشريفة).

[4] مرّ ذکر هذا الحديث بتمامه وکماله في الفصل الأول فراجعه تغتنم.

[5] مجمع البحرين ج 4 ص 411 مادة هلع.

[6] نقل الشيخ آقا بزرک الطهراني (ره) في کتابه المعروف: (الذريعة): بأن الشيخ خضر بن شلال (ره) رأي في المنام أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) يعطيه قلماً، فلمّا استيقظ وجد القلم في يده، فألّف به کتابه المذکور: (أبواب الجنان).

[7] بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 278 ح 2.

[8] في الوسائل بدلاً من (ساعته): (ساعتک).

[9] وذلک لشدّة التقية في زمانهم (عليهم السلام) وعدم وجود مجالٍ لإبراز أساليب أخري من أساليب الإبکاء علي أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه.

[10] بحار الأنوار ج 101 ب 18 ص 152 ح 3/ نقلاً عن کامل الزيارات، والعبائر هذه مقتطفة من إحدي الزيارات المطلقة المروية عن الإمام الصادق (عليه السلام).

[11] مر قبل قليل في روايات الإبکاء ذکر القسم الأول من هذه الرواية مع مصادرها، وهي کاملة هنا، ولا حاجة لتکرار ذکر مصادرها مرةً أخري.

[12] بعد ثبوت عصمة أهل البيت (عليهم السلام)، ووجوب طاعتهم وولايتهم، وأحقية دينهم؛ فإنّ العقل يحکم بوجوب إحياء أمرهم؛ لأنّه أحياء لکلّ معاني الخير والفضيلة والإحسان والکرامة والکمال بکلّ معناه.

[13] الأصول الأصلية والقواعد الشرعية للسيد عبد الله شبر (ره) ص 239، نقلاً عن السرائر لابن إدريس الحلّي (ره).

[14] الأصول الأصلية والقواعد الشرعية للسيد عبد الله شبر (ره) ص 239، نقلاً عن السرائر لابن إدريس الحلّي (ره).

[15] البرهان في تفسير القرآن ج 2 ص 264 ح 5 نقلاً عن تفسير العيّاشي.

[16] سورة يوسف: الآية 96.

[17] سورة فصّلت: الآية 42.

[18] کامل الزيارات ص 115 ب 35 ح 2.

[19] بحار الأنوار: ج 46 ص 108 ب 6 ح 1.

[20] البرهان في تفسير القرآن ج 2 ص 263 ح 2 في تفسير الآية 87.

[21] البرهان في تفسير القرآن ج 2 ص 263 ح 2 في تفسير الآية 86.

[22] البرهان في تفسير القرآن ج2 ص 264 ح 2.

[23] سورة محمّد: الآية 24.

[24] سورة يونس: الآية 59.

[25] المعاهدة: اليهودية أو النصرانية من أهل الذمّة.

[26] الحجل: الخلخال.

[27] القلب: السوار المصمت.

[28] الرعث: نوع من الخزر.

[29] الاسترجاع: ترديد الصوت بالبکاء مع قول إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

[30] کلم: جرح.

[31] جديراً: مستحقاً للاحترام والتقدير والإکرام.

[32] ليس هناک من حاجةٍ للبحث في سند هذه الخطبة المعتبرة لکونها معروفةً جداً، ومرويةً في أوثق المصادر، بل إنّ الذين يعارضون التطبير الحسيني لطالما استشهدوا بها في کتبهم وأحاديثهم و مجالسهم ومجلاّتهم ودروسهم حين يکون الحديث عن فضل الجهاد وأهميته. وفوق کل ذلک فإنّ بلاغتها وقوة سبکها دليل علي مصدرها إذ لطالما استدلّ العلماء المحققون بقوة المتون وبلاغتها علي قوة الأسانيد واعتبارها وصحتها.

[33] وفي ص 137 من کامل الزيارات بدلاً من: (ورآه النبي (صلي الله عليه وآله) وما يصنع ودعا له) جاء مذکوراً: (وزاره النبي (صلي الله عليه وآله) ودعا له).

