بازگشت

ادب الشيعة


الشيخ عبد الحسيب طه حميدة عالم مصري من علماء الازهر و مدرس في كلية اللغة العربية، الف كتابا اسماه «ادب الشيعة.. الي نهاية القرن الثاني الهجري». اثبت فيه بالارقام ان ادب الشيعة صميم في عروبته، عنيف في ثورته، و انه قد تظاهرت علي ابرازه العاطفة، و الاحساس، و العقيدة، و انه لذلك كان جديرا بالحياة، و ان الشيعة قد تعرضوا للاذي في سبيل عقيدتهم و حريتهم، فلم يزدادوا الا تمسكا بالحرية و العقيدة.

و كشف المؤلف عن اسرار وجهات في ادب الشيعة لم يسبقه احد الي شرحها و تبسيطها - فيما اعلم - و جري قلمه بالعلم و الحق في كل ما سطره عن حقيقة هذا الادب و اغراضه و وصلته بالحياة، كمحاربته للظلم و الطغيان، ولكنه - يا للاسف - قد انحرف به القلم عن غير قصد الي الاخطاء و الاغلاط، و هو يتحدث عن عقيدة الشيعة، و خلط بين الفرق المحقة الناجية، و بين الفرق المغالية البائدة، فكان في حديثه هذا كغيره من الذين نسبوا الي الشيعة اشياء لا يعلمونها، و الذي اوقع الشيخ في الخلط و الاشتباه اعتماده علي «و لهوسن» و «دوزي»، و «فان فلوتن» و غيرهم من المستشرقين و المفترين [1] ، و كان عليه ان يعتمد علي كتب العقائد عند


الشيعة انفسهم، ككتاب شرح التجريد للعلامة الحلي، و اوائل المقالات للمفيد، و العقائد للصدوق، و مع الشيعة الأمامية للمؤلف، و غيره كثير.

و مهما يكن، فنحن نحيي المؤلف، و نمنح ثقتنا الكاملة، و تقديرنا البالغ لكل ما جاء في الكتاب، ما عدا الفصل الثالث، و ما يتصل به من نسبة الغلو، و الرجعة، و التناسخ، و السبئية [2] و ما الي ذاك، الي عقيدة الشيعة بوجه عام، نقول هذا مع الاعتراف بان المؤلف لم يعتمد الاساءة الي الشيعة، كيف؟ و قد اعترف لهم بالفضل في اشياء كثيرة و انما نلاحظ عليه اعتماده في حديثه عن عقيدة التشيع علي غبي جاهل، او دساس خائن، و اهماله المصادر الشيعية الصحيحة.

و مهما يكن، فان الغرض من هذا الفصل ان نذكر فيه مقتطفات من اقوال المؤلف، تصور ادب الشيعة، و الاهداف التي يرمي اليها، بخاصة فيما يتعلق بحادثة كربلاء، قال:

«ان ادب الشيعة اخذ من لغة الآباء لغته و الفاظه، و من القرآن و الحديث اسلوبه و حججه، و من عقليات العراق و حضارته معانيه و اخيلته، ثم استخدم ذلك في اغراضه الشيعية: حب آل الرسول، و الاخلاص لقرابته، و الاحتجاج لحقهم في الخلافة، و منافحة خصومهم من امويين و زبيريين، و خوارج و عباسيين، و رثاء قتلاهم، و مدح عقيدتهم.

و كانت حادثة كربلاء الملطخة بدماء الحسين و آل بيت الرسول حدا فاصلا بين طورين من اطوار هذا الادب الخصب، كان حبا صادقا، و مدحا خالصا، و موازنة جريئة، و حجاجا عربيا صريحا، مؤسسا علي نظرة العربي الذي هذبه الاسلام للرياسة، و بيت الرياسة، فاسبق الناس الي


الاسلام، و امسهم رحما بالرسول، و اشدهم جهادا للعدو و بلاء في نصرة الدين، احق الناس بخلافة المسلمين و زعامتهم، و ذلك كله قد اجتمع لعلي ابن ابي طالب، لفضله و سبقه و قرابته و جهاده.

كانت حادثة كربلاء، تلك الحادثة المروعة المشئومة، فاتحة طور جديد من اطوار هذا الادب الشيعي.. كما كانت ذات اثر عميق في النفوس الاسلامية، و العقائد الشيعية، و الحياة السياسية؛ و الواقع ان قتل الحسين علي هذه الصورة الغادرة، و الحسين هو من هو دينا و مكانة بين المسلمين لابد ان يلهب المشاعر، و يرهف الاحاسيس، و يطلق الالسن، و يترك في النفس الاسلامية اثرا حزينا داميا، و يجمع القلوب حول هذا البيت المنكوب.

نعم. و لابد ان يكبر الناس هذا التنكيل الجائر، و التمثيل الشائن بعترة الرسول، و سلالته، و فلذات كبده، و قرة عينه، و يروا فيه اذاية له، و كفرانا بحقه، و تعرضا لغضبه:



ماذا تقولون ان قال النبي لكم

ماذا فعلتم و انتم آخر الامم



بعترتي و باهلي بعد مفتقدي

نصف اساري و نصف ضرجوا بدم



ما كان هذا جزائي اذ نصحت لكم

ان تخلفوني بشر في ذوي رحمي



فبهذا و امثاله قامت النائحات في العواصم الاسلامية يندبن الحسين، و يبكين مصرعه، و بهذا و امثاله انطلقت الالسن الشاعرة ترثي ابن بنت الرسول، و تصور اسف النبي في قبره، و حزنه علي سبطه، و احتجاجه علي امته، و تلقي علي بني حرب سوء فعلهم، و قبح ضلالتهم، و جور سلطانهم، و تسجل، في صراحة و عنف، مروقهم عن الدين و انتهاكم لحرم الله.

