بازگشت

تقديم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام علي محمد سيد المرسلين، و علي آله و ذريته الميامين الطاهرين، حمدا متواليا و صلاة متتالية الي قيام يوم الدين.

تمتاز نهضة الامام الثائر الحسين بن علي عليه السلام عن بقية النهضات و الثوارات أنها كانت نهضة دينية بحتة لايشوبها شائبة الملك و السلطنة و ما شابهها من الاغراض الدنيوية الرخصية.

شاء الله تعالي أن يثور امام الشهداء ضد الطغيان لاعلاء كلمته و ابقاء شريعته، فقام ناهضا في سبيل انفاذ أمره عزوجل، وضحي بدمه الزاكي و دماء الطيبين من ذريته و ذويه و أصحابه، و خرج من مدينة الرسول (ص) معلنا الثورة عالما بالشهادة، و مضي في طريقه بالرغم من نصح الناصحين له في عدم الخروج و الاخلاد الي السكينة و السلام.

نعم، خرج ابوالشهداء موليا شطر الكوفة مع يقينه بدسائس يزيد الغدر و الخيانة، متأكدا من شحذ القوي لاراقة دمه و دماء من يلوذ به و سبي نسائه و ذراريه. خرج لان الله تعالي شاء أن يراه قتيلا، و أخبر بذلك نبي الاسلام «ص»


في اكثر من مناسبة، كما ردد هذا النبأ ابوه الامام علي بن ابي طالب «ع» مرارا عديدة.

لقد علم الحسين عليه السلام - بما أنبئ من أخبار غيبية - أن ثورته روح و حياة، و أن الاسلام في خطر عظيم من المتغلبين علي دست الحكم، و لابد في احياء الدين من تجديد قواه ببث الروح فيه، كما لابد دوامه مما يلهم اليه الوثبة و الحركة. فثار لتجدد حياة الاسلام و يبقي المسلمون يستلهمون الحركة المداومة، و رأي دمه رخيصا لتحقيق هذا الهدف السامي.

و لان هذه النهضة توسمت بالسمات الدينية الخالصة عن الشوائب الاخري شاء الله تعالي أن تبقي حية نابضة علي مدي العصور و في مختلف المجتمعات الاسلامية بل غير الاسلامية أيضا. و قد نري عنايته عزوجل بدوام هذه الحركة المقدسة في الاثار الدينية و التاريخية:

أما الاثار الدينية فالاحاديث المتوافرة عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم و الائمة المعصومين عليهم السلام و كبار الصحابة والتابعين، المنوهة بمكانة الحسين عليه السلام و فضل زيارته و اقامة عزائه و البكاء لمصابه. و هذه الاحاديث المأثورة لا تختص بزمان دون زمان أو بأناس دون آخرين، بل انها تخاطب المسلمين في امتداد التاريخ أينما كانوا و حلوا.

و أما الاثار التاريخية للعناية الالهية بهذه النهضة فهي الاحداث الغريبة التي نقرأها في صحائف التاريخ منذ الايام الاولي للثورة حتي العصور المتأخرة. فكم حارب طغام الامويين و العباسيين و من أتي بعدهم القضية الحسينية بمختلف وسائل المحاربة لاخماد هذا الصوت المدوي و الحد من هذا الصدي المتردد، و لكن المشيئة الالهية تغلب ما شاء هؤلاء الظالمين و ارادة الله تعلو علي ما يدبره


الغاصبون و تبقي الثورة حية خالدة قرون و قرون الي أن يرث الله تعالي الارض و من عليها.

(2)

زرت قبل شهرين المرجع الديني الورع سماحة آية الله العظمي سيدنا السيد شهاب الدين النجفي المرعشي دام ظله الوارف، فأطلعني - علي عادته كلما أزوره - علي مجموعة قيمة من المخطوطات التي هيئت للارسال الي مكتبته العامة، و كانت في المجموعة نوادر عزيزة لم أرها من ذي قبل و لم أجد لها ذكرا في فهارس المخطوطات التي اطلعت عليها.

كان بين هذه النوادر رسالة جليلة معنونة ب«فضل زيارة أميرالمؤمنين ابي عبدالله الحسين بن علي بن ابي طالب صلوات الله عليه» تأليف الشريف ابي عبدالله محمد بن علي العلوي الحسني الشجري الكوفي المتوفي سنة 445.

عنوان الرسالة و شخصية مؤلفها و ترتيب الاحاديث الواردة فيها و قدم النسخة و أهميتها جلبت انتباهي، ففحصتها بشي ء من الدقة و لا حظت فيها طرافة و أهمية.

رأيت من اللازم نشر هذا الاثر النفيس بالاسلوب العلمي، و لكن الاعمال الكثيرة المتراكمة علي و الواجبات الثقافية علي عاتقي لم تدع لي فرصة تحقيقه و الفحص عن نسخ أخري منه لمقابلته و التأكد من نصه، فاقترحت علي سماحته أن يكون الكتاب في سلسلة مطبوعات مكتبته العامة و أن ينشر علي النسخة المذكورة كما هو، و ننتهز فرصة مؤاتية لاعادة النظر فيه و تحقيقه تحقيقا علميا و اخراجه اخراجا مرضيا.

