بازگشت

السيدة زينب رمز لشي ء عميق الدلالة


يحتفل المصريون في كل عام بمولد السيدة زينب، و تجتمع الحشود لهذه الغاية في مسجدها بالالوف، و كتب محرر مجلة «الغد» مقالا خاصا بهذه المناسبة عن السيدة في عدد فبراير شباط سنة 1959 صفحة 9 تحت عنوان «مولد السيدة و أعياد الامة العربية»، قال:

«طوال ثلاثة اسابيع في الشهر الماضي، كانت حشود من الرجال و النساء و الاطفال تتجه الي حي السيدة، و تظل تلك الحشود الكبيرة ساهرة رغم البرد الشديد حتي الفجر، وسط الانوار الزاهية الوف من الناس تستمتع فعلا بالمولد الكبير لبطلة كربلاء... زينب اخت شهيد الاسلام الخالد الحسين بن علي.

و في السرادقات، و المقاهي المتنقلة، و حول السيرك و الملاهي، ترتفع دقات الدفوف و نغمات الربابة، و ايقاع الطبول، و أصوات المطربين و المنشدين، و تهتز القلوب و تمتلي ء بالبهجة العريضة.. و ترتفع الاصوات من حناجر الالوف ممتلئة بالحب الحقيقي تنادي: «يا رئيسة الديوان»...!

ان السيدة زينب «رئيسة الديوان» رمز لشي ء عميق الدلالة، انها المرأة الباسلة الشجاعة التي ظلت تضمد جراح الرجال في معركة كربلاء من ابناء بيت الرسول و اتباع الحسين، حتي سقطوا جميعا صرعي بين يديها.


لم يرهبها جنود «يزيد بن معاوية» الانذال السفاحون، الذين اقتلع حكم يزيد الباطش المطلق من نفوسهم آخر خيط يربطهم بالانسانية.. فكانوا يقطعون بسيوفهم رقاب الاطفال أمام السيدة زينب، و رأتهم يبقرون بطن غلام من أبناء الحسين، فلم يزدها ذلك الا بسالة و تماسكا و رغبة في النصر.

و رأت أخاها العظيم الباسل «الحسين بن علي» و قد وقف بمفرده أمام جنود يزيد و هو يرفض التسليم و راح يقاتلهم بعد ان استشهد كل اتباعه و أهله... ما عدا ولده زين العابدين الذي كان مريضا، و نائما في حضن عمته «زينب» فتركوه ظنا منهم انه سيلفظ انفاسه الاخيرة من المرض... لكنه عاش.. و كان شوكة في جنب الدولة الاموية، تلك الدولة التي أقامها معاوية بالدس و الشر، و التنكر لاعظم مبادي ء الانسانية في ذلك الزمان... لرسالة محمد رسول الله.

و اندفعت زينب من خبائها نحو أخيها.. حاسرة الرأس ملتاعة، و زعقت بكل قواها.. وا حسيناه.. ثم سقطت مغمي عليها من الحزن العميق...

كانت تري في نهاية الحسين، انهيارا لبناء هائل كبير أقامه جدها النبي في طول الارض و عرضها، ليخلص البشرية من انحطاطها و اندفاعها نحو الفوضي و الشر.

و مع ذلك.. فان مصرع الحسين كان نذيرا لدولة معاوية الافاق، و انهارت الدولة بعد ذلك بنصف قرن وسط افراح الشعب.

ظل الشعب العربي يلعن يزيد بن معاوية و خلفاءه حتي سقطوا بل ان الشعب العربي انتقم من قادة الجيش الامويين شر انتقام، فلقي اكثرهم مصرعه بعد ان استشهد الحسين علي أيديهم و هو الامام و القائد و الزعيم


السياسي المثالي لامة العرب في ذلك الحين، و الرجل الذي قام برحلته الدامية الي العراق، و هو يعلم ان الوف الجنود المرتزقة من جيش يزيد، سوف تلقح به و تحول بينه و بين الاتصال بالشعب.

و كان الحسين يعلم انه ستشهد لا محالة، هو و أهل بيته، لكنه مضي في طريقه دون خوف أو تردد، و تلك صفات الزعماء الحقيقيين للشعوب.

طلبوا منه أن يسلم نفسه فأبي.. طلبوا منه البيعة ليزيد، فرفض ان يبايع شابا فاسدا شريرا، لا يصلح ان يقود امة حديثة في طريقها الطويل.

و امتشق سيفه، و ظل يقاتل جنود الشيطان يزيد، خليفة المسلمين الذي فرضه ابوه معاوية فرضا علي الامة العربية...