[34] واليک الحديث بتمامه وکماله نقلاً عن کامل الزيارات ب 91 ح 7 ص 289 وص 290 و ص 291:

(عن محمّد بن مسلم قال: خرجت إلي المدينة وأنا وجعٌ، فقيل له: محمّد بن مسلم وجع، فأرسل إليّ أبو جعفر (عليه السلام) شرباً مع غلام مغطّي بمنديل، فناولنيه الغلام وقال لي: اشربه؛ فإنه قد أمرني أن لا أبرح حتي تشربه، فتناولته فإذا رائحة المسک منه، وإذا بشراب طيّب الطعم بارد، فلما شربته قال لي الغلام: يقول لک مولاک: إذا شربته فتعال. ففکّرت فيما قال لي وما أقدر علي النهوض قبل ذلک علي رجلي، فلمّا استقرّ الشراب في جوفي فکأنّما نشطت من عقال، فأتيت بابه فاستأذنت عليه فصوّت بي: صحّ الجسم، أدخل! فدخلت عليه وأنا باک، فسلّمت عليه وقبّلت يده، فقال لي: وما يبکيک يا محمّد؟! قلت: جعلت فداک أبکي علي اغترابي وبُعد الشُقّة وقلّة القدرة علي المقام عندک أنظر إليک. فقال لي: أمّا قلّة القدرة فکذلک جعل الله أولياءنا وأهل مودّتنا، وجعل البلاء إليهم سريعاً، وأمّا ما ذکرت من الغربة، فإن المؤمن في هذه الدنيا غريب وفي هذا الخلق المنکوس، حتّي يخرج من هذه الدار إلي رحمة الله، وأمّا ما ذکرت من بعد الشقة فلک بأبي عبد الله (عليه السلام) أسوة بأرض نائية عنّا بالفرات، وأمّا ما ذکرت من حبّک قربنا والنظر إلينا، وأنّک لا تقدر علي ذلک، فالله يعلم ما في قلبک وجزاءک عليه. ثم قال لي: هل تأتي قبر الحسين (عليه السلام)؟ قلت: نعم، علي خوف ووجل، فقال: ما کان في هذا أشدّ فالثواب فيه علي قدر الخوف، ومن خاف في إتيانه أمن الله روعته يوم يقوم الناس لربّ العالمين، وانصرف بالمغفرة، وسلّمت عليه الملائکة، ورآه النبي (صلي الله عليه وآله) وما يصنع، ودعا له وانقلب بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسه سوء واتّبع رضوان الله. ثمّ قال لي: کيف وجدت الشراب؟ فقلت أشهد أنّکم أهل بيت الرحمة وأنّک وصيّ الأوصياء، ولقد أتاني الغلام بما بعثته وما أقدر علي أن أستقلّ علي قدمي، ولقد کنت آيساً من نفسي، فناولني الشراب فشربته فما وجدت مثل ريحه ولا أطيب من ذوقه ولا طعمه ولا أبرد منه، فلمّا شربته قال لي الغلام: إنه أمرني أن أقول لک: إذا شربته فاقبل إليّ. وقد علمت شدّة ما بي، فالحمد لله الّذي جعلکم رحمةً لشيعتکم ورحمة عليّ، فقال: يا محمّد إنّ الشراب الذي شربته فيه من طين قبر الحسين (عليه السلام)، وهو أفضل ما استشفي به، فلا تعدل به، فإنّا نسقيه صبياننا ونساءنا فنري فيه کلّ خير، فقلت له: جعلت فداک إنّا لنأخذ منه ونستشفي به؟ فقال: يأخذه الرجل فيخرجه من الحائر وقد أظهره فلا يمرّ بأحدٍ من الجنّ به عاهة، ولا دابّةٍ ولا شيء فيه آفة إلا شمّه فتذهب برکته فيصير برکته لغيره، وهذا الذي نتعالج به ليس هکذا، ولولا ما ذکرت لک ما يُمسح به شيء ولا شرب منه شيء إلا أفاق من ساعته وما هو إلا کحجر الأسود أتاه صاحب العاهات والکفر والجاهلية، وکان لا يتمسّح به أحد إلا أفاق، وکان کأبيض ياقوتة فاسودّ حتي صار إلي ما رأيت، فقلت: جعلت فداک وکيف أصنع به؟ فقال: تصنع به مع إظهارک إياه ما يصنع غيرک تستخفّ به فتطرحه في خُرجک وفي أشياء دنسة فيذهب ما فيه ممّا تريده له، فقلت: صدقت جعلت فداک، قال: ليس يأخذه أحد إلاّ وهو جاهل بأخذه ولا يکاد يسلم بالناس، فقلت: جعلت فداک وکيف لي آخذه کما تأخذه؟ فقال لي: أعطيک منه شيئاً؟ فقلت: نعم، قال: إذا أخذته فکيف تصنع به؟ فقلت: أذهب به معي، فقال: في أيّ شيء تجعله؟ فقلت: في ثيابي، قال: فقد رجعت إلي ما کنت تصنع، اشرب عندنا منه حاجتک ولا تحمله، فإنّه لا يسلم، فسقاني منه مرّتين، فما أعلم أنّي وجدت شيئاً مما کنت أجد حتّي انصرفت).

