بازگشت

يوم الطف يوم الفصل


ان يوم الطف يشبه يوم القيامة من جهات:

1- قال الله سبحانه: «و قال الشيطان لما قضي الامر ان الله وعدكم وعد الحق و وعدتكم فاخلفتكم و ما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني و لوموا انفسكم».

وعد الشيطان اتباعه بالفوز و النجاة، و حذرهم الله منه، فعصوا الرحمن، و اتبعوا الشيطان، و لما جاء يوم الفصل انكرهم، و تبرأ منهم، و قال: اني اخاف الله رب العالمين.

و وعد عبيدالله بن زياد عمر بن سعد ولاية الري اذا قاتل الحسين، و كان يتطلع اليها، و يطمع فيها، فقبل وقاد لجيوش، و حذره سيدالشهداء من العاقبة، و قال له: يا ابن سعد أتقاتلني؟! اما تنقي الله الذي اليه معادك؟! فانا ابن من علمت، الا تكون معي، و تدع هؤلاء فانه اقرب الله تعالي؟!

و لما آيس منه الحسين قال: ما لك ذبحك الله علي فراشك عاجلا و لا غفر لك يوم الحشر، فوالله اني لارجو ان لا تأكل من بر العراق الا يسيرا. قال ابن سعد مستهزءا: في الشعير كفاية.

و اخلف ابن زياد بوعده لابن سعد، كما اخلف الشيطان مع اتباعه،


و صدق الحسين، فلم تمض الايام حتي قتل عمر و ابنه حفص علي يد المختار.

2- قال تعالي في صفة اهل النار: «و نحشرهم يوم القيامة علي وجوههم عميا و بكما و صما». و هذه بالذات صفات الذين حاربوا الحسين في كربلاء، فقد وعظهم و حذرهم، و ذكرهم بكتاب الله و آياته، ولكنهم صموا عن النبأ العظيم كما عموا:



و ذكرت ما فجر الصخور فلم يكن

الا قلوبهم هناك صخور



3- قال تعالي: «يوم ندعوا كل اناس بامامهم». ينادي المنادي يوم القيامة: اين أهل الحق الذين اتبعوا المصلحين؟ فتأتي بهم الملائكة يزفون الي الجنة. ثم يقال: هاتوا متبعي رؤوس الضلالة فتسوقهم الزبانية الي جهنم. وقاد ابن سعد اهل الكوفة الي غضب الله و نقمته، وقاد الحسين اصحابه الي رضوان الله و رحمته.

جاء الحديث عن النبي (ص) انه اذا كان يوم القيامة اقول لامتي: كيف خلفتموني في الثقلين؟ فيقولون: اما الاكبر فعصيناه، و اما الاصغر فقتلناه. فأقول: اسلكوا طريق قادتكم، فينصرفون ضما مسودة وجوههم.

4- قال تعالي: «و تنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة و فريق في السعير». و انقسم الناس في كربلاء فريقين: فريقا مع الحسين، و فريقا مع ابن سعد، و برز كل انسان علي حقيقته، و اخذ المكان الذي يستحقه، فلم يختلط الطالح مع الصالحين، و لا الصالح مع المجرمين، تماما كما هو الشأن في يوم القيامة، حيث لا رياء و لا نفاق و مساومات.

و قد اختلط، في بدء الامر و قبل المعركة، الطيب الخبيثين، و الخبيث


بالطيبين، فكان مع ابن سعد الحر الرياحي، و ابوالشعثاء الكندي، و حين جد الجد، و جاء دور الغربلة و التصفية عدلا الي الحسين، و استشهدا بين يديه. و بايع الحسين قوم علي الموت، و كاتبوه، ثم نكثوا، و عادوا الي طبيعتهم. و هكذا لم يبق مع ابن سعد الا من كان علي شاكلته لؤما و خساسة يوردهم النار، و بئس الورد المورود، و لم يبق مع الحسين الا صفوة الصفوة يسير بهم الي الجنة حتي اذا جاؤها قال لهم خزنتها سلام عليكم فنعم عقبي الدار.

و من تتبع سيرة اصحاب الحسين لا يجد لاخلاصهم و عزمهم نظيرا بين الشهداء، و اتباع الانبياء، كما لا يجد شبها لتضحيات الحسين في التاريخ كله. و قد اثني عليهم الشعراء بما هم اهل لاكثر منه. قال الشيخ حسن البحراني يصف ايمانهم و ورعهم:



ان ينطقوا ذكروا او يسكتوا فكروا

او يغضبوا غفروا او يقطعوا وصلوا



او يظلموا صفحوا او يوزنوا رجحوا

او يسألوا سمحوا و يحكموا عدلوا



و قال السيد مهدي الحلي في شجاعتهم:



من تحتهم لو تزول الأرض لا تنصبوا

علي الهوي هضبا ارسي من الهضب



و تكفيهم شهادة الحسين عن كل مدح و ثناء، قال: و الله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم الا الاشوس الاقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بمحالب امه.