و لم يكن معه سوي العشرات من الرجال و النساء و لا اطفال، كل جيشه كان يمكن لفصيلة من الجنود سحقها في لحظات.. لكن الجيش الصغير صمد أياما طويلة و قاتل بقيادة الحسين ببسالة عجيبة مذهلة، لم يشهد تاريخ الشرق او الغرب مثيلا لهم.

كان الحسين عطشان جائعا... و رجاله يفتك بهم الظمأ مثله، و أطفاله يصرخون في طلب جرعة ماء.. كان الحصار من حوله في كربلاء محكما جدا، الوف من جنود الشيطان يمنعون عنه و عن عياله الماء...

و مع ذلك قاتل و صمد و لم يترك سيفه و رمحه الا بعد ان تمزق جسده بعديد من السيوف و الحراب.

و خلال ذلك كله.. خلال أعظم معركة في سبيل العقيدة، شهدها التاريخ القديم، لامة العرب، برزت شخصية السيدة زينب «رئيسة


الديوان» كما نسميها نحن أبناء مصر.. بطلة باسلة مؤمنة شجاعة.. حتي ان يزيد بن معاوية الافاق، لم يجرؤ علي مناقشتها عند ما ساقوها اليه، و رفضت أن تبايعه، و لعنته، كما لعنت كل الذي يغدرون و يطعنون المؤمنين في ظهورهم!

و من أجل ذلك نحن في مصر و في كل الوطن العربي، تؤمن ببطولة السيدة زينب، كما نؤمن بذلك البطل الخالد «الحسين بن علي» ابي الشهداء جميعا.. نؤمن بأمثال هؤلاء العظام و نحتفل بمولدهم، و نرقص و نعني و نطرب، و ننشد الاغاني حول أضرحتهم، و ذلك لاننا نحبهم و لا احد يستطيع ان يزيل من قلوبنا الحب الصادق لرائد البطولة الخارقة..

و قد نحيا و نمتلي ء بالأمل فنعمل و نكافح لان مثل هذا الرمز يضي ء لنا الطريق، و يشحننا بالرغبات الطيبة و الايمان بالشرف.

و نحن لا نبالغ اذا اعتبرنا مولد السيدة زينب و مولد الحسين من الاعياد القومية لامة العرب».

و صدق الكاتب «ان السيدة زينب رمز لشي ء عميق الدلالة» ولكن من اي نوع هذا الشي ء العميق؟ و هل كشف عنه الباحثون و المؤرخون؟

لقد تكلم العلماء و الادباء قديما و حديثا حول شخصية السيدة، و اتفقوا علي بسالتها و علمها و قوة صبرها و ايمانها و عقلها، و علي عظمة الدور الذي قامت به في كربلاء. و حاول كثيرون ان يشرحوا هذه الدور، و يفسروا لنا و للاجيال السر الكامن في ذهابها مع أخيها الي كربلاء. و رأي بعضهم ان الغاية من وجودها مع أخيها ان تبث دعوة الحق، و تعلن سر نهضة الحسين، و تبلغ حجته للملأ، و تبين مساوي ء الامويين، و تؤلب الناس علي الطغاة البغاة بالمواعظ و الخطب، كما فعلت في الكوفة و الشام، و في الطريق اليهما منتهزة الفرص، لانجاز مهمة اخيها سيدالشهداء.


و ليس من شك انها أدت هذا المهمة علي اكمل وجه بخاصة في مجلس يزيد و ابن مرجانة، فلقد عرفت كلا منهما بمكانة من الخزي و العار، و فضحتهما لدي الاشهاد، و لعنتهما كما لعنت كل الذين يغدرون و يفجرون؛ و قد ذكرنا ذلك في غير مكان من هذا الكتاب بعنوان: «خروج الحسين بأهله الي كربلاء» ولكن هل هذا وحده هو الشي ء العميق الذي ترمز اليه السيدة زينب؟ كلا، فأن معه شيئا آخر اعمق و أبعد من هذا بكثير. انه الاحتفاظ بالدين، و الابقاء علي شريعة سيد المرسلين، ان هذا الشي ء العميق يعود الي ابيها اميرالمؤمنين، و علومه التي تلقاها عن اخيه و ابن عمه خاتم الرسل و جد السيدة زينب، و اليك القصة من اولها:

قال الشيخ محمود ابورية خريج الازهر في كتاب «اضواء علي السنة المحمدية» صفحة 204 طبعة 1958:

«ولد علي قبل البعثة بنحو عشر سنين، و تربي في حجر النبي و عاش تحت كنفه قبل البعثة، و ظل معه الي ان انتقل الي الرفيق الاعلي، و لم يفارقه ابدا لا في سفر و لا في حضر - و هو ابن عمه، و زوج ابنته فاطمة الزهراء - و شهد المشاهد كلها سوي تبوك، فقد استخلفه النبي فيها علي المدينة، فقال: يا رسول الله، اتخلفني في النساء و الصبيان؟! فقال الرسول: اما ترضي ان تكون مني بمنزلة هرون من موسي الا انه لا نبي بعدي (رواه الشيخان) اي البخاري و مسلم.

