بازگشت

خلافة النبي لمن بات علي فراشه ليلة الهجرة


التزمت في «التفسير الكاشف» بما يدل عليه ظاهر الآية من معني مع التركيز و الوضوح و الايجاز و ازاحة كل شبهة يمكن ان تمر بالخاطر حول الآية و دلالتها.. هذا في غير الآيات التي نزلت في فضل اهل البيت عليهم السلام، حيث تركت الحديث عنها لعلماء السنة و المفسرين منهم، اتقاء للتهمة و سوء الظن، فوجدت في تفاسيرهم و ما نقلوه من احاديث الرسول (ص) في اهل بيته - ما عند الشيعة و زيادة.. حتي اسلام ابي طالب الذي قال عنه السيد قطب في «ظلاله» ما قال علي عكس ما صرح به صاحب روح البيان عند تفسير الآية 54 من سورة يوسف و قال: «لقد آسي ابوطالب رسول الله (ص) و ذب عنه مادام حيا، فالأصح انه من الذين هداهم الله للايمان كما سبق في المجلد الأول».

و حذف المتعصبون الذين في قلوبهم مرض الكثير مما يتصل بفضائل اهل البيت التي كانت ثابتة في الطبعة الأولي من كتب التفسير و الحديث عند السنة، بخاصة الاحاديث الصريحة الواضحة التي لا تقبل التأويل بحال كحديث «انت خليفي من بعدي، فاسمعوا له - اي لعلي - و اطيعوا».. ولكن السيد الفاضل مرتضي الحسيني الفيروز آبادي تتبع الطبعات الأولي لكتب التفسير و الاحاديث عند السنة، و نقل عنها كل ما يتصل باهل


البيت، و ذكر رقم الجزء و الصفحة و تاريخ في كتابه القيم و الوحيد في بابه الذي أسماه «فضائل الخمسة من الصحاح الستة» في ثلاثة اجزاء تبلغ حوالي 1300 صفحة.

و «في ظلال نهج البلاغة» سلكت نفس الطريق التي التزمتها بالتفسير الكاشف من الأخذ بظاهر اللفظ مع التركيز و الوضوح والايجاز، و فيما يعود الي فضائل اهل البيت نقلت عن كبار علماء السنة و ادبائهم، كالبخاري و مسلم و ابن حنبل من القدامي، و طه حسين و عبدالرحمن الشرقاوي و احمد عباس صالح و عبدالكريم من الجدد.. و مرة ثانية اشير الي اني وجدت في هذه الاقوال ما عند الشعية و زيادة.. حتي القول: ان ما حدث لأهل البيت في كربلاء و غيرها انما هو للثأر من رسول الله (ص) باهل بيته، اما الزيادة فاقرأها فيما يلي لعبد الكريم الخطيب، و هو يتحدث و يحلل مبيت الامام في فراش النبي ليلة الهجرة.. و ان دل هذا علي شي ء فانه يدل علي ان الشيعة و السنة ينهلون من نبع واحد، و ما فرق بينهم الا خبث السرائر و سوء الضمائر، كما قال الامام في الخطبة 111.

و قال في الخطبة 190: «انا وضعت في الصغر بكلاكل العرب. و كسرت قرون ربيعة و مضر، و قد علمتم موضعي من رسول الله (ص) الخ. و كتبت في شرح هذه الجملة فيما كتبت، و نقلت عن ادباء السنة ما يلي:

رافق علي، النبي (ص) في مراحله كلها، و سبق الناس الي الايمان بدعوته، و التمسك بعروته، و دافع عنه و عنها بنفسه لا يرجو الا رضا الله و مودة الرسول، بل كان علي يبث الدعوة لمحمد (ص) قبل البعثة، و يحدث الغلمان من أترابه عن خلق محمد و عظمته، قال الاستاذ عبدالرحمن الشرقاوي في كتاب «محمد رسول الحرية» الطبعة الاولي ص 65: «كان


علي، و هو في الثامنة يحدث الغلمان في مثل سنه عن ابن عمه، و يقول: ان محمدا ألغي في بيته كلمة العبيد و الجواري، و أحل مكانهما كلمة فتاي و فتاتي، و هو يصبر علي الخدم، فما يقول لواحد منهم «أف» مهما يخطي ء».