روي ان الحسين كان في يوم الطف كما اشتد الامر اشرف وجهه، و هدأت جوارحه، و سكنت نفسه، حتي قال الناس بعضهم لبعض: انظروا لا يبالي بالموت! و كيف يبالي بالموت، و هو ابن القائل: و الله ما يبالي ابن أبي طالب أوقع علي الموت، او وقع الموت عليه. و هكذا كان اصحاب الحسين لا يبالون بالموت، بل يستبشرون به حيث يعلمون انهم علي حق، و غيرهم علي باطل، فهم علي يقين انهم سيقفون بين يدي الله مرفوعي الرؤوس، موفوري الكرامة.

قال برير بن خضير الهمداني لعبد الرحمن الانصاري: ولكني لمستبشر بما نحن لاقون، و الله ما بيننا و بين الحور العين الا ان يميل علينا هؤلاء باسيافهم، و وددت انهم مالوا علينا الساعة.

هذه صورة صادقة ناطقة بحقيقة الاصحاب جميعا، و انهم عند ثقة الأمام و قوله: يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بمحالب امه. لقد رخصت عندهم الارواح، و لم يكترثوا بالمال و العيال، ماداموا مع النبي و آله.

و قال الحر الرياحي: اني اخير نفسي بين الجنة و النار، فوالله لا اختار علي الجنة شيئا، و لو قطعت و حرقت. ايقن الحر ان الجنة مع الحسين، و ان ثمنها القتل، و ان الحياة «قليلا» مع ابن سعد، ثم يعقبها العذاب الدائم، فاختار الموت مع الحق علي الحياة مع الباطل، و كان مثالا صادقا لقول الامام: «لا اري الموت الا سعادة، و الحياة مع الظالمين الا ندما».

و تقدم جون مولي ابي ذر [1] .



يطلب من الامام الاذن بالبراز فقال


له الامام: اذهب لشأنك، انما طلبتنا للعافية فلا تبتل بطريقتنا، فصعق جون من هذا الجواب، و قال: يا ابن رسول الله انا في الرخاء ألحس قصاعكم، و في الشدة اخذلكم! و الله ان ريحي لمنتن، و ان حسبي للايم، و ان لوني لاسود، فتنفس علي بالجنة، فيطيب ريحي، و يشرف حسبي، و يبيض وجهي، لا و الله لا افارقكم حتي يختلط هذا الدم الاسود بدمائكم.

أي و الله ان الجنة في انفاس الحسين، و في التراب الذي اريق عليه دم الحسين، و ان بياض الوجه عند الله في الاستشهاد بين يدي الحسين، و ان الدم الحسيب النسيب هو الذي يختلط بدماء الحسين.

لقد امتاز شهداء اللطف بامور: «منها» ان ضمتهم و الحسين تربة واحدة، و مقام واحد، حتي اصبحت قبورهم مزارا لجميع زوار الحسين. و «منها» انهم ذهبوا الي الله و الرسول في وفد يرئسه الحسين. و «منها» اختلاط دمائهم بدماء الحسين، و ارتفاع رؤوسهم مع رأسه علي الرماح، و وطء اجسامهم مع جسمه.

سل كربلا كم حوت منهم بدور دجي

كأنها فلك للانجم الزهر


و يذكرنا موقف جون في كربلاء بموقف عمرو بن الجموع في احد، كان عمرو من اصحاب الرسول، و كان رجلا اعرج، و له بنون اربعة يشهدون المشهد مع النبي، و يوم احد خرج اولاده مع الرسول، فأراد هو الخروج ايضا فحاول قومه ان يحبسوه، و قالوا له: انت رجل اعرج، و لا حرج عليك، و قد ذهب بنوك مع النبي، و ماذا تبغي بعد هذا؟!

فقال: يذهب اولادي الي الجنة، و اجلس انا عندكم ثم اخذ درقته، و ذهب و هو يقول: اللهم لا تردني الي اهلي، فخرج و لحقه بعض قومه، يكلمونه في القعود، فابي و جاء الي النبي، و قال له: يا رسول الله ان قومي يريدون ان يحبسوني عن هذا المكرمة و الخروج معك، و الله اني ارجو أن اطأ بعرجتي هذه في الجنة.

فقال له: اما انت، فقد عذرك الله، و لا جهاد عليك، فابي فقال النبي لقومه و بنيه: لا عليكم ان تمنعوه، لعل الله يرزقه الشهادة، فخلوا سبيله فاستشهد رضوان الله عليه.



پاورقي

[1] جون عبد اشتراه الامام علي بن ابي‏طالب، و وهبه للصحابي الجليل ابي‏ذر، بعينه علي متاعب الحياة، و بعد وفاة ابي‏ذر انتقل جون الي بيت الامام علي، و بعد وفاة الامام انتقل الي بيت الحسن، و بعده الي بيت الحسين، و حين خرج الي العراق صحبه معه. و هکذا نشأ جون في اطهر البيوت و اقدسها، و کانت له هذه الخاتمة الطيبة. جون عبد رق يباع و يشري کالسلع و الحيوانات، و يزيد عربي قرشي يأمر و ينهي، و تخضع له رقاب المسلمين!... فيا للغبن و سخرية الاوضاع!... و رحم الله اباالعلاء القائل:



اليس قريشکم قتلت حسينا

و صار علي خلافتکم يزيد.