و لما قال معاوية لسعد بن ابي وقاص ما يمنعك ان تسب اباتراب؟ قال له: اما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله، لان تكون واحدة لي منهن احب الي من حمر النعم، فلن اسبه، ثم ذكر له هذه الثلاث، و هي حديث انت مني بمنزلة هرون من موسي، و لا عطين الراية الي رجل يحبه الله و رسوله، و حديث المباهلة. و قال له النبي «من كنت مولاه فعلي مولاه» و هو حديث متواتر مشهور.


و قال ابن تيمية: علي افضل اهل البيت، و افضل بني هاشم بعد النبي، و قد ثبت عن النبي انه ادار كساه علي علي و فاطمة و الحسن و الحسين، و قال: اللهم هؤلاء اهلي، فأذهب الرجس عنهم و طهرهم تطهيرا صحفة 250 ج 1 من فتاوي ابن تيمية.

و مغازية التي شهدها مع رسول الله، و قاتل فيها كانت تسعة: بدر و أحد و الخندق و خيبر، و فتح مكة و يوم حنين و غيرها، و ثبت في الصحيح ان النبي قال: لاعطين الراية رجلا يحب الله و رسوله يفتح الله علي يديه، فاعطاها لعلي (ص 310 من الجزء الاول لفتاوي ابن تيمية).

هذا هو علي رضي الله عنه الذي لو كان قد حفظ كل يوم عن النبي، و هو الفطن اللبيت الذكي ربيب النبي حديثا واحدا، و قد قضي معه رشيدا اكثر من ثلث قرن، لبلغ ما كان يجب ان يرويه حوالي 12 الف حديث علي الاقل، هذا اذا روي حديثا واحدا في كل يوم، فما با لك لو كان قد روي كل ما سمعه [1] و لقد كان له حق في روايتها و لا يستطيع احد ان يماري فيها، ولكن لم يصح عنه كما جاء بكتاب الفصل الا نحو خمسين حديثا لم يحمل البخاري و مسلم الا نحو عشرين حديثا،... هذا كلام ابي رية في كتابه «اضواء علي السنة المحمدية».

و قال الشيخ محمد ابوزهرة و هو من كبار شيوخ الازهر، و المؤلفين المعروفين، قال في كتاب «الامام الصادق» صفحة 162 مطبعة احمد علي مخيبر [2] :


«يجب علينا ان نقرر هنا ان فقه علي و فتاويه و اقضيته لم ترو في كتب السنة.. و كان اكثر الصحابة اتصالا برسول الله (ص)، فقد رافق الرسول، و هو صبي قبل ان يبعث، و استمر معه الي ان قبضه الله تعالي رسوله اليه، و لذا كان يجب ان يذكر له في كتب السنة اضعاف ما هو مذكور فيها.

و اذا كان لنا ان تنعرف السبب الذي من أجله اختفي عن جمهور المسلمين بعض مرويات علي وفقهه، فانا نقول: انه لابد ان يكون للحكم الاموي اثر في اختفاء كثير من آثار علي في القضاء و الافتاء، لانه ليس من المعقول ان يلعنوا عليا فوق المنابر، و ان يتركوا العلماء يتحدثون بعلمه، و ينقلون فتاويه و اقواله للناس، و خصوصا ما كان يتصل منها باساس الحكم الاسلامي..

