بازگشت

الحسين و معني الاستشهاد


بقلم كمال النجمي

في طباعة كويتية انيقة، صدرت هذه المسرحية الشعرية ذات الفصول الخمسة و المناظر العشرين...

طباعتها كويتية لان مؤلفها الشاعر المصري الشاب محمد العفيفي مقيم في الكويت الآن، يعمل مدرسا او موظفا بعد أن عمل في الصحافة المصرية بضع سنوات.

و قد رحلت معه الي الكويت شاعريته، و سوف تعود معه حين يعود، لانها شاعرية حقيقية اشبه بشاعرية اعرابي قديم مطبوع علي قول الشعر حيثما كان!..

و العفيفي يكان يكون غريبا بين شعراء زماننا، فان فصاحة بيانه تلحقه بالاقدمين، ولكن تطور فنه الشعري يلحقه بالاحدثين. و قد نجا من عجمة الشعارير الشبان ادعياء التجديد، و من جمود الشعراء الكهول النائمين علي التراث، ولكن العوائق في طريقه لم تنح له حتي الآن بلوغ المرام!..

و مسرحيته الشعرية الجديدة التي طارت الينا من الكويت، هي ثالث


مسرحياته الشعرية، و له ايضا ديوانان من الشعر الغنائي..

عنوان المسرحية الجديدة: «هكذا تكلم الحسين».. فهل تقوم هذه المسرحية علي كلام الحسين؟! و كيف يمكن ان تقوم مسرحية علي الكلام لا علي الفعل و قد قرر سادتنا نقاد الدراما في صحائفهم المهيبة ان المسرح فعل لا كلام؟!.

الحقيقة ان العفيفي كان يسعه ان يسمي مسرحيته: «هكذا فعل الحسين». لولا ان الحسين حين قال فعل، فكلامه كان دعوة الي عمل، و بداية عمل، و دفاعا عن عمل.. و في النهاية مشي الي الحرب ليصبح كلامه حياة و موتا.. مقاومة و استشهادا!..

اراد الشاعر ان يبين بالفعل او بالدراما ان الكلمة حين تنبعث مخلصة صادقة، لا تنطفي ء في العواصف بل تنضوأ عملا و نجاحا، او تشتعل مقاومة و استشهادا. و اذا فاتها الصدق و الاخلاص، فما أفدح الكارثة و ما ارخص الكلام!..

مع ذلك، فعنوان المسرحية ليس كبير الاهمية، بل ليس مهما علي الاطلاق.. المهم حقا هو المسرحية ذاتها بفنها و فكرها و شعرها و صراعها و ما تضيفه الي المسرح الشعري العربي الذي مازال منذ بدأه شوقي قبل اربعين عاما يخطو بعناء كأنه يخطو علي الاشواك!.

و الامام الحسين بن علي - بطل المسرحية - شخصية تاريخية لا يجهلها احد. و مازال التاريخ مهجرا خصبا للشعر المسرحي في العالم كله قديما و حديثا، لان الشخصيات التاريخية بطبيعة الحال هالات خاصة ترفعها فوق الواقع المعاشر، فاذا نطقت شعرا لم يستشعر جمهور المسرح تكلفا فيما يسمع من هذا الشعر ولو كان فخما جزلا، موزونا مقفي..


الا أن التاريخ و ان كان مهجرا للشعر المسرحي فانه ليس حيلة يهرب بها من الحياة المعاصرة. و اذا فرغت المسرحية الشعرية من مضمون قادر علي مخاطبة العصر فرغت من الحياة.

و مسرحية «هكذا تكلم الحسين» تعود بنا سياسيا و فكريا الي القرن الاول الهجري، ولكنها تقف علي خشبة عصرنا بمضمون لم يستنفد اغراضه، فضلا عن انها بغير هذا المضمون الانساني الشامل قادرة علي مخاطبة جمهور ديني خاص، هو جمهور الشيعة، و مأساة الحسين جرح في قلب هذاه الجمهور لا يندمل!..

تدور المسرحية حول الصراع بين الامام الحسين بن علي و بين الخليفة يزيد بن معاوية الذي طلب البيعة في بداية خلافته من الحسين و انصاره في مدينة الرسول، فغادرها الحسين متوجها الي الكوفة في العراق استجابة لدعوة اهلها، ولكن جند يزيد حالوا بين الحسين و بين الكوفة، و حاصروه في كربلاء و منعوا عنه الماء، و كان جند يزيد بضعة آلاف، و لم يكن يصحب الحسين الا بضع عشرات من انصاره و بعض الاطفال و النساء من آل بيته..

و قال جند يزيد للحسين: بايع ليزيد، نرفع عنك الحصار و لا ينلك منا اذي و تذهب حيث اردت!.. فلم يبايع، و صمم علي معارضة يزيد، لانه تولي الخلافة عنوة و احالها الي فراش غرام و مجلس شراب، و انتهك حدود الدين و ظلم العباد و افسد في البلاد..

و جادل الحسين قادة جند يزيد مجادلة بليغة طويلة حتي اوشك بعض الجند ان ينضموا اليه مقتنعين بوجهة نظره، ولكن السيف تكلم في آخر الامر، و عصفت السهام و النبال، فاستشهد الحسين و رجاله القلائل الشجعان في حرب غير متكافئة كان الرجل منهم يقاتل فيها مائة او اكثر


من جند الخليفة المغتصب للخلافة.. انهزمت كلمات الحسين و انتصرت اسلحة يزيد.

كان الحسين مناضلا بالقول و العمل، علي طريقة المسلمين الاولين، و شتان بينها و بين طريقة اهل الطريق الصوفيين. ولو كان الحسين متصوفا لقبع في داره او لجأ الي «الخانقاه» يتعبد و يأكل من مال السلطان.

ولكن الحسين خرج يتكلم و يرشد الناس و يزع المفسدين و يجادلهم. ثم مشي الي الحرب ليصبح كلامه حياة و موتا.. مقاومة و استشهادا.