و هال الناس هذا الحادث الجلل، حتي الامويين انفسهم، فاقض


المضاجع، و اذهل العقول، و ارتسم في الاذهان، و صار شغل الجماهير، و حديث النوادي.

و مكث الناس شهرين او ثلاثة كأنما تلطخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس، حتي ترتفع، و رأي من حمل رأس الحسين نورا يسطع مثل العمود الي الرأس و طيرا بيضاء نرفرف حوله، و رأي ابن عباس النبي في الليلة التي قتل فيها الحسين، و بيده قارورة، و هو يجمع فيها دماء، فسأله: ما هذا يا رسول الله؟ قال: دماء الحسين و اصحابه ارفعها الي الله تعالي.

و امثال هذا كثير، نراه في الطبري، و ابن الاثير، و الاغاني، و العقد الفريد، و صبح الاعشي [3] .

و مهما يكن من شي ء، فقد صبغت حادثة الحسين، و لا تزال تصبغ ادب الشيعة بالحزن العميق، و الرثاء النائح، و المدح المبتهل، و العصبية الحاقدة، و امدته بمدد زاخر من المعاني و الاخيلة و العواطف، فعززت مادته، و اتسع مجال القول فيه، و غدونا امام ادب تبعثه عاطفتان بارزتان: عاطفة الحزن، و عاطفة الغضب، تصدره الاولي حزينا باكيا، و تبعثه الثانية قويا ثائرا.

و العاطفة اقوي دعائم الادب، فاذا اثيرت وهاجت، و كان بجانبها لسان طلق، و بيان ناصع، و نفس شاعرة متوثبة، فهناك الادب الحي، و القول الساحر، و كذلك كان الشيعة. تجمعت لهم كل عناصر الادب: لسان و عاطفة، و فواجع من شأنها ان تستنزف الدم، و تذيب القلب، و تنطق الاخرس، فقالوا، و بكوا: قالوا في الحق و طلبه، و الارث و غصبه.

و بكوا علي حق ضاع، و دم اريق، و حرمات انتهكت، و بيوت


دمرت، و جثث كريمة علي الله و الناس مثل بها ابشع تمثيل، و افتتان اموي اثيم في الفتك بالطالبيين و شيعتهم، فقتل، و صلب، و احراق و تذرية، و هم يقابلون ذلك بالشجاعة و الصبر و الاحتساب.

و كانت القصائد الباكية، و الخطب الرائعة، و الاقوال الدامية [4] صدي لهذه الدماء المسفوحة، و الجثث المطروحة، تبعث ذكراها في كل قلب حزنا، فيبعث الحزن أدبا، يصور الآلام، و يعلن الفضائل، و يستميل القلوب، و يسجل العقائد، و يشرح القضية الشيعية، و يحتج لها في صراحة و عنف، فيتناولها من اطرافها، متفننا في كل ذلك، فمفاضلة جرئية، و معارضة شديدة، و مناقشة فقهية، و دعاية حزبية».

نقلنا هذه المقتطفات، و هي قليل من كثير - اولا - لانها تنصل اتصالا وثيقا بموضوع الكتاب - ثانيا - لانها من شيخ ازهري - ثالثا - لننبه الي هذا الكتاب القيم الذي لم يؤلف مثله في موضوعه، و الذي يجب ان يقرأه كل عالم و كاتب و طالب.. و الغريب ان يكون مجهولا لدي كثير من الشيعة، و هو فيهم و لهم، و قد مضي علي تأليفه اكثر من ست سنوات.

و اذا دل جهلنا بهذا الكتاب و ما اليه علي كل شي ء فانما يدل علي اننا بعيدون عن الحياة كل البعد، بعيدون، حتي عن تاريخنا، و انفسنا و واقعنا.. لقد ادرنا ظهورنا الي المطابع، و ما تخرجه من كتب و صحف، تصور حياة الناس، كل الناس، و استقبلنا بوجوهنا المادة، فلا نفكر الا بها، و لا نفتح اعيننا ال عليها، و لا نمد ايدينا الا اليها، و لا نستطعم شيئا سواها، و من اجلها نبغض و نحب، و نقف علي الابواب نطبل و نزمر للزعماء و ابناء الدنيا. و مع ذلك نحن اعلم الناس، و احس الناس، و اشرف من في الكون..



پاورقي

[1] انظر الفصل الثالث من کتاب «ادب الشيعة» بخاصة ص 75 الطبعة الاولي.

[2] ألف السيد مرتضي العسکري کتابا اسماه «عبدالله بن سبا» عرض فيه الادلة القاطعة عي ان ابن سبا اسطورة لا وجود له ابدا.

[3] و ابن‏حجر، و الثعلبي، و ابونعيم. و سبط ابن‏الجوزي، و البيهقي، و ابن‏سيرين و ابن‏الفقطي، و الترمذي، و غيرهم.

[4] و المؤلفات التي ملأت المکاتب في الفضائل و المناقب.