ولكن هل كان اختفاء اكثر آثار علي رضي الله عنه، و عدم شهرتها بين جماهير المسلمين سبيلا لاندثارها، و ذهابها في لجة التاريخ الي حيث لا يعلم بها احد..!! ان عليا رضي الله عنه قد استشهد، و قد ترك وراءه من ذريته ابرارا أطهارا كانوا أئمة في علم الاسلام، و كانوا ممن يقتدي بهم، ترك ولديه من فاطمة الحسن و الحسين، و ترك رواد الفكر محمد بن الحنفية، فاودعهم عنه ذلك العلم، و قد قال ابن عباس: انه ما اتنفع بكلام بعد كلام رسول الله (ص) كما انتفع بكلام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، و قام اولئك الابناء بالمحافظة علي تراث ابيهم الفكري، و هو امام الهدي، فحفظوه من الضياع، و قد انتقل معهم الي المدينة لما انتقلوا اليها بعد استشهاده رضي الله عنه برسول الله (ص) و بذلك تنتهي الي ان البيت العلوي فيه علم الرواية كاملة عن علي رضي الله عنه، رووا عنه ما رواه عن الرسول كاملا، او قريبا من الكمال، و استكنوا بهذا العلم


المشرق في كن من البيت الكريم».

و اذا عطفت هذا القول للشيخ ابي زهرة علي قول الشيخ ابي ريه السابق، فانك واصل حتما الي اليقين بان علم محمد عند علي، و علم علي عند ابنائه، و هم الذين نشروه و اذاعوه علي الناس.

نقلنا أقوال هذين الشيخين الجليلين من شيوخ الازهر باللفظ لا بالمعني، نقلناهما بالحرف الواحد مع ارقام الصفحات و هي تقدم الادلة علي حقيقة لا ترد و لا تقبل التشكيك.

علي بن ابي طالب الذي لازم النبي منذ طفولته الي آخر يوم من ايام الرسول لا يروي عنه الا خمسون حديثا!!... علي الذي ربي في حجر الرسول، و كان منه بالمنزلة الخصيصة، يتبعه اتباع الفصيل اثر امه، و يرفع له كل يوم نميرا من علمه و اخلاقه لا يروي عن النبي الا خمسين حديثا، و ابوهريرة الذي لم يصحب النبي الا نحو ثلاث سنوات، لا يراه فيها الا قليلا، و الحين بعد الحين، يروي عنه 5374 حديثا!... و لو اخذنا بهذا القياس لوجب ان يروي الامام 18216 حديثا، لانه لازم النبي رشيدا اكثر من ثلث قرن.

و من هنا تعلم ان السر الوحيد لقلة الرواية عن الامام علي هو ما اشار اليه الشيخ ابوزهرة، هو عداء الامويين و موقفهم من الامام، و ممن يذكره بخير، فقد عاقبوا من يروي منقبة من مناقبه، او ينقل حديثا عنه، و تتبعوا تلاميذه و خاصته في كل مكان، كميثم الثمار و عمر بن الحمق، و رشيد الهجري و حجر بن عدي و كميل بن زياد و غيرهم و غيرهم، و قتلوهم الواحد بعد الآخر، و نكلوا بهم شر تنكيل، كي لا يتسرب عن طريقهم اثر من آثار علي.

اجل، لقد بذل الامويون اقصي الجهود، و استعملوا التقتيل


و التنكيل، و سلكوا جميع السبل، ليقضوا القضاء الاخير علي كل اثر يتصل بعلي من قريب او بعيد الا السبب و اللعن، ان الامويين يعلمون حق العلم ان عليا اخو رسول الله و وصيه و وارث علمه و امينه علي شرعه و حجته البالغة علي الناس اجمعين، و يعلم الامويون ايضا انهم ملعونون في كتاب الله و علي لسان نبيه، فالامساك عن علي و آثاره معناه القضاء علي حكمهم، لان آثار علي هي آثار محمد الذي نص علي ان الخلافة محرمة علي الامويين، لذا لعنوا الامام علي المنابر، و قتلوا خاصته، كي لا يرووا شيئا عنه، ولكن يابي الله الا ان يتم نوره؛ فلقد او دع الامام علوم الرسول ذريته و اولاده، كما قال الشيخ ابوزهرة، و وصلت الينا عن طريق آله و ذريته.

و لم تخف هذه الحقيقة علي الامويين، فحاولوا القضاء علي ذرية علي، و ان لا يبقوا من نسله حيا، ليمحوا كل اثر له من الوجود، و اصدق شاهد علي ذلك قول شمر بن ذي الجوشن: «قد صدر أمر الامير عبيدالله ان اقتل جميع اولاد الحسين» قال هذا حين شهر سيفه ليقتل الامام زين العابدين، و قد دفعه عنه حميد بن مسلم و عمر بن سعد، و قالت عمته الحوراء لما هم بقتله: و الله لا يقتل حتي اقتل و في هذا نجد التفسير الصيحح لقتل الطفل الرضيع و غيره من اولاد اهل البيت (ع).

