السيدة زينب
قال عليه الصلاة و السلام، «اربعة انا لهم شفيع يوم القيامة، المكرم لذريتي و القاضي لهم الحوائج و الساعي لهم في امورهم عندما اضطروا اليه، و المحب لهم بقلبه و لسانه».
و السيدة زينب رضي الله عنها من هذه الذرية الطاهرة الصالحة المؤمنة، امها فاطمة الزهراء بنت الرسول عليه الصلاة و السلام، و ابوها علي بن ابي طالب كرم الله وجهه.
ولدت في شعبان من السنة الخامسة للهجرة، فحملتها امها و جاءت بها الي ابيها و قالت:
- سم هذه المولودة.
فقال لها رضي الله عنه:
ما كنت لا سبق رسول الله صلي الله عليه و سلم، و كان في سفر له.
و لما جاء النبي و سأله عن اسمها قال:
ما كنت لاسبق ربي.
فهبط جبرئيل يقرأ علي النبي السلام من الله الجليل و قال له:
اسم هذه المولودة زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسم.
و لقيت زينب من جدها الاعظم كل عطف و محبة و حنان و اسبغ الله عليها نور النبوة و الحكمة، و درجت تلك الدرة في بيت الرسالة و رضعت لبان الوحي من لدي الزهراء البتول.
و للسيدة زينب في طفولتها مواقف تريح النفس و تطمئن الحس و تبشر بمستقبل لها عظيم، فقد حدث ان كانت جالسة في حجر ابيها يلاطفها قائلا:
قولي: واحد.
فقالت: واحد.
قولي: اثنين.. فسكتت، فقال علي بن ابي طالب:
- تكلمي يا قرة عيني.
فقالت الطاهرة:
يا ابتاه ما اطيق ان اقول اثنين بلسان اجريته بالواحد -
و سألت اباها ذات يوم:
اتحبنا يا ابتاه؟
فاجاب رضي الله عنه:
و كيف لا احبكم و انتم ثمرة فؤادي.
فقالت:
يا ابتاه ان الحب لله تعالي و الشفقة لنا.
و قدر للسيدة زينب ان تفقد جدها صلي الله عليه و سلم و هي في الخامسة من العمر، و فقدت امها الزهراء بعد ذلك بشهور قلائل فحزنت و هي الصبية الصغيرة عليهما حزنا شديدا و واجهت حياة البيت و رعته و ادارت شئونه بعقلية رتيبة واعية و حس صادق و قلب مؤمن..
و عندما بلغت سن الزواج طلبها شباب هاشم و قريش، و اختار لها والدها عبدالله بن جعفر.
و كتب علي السيدة زينب الجهاد مع الحسين رضي الله عنه و تتابعت قتلي بني هاشم، فسقط عبدالله بن عقيل و عون بن عبدالله بن جعفر و محمد ابن عبدالله بن جعفر و عبدالرحمن بن عقيل بن ابي طالب و جعفر بن عقيل و غيرهم.
و وجد بالحسين ثلاث و ثلاثون طعنة و اربع و ثلاثون ضربة غير الرمية.
و تحرك موكب الاسري و السبايا من آل البيت النبوي الشريف، و ما كاد الركب يمر علي ساحة المعركة حتي صاح النساء و صاحت زينب:
يا محمداه صلي عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعراء مرجل بالدماء مقطع الاعضاء، يا محمداه هذه بناتك سبايا و ذريتك مقتلة تسفي عليها الصبا.
و دخل الموكب الحزين الكوفة و تجمع اهلها يبكون فقالت لهم زينب:
يا اهل الكوفة!
أتبكون؟! فلا سكنت العبرة، و لا هدأت الرنة.
انما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا، تتخذون ايمانكم دخلا بينكم ألا ساء ما تزرون؟
اي والله، فابكوا كثيرا، و اضحكوا قليلا، فقد ذهبتم بعارها و شنارها، فلن تطهروها بغسل ابدا.
و كيف ترحضون او تطهرون قتل سبط خاتم النبوة و معدن الرسالة و مدار حجتكم، و منار محجتكم، و هو سيد شباب اهل الجنة؟
لقد اتيتم بها خرقاء شوهاء.
اتعجبون لو امطرت دما؟
ألا ساء ما سولت لكم انفسكم، ان سخط الله عليكم، و في العذاب انتم خالدون، اتدرون اي كبد فريتم، و اي دم سفكتم، و اي كريمة ابرزتم، لقد جئتم شيئا ادا، تكاد السموات يتفطرن منه و تنشق الارض و تخر الجبال.
فضج الناس بالبكاء و العويل.
و مرت الايام، ثم امر يزيد النعمان بن بشير ان يجهزها و من معها بما يصلحهم في رحلتهم اي المدينة المنورة.
و ذهبت السيدة زينب الي المدينة، و كان وجودها فيها كافيا لان تلهب المشاعر و تؤلب الناس علي الطغاة، فاخرجت من المدينة بعد ان اختارت مصر دارا لاقامتها.
و قد شرفت مصر بقدومها رضي الله عنها عند بزوغ هلال شعبان سنة احدي و ستين هجرية.
و تقدم لها مسلمة بن مخلد الانصاري والي مصر، و عزاها في خشوع و خضوع، و بكي فبكت، و بكي الحاضرون.
محمد يوسف