[35] هو عبد الله بن عبد الرحمن المسمعي.

[36] يذهب بعض من علمائنا وفقهائنا إلي أنّ مجرد ذکر راوٍ من الرواة في أسانيد کتاب کامل الزيارات هو دليل علي وثاقته وصحة مقولاته ليس في کامل الزيارات فحسب وإنما في سائر کتب الحديث الأخري.

[37] ومما قاله العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني (ره) صاحب الغدير في تعليقه علي کتاب کامل الزيارات ص 261/ طبعة النجف الأشرف لسنة 1356 هـ: (ذهب غير واحد من الفقهاء والمحققين إلي جواز زيارة الحسين (عليه السلام) مع أي خوف وضرر لإطلاق النصوص کما مرت في بابها ص 125، ولعلّ التاريخ يملي علينا دروساً من عمل الأصحاب علي عهد الأئمة صلوات الله عليهم منضّمة بتقريرهم له يؤکد ما اختاره المحققون. ولقد حمل إلينا عن أولئک أنهم ما صدّهم عن قصد مشهد الحسين (عليه السلام) ما کابدوه من المثلة والتنکيل والعقوبة بحبسٍ وضربٍ وقطع يد وهتک حرمة وقابلوها بجأشٍ طامن ولبّ راجح وشوق متأکّد، وهذا کتابنا ينطق عليک بالحق في حديثٍ مرّ في ص 125 في زيارة ابن بکير وإتيانه لها من ارّجان من بلاد فارس خائفاً مشفقاً من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح وهو من فقهاء الطائفة کما في رجال الکشي، وفيما يأتي في ص 276 من حديث زيارة مثل محمّد ابن مسلم علي خوف ووجل وهو أکبر ثقة في الطائفة عدّه الصادق (عليه السلام) من أوتاد الأرض وأعلام الدين وفي کلا الحديثين فضلاً عن تقرير الإمام (عليه السلام) لفعلهما بيان ثواب جميل لهما بذلک ونصّ علي أنّ ما کان من هذا أشدّ فالثواب علي قدر الخوف. وفي حديث مرّ في ص 116 في زيارة مثل الحسين الليثي الکوفي الذي أطبق الأصحاب علي ثقته وجلالته في زمان بني مروان في الشدة وخوف القتل وتلف النفس کما صرّح بذلک في حديثه. ويدلّ علي مختار المحققين حديث هشام بن سالم الثقة الجليل المروي عن الصادق (عليه السلام) بطوله في ص 123 من الکتاب وفيه تفصيل بيان ثواب عظيم لمن يقتل دون الحسين (عليه السلام) وأجر جميل لا يستهان به لمن حبس في إتيانه وجزاء جزيل لمن ضرب بعد الحبس في قصد مشهده. إذن فلا ندحة من تعميم الحکم علي جميع ما ذکر وان صعّد وصوّب فيه المهملجون).

