بازگشت

معني الاحتفال بمولد السيدة


المثال لعظمة الفداء و سيادة الحب

و الداعية الي.. وحدة الصفوف

تحتفل مصر الآن بمولد السيدة الطاهرة زينب ابنة الامام علي رضي الله عنهما، و حفيدة النبي صلي الله عليه و سلم من ابنته فاطمة الزهراء.. ان مئات الألوف من الناس يفدون الي الحي الزينبي للمشاركة في هذا الاحتفال، يقودهم اليه حب النبي و عترته.. فالسيدة زينب بضعة منه و عطر من سيرته و قبس من نوره.. و هم يعلمون جميعا أن الأحجار و الاعتاب و الاضرحة لا تنفع أحدا و لا تعطي شيئا.. ولكنهم يعودون جميعا و معهم فضل من دعاء صالح و قبضة من أثر دعوة النبي الباقية الخالدة... الي الحب و ليس الي البغض.. و الي السلام و ليس الي الخصام.. و الي الوحدة و ليس الي الفرقة.. دعوته الي طهارة القلب.. و أمانة الايمان.. و سماحة الاسلام..

كانت أسرة الرسول في مكة - قبل بعثته صلي الله عليه و سلم - جديرة بان تطوقها السعادة، و ان ترفرف عليها السكينة، و ان تنجافاها الهموم، و ان يتطامن لها الزمن، فقد كان الزوجان صالحين، قد غنيا بتجارة رابحة، و هما يتفيآن ظلال بيت الله، و يحلان من قريش سدنة البيت في أرفع محل.. و مكة حافلة بكل عجيب من السلع و الرفاهات، و الاخبار..


ولكن الله الذي رزق محمدا و خديجة طفليهما القاسم و عبدالله يستردهما اليه في سني الطفولة، بعد ان ملآ البيت سرورا و حبورا، في مجتمع كان الفتيان فيه يشغلون مكان الطلائع، فماذا كان يعني ذلك بالنسبة للزوجين السعيدين التوافقين؟.. ماذا كان يعني ان يذهب الابناء دائما - حتي فيما بعد عندما جاء مع الشيبة ابراهيم - و ان يبقي البنات الوديعات البارات؟

اليس هذا السؤال مما يرد بالبال.. تري لو ان الله كان قد اطال في اعمار القاسم و ابراهيم حتي غدوا «رجالا» يشاركون بعد ابيهم في السعي، و في الرأي، و في الجهاد عن الدين و الجماعة، اما كان تاريخ المسلمين في اهم منعطفاته قد تغير الي قرون طويلة؟

سؤال هل سأله احد؟.. و هل اجاب عنه احد؟... و هل وصل الي حكمته احد؟ و اذا كنا نسأله لانفسنا اليوم - تفكيرا بصوت مسموع - و نحن نكتب بمناسبة مولد السيدة الطاهرة المطهرة «زينب» احدي شهيرات اسباط الرسول.. افلا يقودنا هذا الي تلمس الحكمة - ان استطعنا - في أن تكون سبطية اسباط الرسول - علي غير المألوف - من طريق بناته، و ليس من طريق ابنائه؟.. الم يكن هذا بنفسه مطعنا لبعض المشركين عليه، و لبعض المستشرقين و الحاقدين ايضا؟.. فلماذا لا يكون ذلك لحكمة و كرامة و رحمة ارادها الله لنبيه و للمؤمنين.. و علينا ان نعرفها جميعا؟

حقا، في كتب السيرة ان النبي صلي الله عليه و سلم اشتاق للولد، كما انه ادرك لذعة الثكل التي تعانيها زوجته الاثيرة اليه رضي الله عنها. و كان زيد بن حارثة قد عرض للبيع رقيقا في مكة ثمرة من ثمار حروب العرب المستمرة، فطلب الي السيدة خديجة ان تبتاعه، فلما فعلت اعتقه و تبناه،


و اصبح يعرف بعد ذلك بأنه زيد بن محمد.. لقد اصبح زيد اخا بالتبني لكل من زينب و رقية و ام كلثوم و فاطمة رضي الله عنهن.

و كانت البعثة.. و قام الرسول بالدعوة.. قام يدعو قومه.. ثم يدعو قومه و كل العرب.. ثم يدعو قومه و كل الناس.. و ظهر من المشركين من يعيره بانه «الابتر» الذي سينقطع ذكره بين الناس لانه لا ولد له.. و هنا تظهر اول الاضواء علي الحكمة التي نبحث عنه.. تظهر في قول الله ردا علي المشرك و تأمينا للنبي: «انا اعطيناك الكوثر، فصل لربك و انحر، ان شانئك هو الابتر».. ان الانقطاع اذن هو الكفر و لقد وهب الله نبيه «الكوثر».. اي وهبه كثرة الذاكرين لسيرته، و السائرين بذكره و المصلين عليه في صلاة كل يوم من المؤمنين.. ابد الابدين و دهر الداهرين.

و هنا يظهر أيضا معني تبني الرسول الكريم لزيد بعد عتقه.. يظهر معني البديل الذي اتخذه عن ولديه من ظهره.. لقد جاء محمد صلي الله عليه و سلم ليعتق و يحرر المؤمنين بالايمان - كما عتق زيدا.. ثم يكون بحقه عليهم ابا كريما، و رسولا رحيما، و اسرة حسنة.. ما قامت الدعوة الي الله و الاسلام علي ارض البشر.

و هنا تظهر حكمة الله للمرة الثالثة عندما ولد ابراهيم بالمدينة، و عندما مات و اشتد حزن الرسول عليه..

و كان اسباطه صلي الله عليه و سلم من احب بناته اليه و اشدهم حزنا عليه فاطمة الزهراء، هم ابناؤها من الامام علي رضي الله عنه: الحسن و الحسين و محسن، و زنيب و ام كلثوم.

قال ابن اسحق في السيرة: «كان رسول الله صلي الله عليه و سلم لا يسمع شيئا يكرهه، من رد عليه، و تكذيب له، فيحزنه ذلك، الا فرج الله


عنه بخديجة رضي الله عنها، اذا رجع اليها تثبته و تخفف عنه، و تصدقه و تهون عليه امر الناس، حتي ماتت رضي الله عنها».

علي هذا السمت من البر، و تفريج الاحزان، و التثبيت و التخفيف، في الدعوة الي الله، و الجهاد في سبيل الله كانت بنات الرسول صلوات الله و سلامه عليه، و بنات السيدة خديجة رضي الله عنها.. و كان اسباطه و اسباطها منهن.. و كانت السيدة زينب رضي الله عنها..

و كان حظ السيدة زينب ان تكون المكرسة لمواساة اخيها الامام الحسين، و ان تمضي معه علي طريق مأساته الي اخرها، تثبته و تخفف عنه، و تبدي له الرأي، و تتبعه الي ما يريد، فلما كان استشهاده وقفت كالقصاص العادل من قاتليه، و ممن غرروا به.. ثم تبعت رأسه الطاهر الي دمشق تدفع عن ذكره و تبين عن حقه، و تطلب حكم الله بينه و بين من اصابوه. و بغوا عليه.

و لما أوت الي المدينة لم تنثن عن ذكره حتي ضجروا بها، و ضجرت بهم.. و طلبوا اليها ان تختار غير المدينة منزلا.. و جاءها نساء من بني هاشم و علي رأسهن ابنة عمها «زينب بنت عقيل» التي قالت لها مشفقة عليها: «يا ابنة عمي قد صدقنا الله وعده، و اورثنا الارض نتبوأ منها حيث نشاء، و سيجزي الله الشاكرين.. ارحلي الي بلد أمن».