و كان عتاة قريش يغرون الصبيان برسول الله (ص) فيصحب معه عليا يذبهم عنه. و من جهاده في المرحلة الأولي علي فراش رسول الله ليلة الهجرة. و هنا أدع الحديث لغيري تجنبا لمواضع التهم.. فقد نشرت جريدة الأخبار المصرية تاريخ 1967 - 12 - 8 كلمة بعنوان «مشاهدات فدائية في تاريخ الاسلام» جاء فيها:

«ان تاريخ الاسلام حافل بضروب باسلة من أمثلة الفدائية النبيلة.. و أظهر من نعرف من فدائيي العصر النبوي علي بن أبي طالب، و مواقفه الفدائية أكثر من ان تحصر، و لعل أولها في تاريخ الدعوة مبيته ليلة الهجرة علي فراش ابن عمه متوقعا اما سيحيق به من الموت المباغت اذ أحاط به الأعداء من كل صوب، فهانت عليه نفسه وراء ما ينشد من تفدية صاحب الدعوة، و مكث الليل الطويل ينتظر الموت ما بين لحظة و أخري، و قد برقت الأسنة، و لمعت السيوف.. ان مخاطرات علي الفدائية تغلغلت في أعماقه حتي غدت احدي وسائل النصر في بطولاته، و حسبك أن تعلم انه في طليعة المتقدمين في ميدان المبارزة الحربية، و انه بطل الاسلام».

أما الكاتب الاسلامي المصري الاستاذ عبدالكريم الخطيب فقد استوحي من المبيت معني دقيقا ما سبقه اليه عالم و باحث، قال في كتاب علي ابن ابي طالب ص 105 و ما بعدها طبعة 1967:

«هذا الذي كان من علي في ليلة الهجرة.. لم يكن أمرا عارضا، بل هو عن حكمة لها آثارها و معقباتها، فلنا أن نسأل: أكان لا لباس الرسول


(ص) شخصيته لعلي أكثر من جامعة القرابة القريبة بينهما؟. و هل لنا أن نستشف من ذلك - أي من ان رسول ألبس شخصيته لعلي - انه اذا غاب شخص الرسول كان علي هو الشخصية المهيأة لأن يخلفه، و يمثل شخصيته، و يقوم مقامه؟.. و أحسب اننا لم نتعسف كثيرا حين نظرنا الي علي، و هو في برد الرسول، و في مثوي منامه الذي اعتاد أن ينام فيه - فقلنا: هذا خلف الرسول و القائم مقامه».

و بحق قال الأستاذ الخطيب: ان شيعة علي لا يقيمون شاهدا من هذه الواقعة يشهد لعلي انه أولي الناس برسول الله علي حين نراهم يتعلقون بكل شي ء يرفع عليا الي تلك المنزلة أي الخلافة. ولي أن أجيب عن الشيعة بأنهم لا يستدلون بشي ء علي خلافة امامهم الا بأقوال السنة، و علي هذا جرت عادتهم منذ القديم تجنبا لمواطن التهم.. و ما رأوا أحدا قبل الأستاذ الخطيب استدل بهذه الواقعة علي أولية علي بالخلافة، و لما أنطقه الله به أخذوه عنه، كما فعلت أنا. ثم قال الخطيب الكريم:

«ان عليا خدع قريشا بمبيته علي فراش رسول الله، و مكر بها عن محمد حتي أفلت من بين أيديها، و سلم من القتل، و قد صفعها علي بفعلته هذه صفعة مذلة و مهينة، فأضمرت قريش لعلي السوء، و أرهقته و تجنت عليه بعد أن دخلت الاسلام.. ان هذا الذي كان من علي ليلة الهجرة في تحديه لقريش، هذا التحدي السافر، و في استخفافه بها، ان ذلك لا تنساه قريش لعي أبدا، و لولا انها وجدت في قتل علي يومئذ اثارة فتنة تمزق و وحدتها لشفت ما بصدرها منه، ولكنها تركته، و انتظرت الأيام لتسوي حسابها معه.. و لحق النبي بالرفيق الأعلي، و ترك عليا وراءه يصطدم بالأحداث، و يكابد الشدائد حتي يلحق بالرسول.. ألا يبدو لنا من هذه الموافقات ما نستشف منه ان لعلي شأنا في رسالة الرسول، و دورا في دعوة الاسلام ليس لأحد غيره من صحابة الرسول».


