بازگشت

انه ابن علي


لو حدثك محمد ان رجلا بذلت له الملايين علي ان ينطق بكلمة باطل لا يسأله عنها سائل، و لا يؤاخذه عليها مؤاخذ في هذه الحياة، فابي و امتنع لا لشي ء الا لان شفتيه تتنزه عن التفوه بالباطل، او قال لك ان الملك قد أتاه لقمة سائغة بلا معارض و لا منازع علي ان يقطع علي نفسه وعدا بان يسير علي طريق من مضي من الملوك و الحكام، فابي و امتنع لا لشي ء الا لانه لا يريد ان يكون مقلدا لغيره، و لا ان يعد و يخلف؛ فذهب الملك الي غيره، فلم يهتم و لم يكترث، حتي كأنه نواة يلفظها من فمه، او حصاة تسقط من يده، او اخبرك مخبر ان عدوا قصد هذا الرجل للقضاء علي حياته، و لما برز له وجها لوجه و تمكن من عدوه، و اصبح في قبضة يده، و رأي هذا العدو الموت نصب عينيه، طلب منه العفو الصفح، فعفا و صفح لا لشي ء الا رغبة في العفو و الصفح، و هو يعلم علم اليقين ان لو قتله لباء المقتول بالاثم، و كان للقاتل الفضل و العذر عند الله و الناس.

لو حدثك بهذا او بعضا منه انسان، اي انسان، لقلت: ان محدثك لا يدري ما يقول: و انه يتوهم و يتكلم، ذلك لانا قد اعتدنا ان نري الناس يكذبون و يراؤون، و يمرغون الجباه بتراب الاقدام من أجل الدرهم و الدينار، و ألفنا ان نقرأ و نسمع العهود و المواثيق في بيانات الحكام، و كلها عكس ما يؤمنون به و يدينون، و ضد ما ينوون و يعملون، و رأينا كيف


ينتقم الظافرون من خصومهم؟ و كيف يخيرونهم بين الموت و العبوديه؟حتي ولو كانت الخصومة في الرأي و الاجتهاد. لذلك و غير ذلك تستبعد هذا النوع من الحديث، لانك تأخذ بمبدأ قياس بعض الناس علي بعض.

ولكن هذا ماحصل بالفعل، و شهد به القريب و البعيد، اقرأ تاريخ الامام علي بن أبي طالب، لتلمس هذه الحقيقة، و تؤمن بها ايمانك بوجودك، فقد بايعه عبدالرحمن بن عوف علي ان يعمل بكتاب الله و سنة الرسول و سيرة الخليفتين ابي بكر و عمر، فقال له علي: اعمل بكتاب الله و سنة الرسول، و ارجو ان افعل علي مبلغ علمي و طاقتي، فبايع عبدالرحمن عثمان، ولو قال الامام نعم لتمت له الخلافة بدون معارض، ولكنه ابي ان يكون مقلدا، أو ان يعد و يخلف. و في يوم احد برز الي طلحة بن ابي طلحة، و كان كبش الكتيبة فصرعه الامام بضربة، و لما أراد ان يجهز عليه بالثانية، قال له طلحة: انشدك الله يابن عم و الرحم، فانصرف عنه، فقال له المسلمون: الا اجهزت عليه؟ فقال ناشدني الله و الرحم، و ترك ابن العاص بعد ان اصبحت حياته في يده، ولو قتله لدب الذعر في جيش معاوية، و تمزق شر ممزق، و عفا يوم الجمل عن مروان بن الحكم، و هو الد الخصوم و اخطرهم، و سقي أهل الشام الماء بعد ان منعوه منه. [1] .

و قال قائل جاهل: ان الامام لا يعرف السياسة، لانه لو منع الماء عن أهل الشام، او قتل مروان و ابن العاص لضمن النصر بأيسر الاسباب، و يصح هذا القول في حق الذين تسيرهم منافعهم الشخصية و يستبيحون


كل شي ء في سبيلها، اما في حق الامام الذي يري الدنيا بكاملها احقر من ورقة في فم جرادة، و اهون عليه من رماد أذرته الرياح في يوم عاصف، اما في حق الامام الذي يري الموت ايسر عليه من شرب الماء علي الظمأ، اما الذي يري الحذاء البالية خيرا الف مرة من الملك و السلطان الا ان يقيم حقا او يدفع باطلا، اما هذا الملاك الذي لا يشبه احدا، و لا يشبهه احد من الناس، فلا يصح في حقه شي ء من مقاييس الناس التي تقوم علي الاطماع، و التهالك علي الحطام.

و خير كلمة قرأتها في الاعتذار عن صفح الامام عن اعدائه، و استخافه بالملك ما قاله الاستاذ جرداق: «ان الذين يعترضون علي الامام يريدونه ان يكون معاوية بن سفيان، و يأبي هو الا ان يكون علي بن أبي طالب».

و هكذا أراد اتباع يزيد و من علي شاكلته أرداوا أن يكون الحسين كابن سعد و ابن زياد حين طلبوا منه ان يبايع يزيد، و يأبي هو الا ان يكون الحسين بن علي، و الا ان يحمل روح أبيه بين جنبيه، و الا ان يري الموت سعادة، و الحياة مع الظالمين ندما.