وللتنبيه والفائدة أقول: إنّ أرقام الصفحات المذکورة في هذا التعليق تعود إلي کتاب کامل الزيارات طبعة النجف الأشرف لسنة 1356 هـ تحقيق وتعليق العلامة الأميني (ره)، وأما الأحاديث التي أشار إليها کحديث ابن بکير، وحديث محمد ابن مسلم، وحديث هشام بن سالم رضوان لله تعالي عليهم جميعاً فهي مذکورة بتمامها وکمالها في ضمن الروايات التي بين أيدينا والتي ذکرت قبل قليل في متن هذا الکتاب. ولا بدّ من الإشارة إلي ما تحمّله الشيعة عبر العصور في سبيل زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) وإحياء أمره؛ إذ تفنّن الظالمون والجبابرة والطغاة في أساليب منع زيارة الحسين (عليه السلام) والتنکيل بزوّاره فمرةً اشترطوا علي الزائر قطع يمينه کي يسمحوا له بالجواز إلي مشهد أبي الأحرار صلوات الله عليه؛ وقدّمت الأيدي تلو الأيدي حتي نقلت الأخبار أن زائراً طلب منه الشرطة أن يقدّم يمينه للقطع فقدّم شماله فقالوا له نريد يمينک فأخرجها لهم مقطوعة وقال لهم: قد قطعتموها في الزيارة السابقة، فقطعوا له شماله..!! وتارة أخري يشترطون علي کل عشرة من الزوار أن يقتل واحد منهم وتسابق زوار أبي عبد الله صلوات الله عليه إلي الشهادة والموت. وثالثة اشترطوا فيها أن يقتل من کل ثلاثة زوارٍ أحدهم، واستمرّ الظلم بأشکالٍ مختلفة، واستمرت التضحية والثبات والصمود إلي يومنا هذا.

[38] السبج: حجر أسود شديد السواد برّاق وله فوائد طبية.

[39] بحار الأنوار ج 45 ب 39 ص 114 و ص 115.

[40] أقرح: أخرج الدم بسبب ما فعله من جرح أو جراح.

[41] بحار الأنوار ج 44 ب 34 ح 17 ص 283 و ص 284.

[42] بحار الأنوار ج 101 ب 41 ص 320.

[43] بحار الأنوار ج 44 ب 30 ح 37 ص 242 و ص 243.

[44] بحار الأنوار ج 44 ب 30 ح 39 ص 243.

[45] الحسک: هو حسک السعدان وهي عشبه شوکها مدحرج.

[46] بحار الأنوار ج 44 ب 30 ح 41 ص 244.

[47] سورة مريم: الآية 54.

[48] کامل الزيارات ب 19 ح 1 ص 62 و ص 63 طبعة طهران.

[49] کامل الزيارات ب 19 ح 2 ص 63.

[50] سورة النحل: الآية 128.

[51] صعق: وقع مغشياً عليه.

[52] نهج البلاغة خ 193 ص 303 - 306.

[53] المقبولة الحسينية ص 56.

[54] کانت قيمتها بضعة دراهم.

[55] مقاطع قصيرة من قصة مقتل سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه عن کتاب مقتل الحسين (عليه السلام) أو حديث کربلاء للسيد المقرّم (ره) بين سطور الصفحات من ص 278 إلي ص 285.

[56] علي سبيل المثال راجع ابن الأثير في کتابه الکامل في التاريخ ج 3 ص 30 وغيره.

[57] الشفار: السيوف الحادّة الصقيلة.

[58] الخطّار: الرمح الطويل.

[59] الغرار: السيف.

[60] الأبيات من قصيدة عصماء للشيخ عبد الحسين شکر (ره).