وجد هذا الاقتراح قبولا من نفس سماحته، فحبذ العمل بما قلت بل أكد


عليه، و ها هي الرسالة تطبع بالشكل الذي يراه القاري ء الكريم.

(3)

و الرسالة عبارة عن مجموعة من الاحاديث و الروايات الواردة في فضل زيارة سيدالشهداء ابي عبدالله الحسين بن علي عليه السلام و فضل اقامة عزائه و البكاء لمصابه، و هي أحاديث رويت عن النبي «ص» و الائمة من أهل بيته و بعض الصحابة و التابعين و غيرهم، بأسانيد متصلة بين المؤلف و من روي الحديث عنه.

و الرسالة لم ترتب علي أبواب و فصول منضمة، و لكنها بصورة عامة تنقسم الي ثلاثة أقسام متمايزة:

(القسم الاول) فيما روي عن النبي «ص» و علي و الحسن و الحسين و علي ابن الحسين و محمد بن علي الباقر و زيد بن علي و جعفر بن محمد الصادق و عبدالله ابن الحسن و موسي بن عبدالله بن الحسن و محمد بن الحسين بن علي بن الحسين و علي بن موسي الرضا و القاسم بن ابراهيم الحسني و عبدالله بن لهيعة و منصور بن عمار و حمزة الزيات، بالترتيب الذي ذكرناه.

(القسم الثاني) فيما روي في فضل زيارة يوم عاشوراء و أول شهر رجب و النصف من شعبان و شهر رمضان و يوم عرفة و يوم العيد و فضل زيارة الشهداء من آل محمد عليهم السلام.

(القسم الثالث) في فضل البكاء علي الحسين عليه السلام و اقامة عزائه و فضل تربته و فضل من زاره.

و أحاديث نادرة في هذه الرسالة لم تكن وثيقة الصلة بموضوع الامام


الحسين عليه السلام بل حشرت فيها حشرا لا نعلم مناسبتها التي قصدها المؤلف.

و مجموع الاحاديث الواردة في الرسالة تبلغ تسعين حديثا، و نأسف كثيرا أن آخر النسخة مخرومة و لا نعلم مقدار ما فيها من الخرم و النقص.

(4)

أما النسخة الوحيدة التي اطلعنا علهيا و هي أساس هذه الطبعة، فهي نسخة قديمة جدا ربما الي أوائل القرن السابع الهجري، و هي في مكتبة آية الله المرعشي العامة برقم (3628).

و هي بخط نسخ جيد، يبدو منها أن الكاتب كان ذا عناية بها، ولكنها مع ذلك لا تخلو من تحريفات و كلمات مبهمة وفقنا الي معرفة بعضها و بقي بعضها الاخر مجهولا.

في أثناء الصحائف بياضات بمقدار سطر واحد أو اكثر، ربما كانت في نسخة الاصل هكذا و ابقاها الكاتب كما هي، و ربما كان المؤلف يريد أن يكتب فيها أسانيد جديدة و لكن لم يوفق لذلك فبقيت بيضاء.

مجموع أوراق النسخة واحد و ثلاثون ورقة، و في كل صفحة منها أحد عشر سطرا في 17 ضرب در 12 سم.

و هذه الطبعة كما قلنا ليست الا تكثيرا لنسخ الكتاب و تيسيرا لمهمة الباحثين و المحققين الافاضل، و نحن اذ نقدمها بهذا الشكل ننتظر وجدان نسخة أو نسخ أخري من الكتاب و فرصة مؤاتية لاعادة النظر فيه و تحقيقه تحقيقا لائقا، أو بذل عناية خاصة به من قبل بعض اخواننا العلماء و المحققين المهتمين بالتراث لكي يخرج خاليا من النقص و مبرءا من العيب.


(5)

و لابد قبل أن أودع القاري ء الكريم من تقديم آيات الشكر و الثناء الي:

فضيلة العلامة المحقق المتفرغ لاثار أهل البيت عليهم السلام السيد عبدالعزيز الطباطبائي اليزدي، اذ تفضل بكتابة ترجمة الشريف ابي عبدالله الشجري التي وضعناها في صدر الكتاب، و أبدي ملاحظات قيمة حول بعض الكلمات و الاعلام استفدنا منها.

و فضيلة الحجة الاخ السيد محمود المرعشي، اذ اهتم بنشر هذا الكتاب اهتماما بالغا و جعله في سلسلة مطبوعات المكتبة العامة التي لا يزال يسعي في نموها و ازدهارها بجهده المشكور.

و اسأل الله تعالي لنا و لهما التوفيق في احياء آثار علمائنا الماضين، و يرزقنا العون منه بفضله وجوده، و هو ولي التوفيق.

قم: اول ربيع الثاني 1403 ه

السيد احمد الحسيني