بازگشت

علومه


انصرف الامام الصادق بكله الي العلم، فلم يشغل نفسه بشي ء سواه، و كان مخلصا لله في احياء العلم و نشره، يرشد الضال، و يهدي الي الحق، و يرد الشبهات، و يدفع الزيغ، و يعمل علي تنقية عقائد المسلمين مما اعتري بعضها من الانحراف، و يبث روح التسامح، و يمنع الطائفية، فكان بذلك الامام الصادق حقا، و حفيد الامام علي، و سيد العترة الطاهرة.

و كان يدرس علم الكون، و ما اشتمل عليه، و من تلاميذه الكيمائي الشهير جابر بن حيان، تلقي عنده علم الكيمياء، و وضع فيه رسائل، طبع منها خمسمئة رسالة في المانيا قبل ثلاثمئة سنة، و هي موجودة في مكتبة الدولة ببرلين، و في مكتبة باريس؛ و مما قاله الاستاذ ابوزهرة في ص 101 و ما بعدها:


«ان الامام جعفرا كان قوة فكرية في هذا العصر، فلم يكتف بالدراسات الاسلامية، و علوم القرآن و السنة و العقيدة، بل اتجه الي دراسة الكون و اسراره، ثم حلق بعقله الجبار في سماء الافلاك و مدارات الشمس و القمر و النجوم، و بذلك علم مقدار نعمة الله علي عبيده.. و قد عني عناية كبري بدراسة النفس الانسانية، و اذا كان التاريخ يقرر ان سقراط قد انزل الفلسفة من السماء الي الانسان، فان الامام الصادق قد درس السماء و الارض و الانسان و شرائع الاديان».

و كان في علم الاسلام كله الامام الذي يرجع اليه، و له في الفقه القدح المعلي، فهو اعلم الناس باختلاف الفقهاء، يعلم الفقه العراقي و مناهجه، و فقه المدينة و ارتباطه بادلته و آثاره، و اعتبره ابوحنيفة استاذه في الفقه، فقد سئل ابوحنيفة: من اين جاء لك هذا الفقه؟ فقال: «كنت في معدن العلم، و لزمت شيخا من شيوخه» و هو يقصد بمعدن العلم الامام الصادق.

و هيأ له ابوحنيفة اربعين مسألة بطلب من المنصور، فاجاب عنها الامام بما عند العراقيين، و ما عند الحجازيين، و ما ارتآه الامام؛ فقال ابوحنيفة: اعلم الناس اعلمهم باختلاف الناس» و اخذ عنه مالك و يحيي ابن سعيد الانصاري و سفيان الثوري، و غيرهم كثير.

و روي عنه اصحاب السنن: ابوداود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و الدار قطني و مسلم، و كثيرون غير هؤلاء من جمهور السنة. و قال الشيخ ابوزهرة: ان العلوم التي اخذها علي عن النبي اودعها ذريته، و هم اذاعوها علي الناس حين اتيحت لهم الفرصة. و هذا عين ما تقوله الامامية في علوم اهل البيت دون زيادة، و قد كرروه و اكدوه في كتب العقائد و الحديث، و الفقه و التفسير، و نظمه احد شعرائهم:




اذا شئت ان تبغي لنفسك مذهبا

ينجيك يوم البعث من لهب النار



فدع عنك قول الشافعي و مالك

و احمد و المروي عن كعب احبار



و وال اناسا نقلهم و حديثهم

روي جدنا عن جبرئيل عن الباري



و بهذا يتبين معنا ان قول الشيخ في ص 70: «ان الامامية يقولون: ان علم الامام جعفر الهامي و ليس بكسبي» من سهو القلم، و نسبة بلا مصدر، و اذا كان الامامية لا ينسبون علم النبي الي الالهام بل الي جبريل عن الله جل شأنه؛ فكيف ينسبون علم ابنائه الي الالهام؟ ا و هناك ملاحظات أخري علي الكتاب:

«منها» ما جاء في ص 36 «ان المؤلف لا يستطيع ان يقبل روايات الكليني صاحبي الكافي، لان بعض رواياته لا يقول بصحتها كبار علماء الاثني عشرية، كالمرتضي و الطوسي».

و نجي فضيلة الشيخ بان التشكيك في بعض روايات الكافي لا يستدعي طرح رواياته كلها. و قد شكك كثير من الحفاظ ببعض الرواة الذين اعتمد عليهم البخاري في صحيحه، و مع ذلك لم يطرح اهل السنة كل ما في البخاري. نقل صاحب كتاب «اضواء علي السنة المحمدية» ص 275 طبعة دار التأليف سنة 1958 ان الحفاظ ضعفوا من رجال البخاري ثمانين رجلا، و من رجال مسلم مئة و ستين، و بالرغم من هذا فهما من الصحاح عند السنة، و اذا جاز لنا ان نطرح جميع روايات الكليني لحديث واحد، او احاديث في موضوع من الموضوعات يجوز لنا، و الحال هذه،


ان نظرح جميع روايات البخاري و مسلم.

هذا، و قد رجح البخاري صدق راو، و رجح مسلم كذبه، كعكرمة مولي ابن عباس [1] و مع ذلك يعتبر اهل السنة كلا من كتاب البخاري و مسلم صحيحا، و بديهة ان الشي ء الواحد لا يتصف بصفة و نقيضها في آن واحد.

«و منها» ما جاء في ص 73 «ان النبي كان يجتهد، و كان في اجتهاده عرضة للخطأ.. بل ثبت انه قد اخطأ و علمه ربه الصواب».

ان خطأ الانبياء في الاحكام محال بحكم العقل، لان وقوع الخطأ منهم مناف لحكمة البعثة المقصود منها ارشاد الخلق الي الحق، ان قول النبي دليل قاطع لرفع الخطأ، فاذا اخطأ انتفت عنه صفة الدلالة، و بالتالي تنتفي عنه صفة النبوة و الرسالة.



پاورقي

[1] جاء في کتب السنة ان عکرمة هذا الذي صدقه البخاري و عمل بحديثه قد ملأ الدنيا کذبا، و انه کان يري رأي الخوارج، و يقبل جوائز الامراء و جاء في کتب السنة ايضا ان اباهريرة کذبه علي و عمرو عائشة، و مع ذلک روي عنه البخاري و مسلم.