و بعد، فان الاستاذ عبدالكريم الخطيب لا يمت الي الشيعة بأم و لا أب، و لا بتربية و بيئة، و انما نطق بوحي من ضميره و دراسته مجردا عن كل غاية، فالتقي مع شيعة علي من حيث لا يريد.. ثم تنبه للعواقب، و خاف من تهمة التشيع، و ثورة المتعصبين من الشيوخ، فاتقاهم بقوله: «و بعد فهذه خطرات لا نحسبها علي تلك القضية، و لا نأخذ بها فيها». ولكن أسلوبك في التعبير - ايها الأستاذ الكريم - ينم عن شعور قلبك و ايمانه، لا عن خطرات خيالك و وساوسه، ان هذه الخطرات و الوساوس تنجلي في اعتذارك بفولك «لا نأخذ بها فيها» ان هذا الاسلوب ان دل علي شي ء فانه يدل علي الشك و الحيرة و الارتباك. و علي أية حال فأنت معذور لقوله تعالي: «الا ان تتقوا منهم تقاة و يحذركم الله نفسه و الي الله المصير - 28 آل عمران».

قدمنا ان الدعوة الاسلامية مرت بثلاث مراحل أساسية: الأولي مجرد الايمان و الاعلان مع الثباب و الصبر علي الأذي. و الثانية ردع العدوان. و الثالثة الهجوم الرادع، و أشرنا الي جهاد الامام في المرحلة الأولي. و من جهاده في المرحلة الثانية بلاؤه يوم بدر، و بعد أن تحدث عبدالكريم الخطيب عن هذا اليوم في كتاب «علي بن أبي طالب» قال: «فأنت تري كيف كان ابن أبي طالب سيفا بتارا يضرب أئمة الكفر من قريش».

و قال عن يوم أحد: «و كان لعلي يوم أحد ما كان له يوم بدر من الاطاحة برؤوس أئمة الكفر من قريش.. و من قتلي علي في هذا اليوم طلحة ابن أبي طلحة صاحب راية المشركين في تلك الوقعة، فغير منكور اذن تلك اليد الضاربة و هذا السيف لعلي في معركة الاسلام، و أيضا غير منكور الترات التي كانت للمشركين عند علي، و التي لم يخل منها بيت من بيوت قريش».


و قال عن وقعة الاحزاب: «قال النبي (ص) حين برز علي لابن ود يوم الخندق: الآن برز الاسلام للشرك كله.. و قال حذيفة بن اليمان: لو قسمت فضيلة علي بقتل عمرو يوم الخندق بين المسلمين أجمعهم لوسعتهم. و قال ابن عباس في قوله تعالي: «و كفي الله المؤمنين القتال» بعلي. و الحق ان مكان علي في معارك الاسلام أكبر من أن يخفي وراء التعصب في مواقف الخصومة و الملاحاة، ولو ان بطولة علي كانت موضع شك لما سار الحديث عنها مسير المثل، فكان مما قيل: لا فتي الا علي، و لا سيف الا ذوالفقار. ان عليا أكثر المسلمين شدة علي مشركي قريش، و افجاعا لهم في الأبناء و الآباء و الأعمام و الأخوال، و هذه الاحن علي علي، و تلك الترات في نفوس قريش المشركة ظلت حية بعد أن دخلت في الاسلام.. و بعد موت النبي تناولت قريش بسيوفها شيب بني هاشم و شبابها و صبيانها و شردت عقائلها و حرائرها، و كأنما تثأر بهذا لقتلاها في بدر و أحد. و حسبنا أن نذكر هنا مصرع الحسين و آل بيته في كربلاء، و ما تلا ذلك من وقائع».

محمد جواد مغنية