قال له قيس بن الاشعث يوم الطف: انزل علي حكم بني عمك، فانهم لم يروك الا ما تحب. فقال له الحسين: لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل، و لا افر فرار العبيد، ثم نادي يا عبادالله اني عذت بربي و ربكم ان ترجمون، اني اعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب.

و حين هلك معاوية كتب يزيد الي ابن عمه الوليد بن عتبة بن ابي سفيان، و كان واليا علي المدينة: اما بعد فخذ حسينا بالبيعة اخذا ليس فيه رخصة. و لما وصل الكتاب الي الوليد ارسل في طلب الحسين، فدعا الامام جماعة من مواليه، و أمرهم بحمل السلاح، و قال لهم: ان الوليد


قد استدعاني، و لست آمن ان يكلفني امرا لا أجيبه اليه، فان سمعتم صوتي قد علا، فادخلوا عليه، لتمنعوه مني، و صار الحسين الي الوليد، فوجد عنده مروان بن الحكم، فقرأ الوليد كتاب يزيد علي الحسين، فطلب الحسين منه الامهال، فقال له الوليد: انصرف اذا شئت علي اسم الله، فقال له مروان: و الله لئن فارقك الحسين الساعة، و لم يبايع، لا قدرت منه علي مثلها ابدا. احبس الرجل حتي يبايع، او تضرب عنقه، فوثب الحسين، و هو يقول: يابن الزرقاء انت تقتلني، او هو، كذبت و اثممت؛ و خرج الحسين، و معه مواليه.

فقال مروان للوليد: عصيتني. فقال الوليد: انك اخترت لي التي فيها هلاك ديني، و الله ما احب ان لي ما طلعت عليه الشمس و غربت عنه من مال الدنيا و ملكها، و اني قتلت حسينا، سبحان الله اقتل حسينا لانه قال: لا ابايع، و الله اني لا ظن ان امرأ يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عندالله يوم القيامة. في رواية ان الحسين قال للوليد: ايها الأمير انا اهل بيت النبوة، و معدن الرسالة، و مختلف الملائكة، بنا فتح الله، و بنا ختم، و يزيد رجل فاسق شارب الخمر و قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، و مثلي لا يبايع مثله.

و لما جن الليل اقبل الحسين الي قبر جده، و قال: السلام عليك يا رسول الله، انا الحسين بن فاطمة فرخك و ابن فرختك، و سبطك الذي خلفته في امتك، فاشهد عليهم يا نبي الله انهم قد خذلوني و ضيعوني، و لم يحفظوني، و هذه شكواي اليك حتي القاك، ثم قام فصف قدميه للصلاة. فلما كانت الليلة الثانية خرج الي القبر ايضا، وصلي ركعات، فلما فرغ من صلاته، جعل يقول:

اللهم هذا قبر نبيك محمد (ص)، و أنا ابن بنت نبيك، و قد حضرني


ما قد علمت. اللهم اني احب المعروف، و انكر المنكر، و انا اسألك يا ذا الجلال و الاكرام، بحق هذا القبر، و من فيه الا اخترت ما هو لك رضي، و لرسولك رضي، ثم بكي حتي اذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه علي القبر، فاغفي، فاذا برسول الله قد اقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه و شماله و بين يديه، فضم الحسين الي صدره، و قبل بين عينيه، و قال: حبيبي يا حسين كأني أراك عن قريب مرملا بدمائك مذبوحا بارض كرب و بلاء من عصابة من امتي، و أنت مع ذلك عطشان لا تسقي، و ظمآن لا تروي، و هم مع ذلك يرجون شفاعتي لا أنيلهم شفاعتي يوم القيامة، حبيبي يا حسين ان أباك و امك و أخاك قد قدموا علي، و هم مشتاقون اليك، و ان لك لدرجات في الجنان لا تنالها الا بالشهادة، فجعل الحسين ينظر الي جده و يقول: يا جداه لا حاجة لي في الرجوع الي الدنيا، خذني اليك، و ادخلني معك في قبرك.



يا غيرة الهل اغضبي لنبيه

و تزحزحي بالبيض عن اغمادها



من عصبة ضاعت دماء محمد

و بنيه بين يزيدها و زيادها



ضربوا بسيف محمد ابناءه

ضرب الغرائب عدن بعد ذيادها



يا يوم عاشوراء كم لك لوعة

تترقص الاشحاء من ايقادها



ما عدت الا عاد قلبي غلة

حري ولو بالغت في ابرادها





پاورقي

[1] فکرت مليا في صفح الامام، و بقيت الليالي و الايام ابحث عن تفسير ترکن اليه نفسي، فلم اجد وجها الا انه مخلوق مستقل قائم بنفسه، لا يشبه احدا، و لا يشبهه احد من الناس لا في الماضي و لا في الحاضر و المستقبل، فهو بطبعه و مزاجه يصفح عن قاتله و قاتل اولاده دون أي تکلف، کما يصفح عمن يسي‏ء اليه بکلمة صغيرة نابية سواء بسواء، و لا ادل علي ذلک من وصيته بقاتله ابن‏ملجم، و قوله: و ان تعفوا: اقرب الي التقوي.