قتل الامويون سيدي شباب أهل الجنة الحسن و الحسين، و قتلوا ابناء الحسين، و لم ينج منهم الا الامام زين العابدين، و الفضل الاول في نجاته من القتل للسيدة زينب، دفعت عنه شمرا في كربلاء، و ابن زياد في الكوفة، حيث امر بقتله، فتعلقت به السيدة، و اعتنقته قائلة: و الله لا افارقه، فان قتلته فاقتلني معه، فنظر ابن مرجانة اليهما ساعة، ثم قال، «عجبا للرحم!.. و الله اني لاظنها ودت اني قتلتها معه، دعوه، فأني أراه لما به» اي يراه مريضا.


كلا، ليست المسألة رحم، و كفي، و لا مسألة حب و عطف فقط، انها اعمق و ابعد من ذلك التفكير، انها الخوف علي دين الله و علوم رسول الله من الضياع، لقد استماتت السيدة دون الامام زين العابدين، لانه حلقة الاتصال بين الحسين و بين الامامين الباقر و الصادق اللذين اشاعا و اذاعا علوم محمد و علي.

كان علم الرسول عند علي، و علم علي عند ولديه الحسن و الحسين، و علم الحسين عند زين العابدين، و منه الي ولده الباقر، و حفيده الصادق، و هكذا انتقلت علوم الرسول من امام الي امام حتي ذهب الامويون، و زال حكمهم، و لم يبق له عين و لا اثر في عهد الصادقين حيث انتشرت علومهما في كل مكان، و لم يكن من سبيل الي بث هذه العلوم في عهد الامويين، و يؤكد هذه الحقيقة ان الحسين لما توجه الي العراق دفع الي ام سلمة الوصية و الكتب، و قال لها: اذا أتاك اكبر ولدي، فادفعيها اليه، و بعد ان قتل الحسين اتي زين العابدين الي ام سلمة، فدفعت اليه كل شي ء اعطاها الحسين.

فالامام زين العابدين هو حلقة الاتصال بين ابيه وجده و بين ولديه الصادقين، و لو فقدت هذه الحلقة لم يكن لعلوم علي خبر و لا اثر، و لخسر الدين و الاسلام اعظم ثماره و أثمن كنوزه، و لهذا وقفت السيدة موقفها مع الذين حاولوا قتل الامام زين العابدين، و كان لها اكرم يد و افضلها رمزا لشي ء عميق الدلالة» كما قال محرر مجلة «الغد» ولكنه لم يدرك نوع هذا السر علي حقيقته، و كفاه معرفة ان يدرك، ولو علي سبيل الاجمال، ان السيدة زينب رمز لشي ء عميق الدلالة.

و قد يتساءل: اذا كانت الغاية الاولي و الاخيرة هي المحافظة علي الامام زين العابدين فلماذا صحبه الحسين معه الي كربلاء؟ و لماذا لم يبقه في حرم جده الرسول؟...


و الجواب ان المدينة كانت تحت سيطرة الامويين، و كان فيها مروان ابن الحكم الذي اشار علي الوليد بقتل الحسين، فكيف يأمن الحسين علي أهله، و هم بين ايدي الطغاة، و في حكم اشد الناس لؤما وعداءا للحسين و لكل من يمت اليه بسبب او نسب.

و قد اسلفنا ان الامويين اصدروا أمرهم بقتل اولاد الحسين حتي الطفل الرضيع، فهل يعفون و يصفحون عن خليفته و اكبر اولاده و وارث علمه؟! و هل للامويين هدف من قتل الحسين و اولاده و اصحاب ابيه و اصحابه الا القضاء علي كل اثر لابي الحسين وجد الحسين؟!.

و مرة ثانية نقول مع محرر المجلة: «ان السيدة زينب رمز لشي ء عميق الدلالة». انها لكلمة بالغة، ما انطق بها الكاتب الا الحق. و الا عظمة السيدة، انها لكلمة تحمل من المعاني ما تضيق عنها المجلدات؛ و كل مآثر أهل البيت الطاهر لا تتسع لها الكتب و الاسفار.



پاورقي

[1] نعم لقد روي کل ما سمعه من النبي، ولکن لاولاده و ذريته، و رواه ذريته للناس علي لسان محمد الباقر و جعفر الصادق، کما سيتضح ذلک فتابع القراءة لتتأکد من هذه الحقيقة م ج.

[2] هذا الکتاب اکبر موسوعة علمية عن الامام الصادق، و بيان عظمته عند الله سبحانه، و سموه في اخلاقه، و خير مصدر للعلماء، و مرشد لمن يجهل مقام الصادق خاصة و اهل بيت عامة.