بازگشت

هذا كتاب الله


نكث طلحة و الزبير بيعة الامام علي (ع)، و تحالفا مع عائشة علي حربه، و جمعوا عليه الجموع يوم الجمل، و نكلوا بعامله بن حنيف، و قتلوا كثيرا من الصالحين الآمنين، و حين قابلوه وجها لوجه، و شرعوا عليه السيوف و الرماح دعا اميرالمؤمنين بمصحف، و قال من يأخذه و يدعوهم الي ما فيه، فيحييون ما احياه، و يميتون ما امات. فقام فتي، اسمه مسلم المجاشعي، و قال: يا اميرالمؤمنين انا آخذه و ادعوهم الي ما فيه.

فقال له الامام: انك ان فعلت ذلك لمقتول. فقال الفتي: و الله يا اميرالمؤمنين ما من شي ء احب الي من الشهادة بين يديك، فاخذ المصحف و توجه الي عسكرهم، فنظر اليه اميرالمؤمنين، و قال: ان الفتي ممن حشا الله قلبه نورا و ايمانا، و هو مقتول، و قد اشفقت عليه من ذلك، و لن يفلح القوم بعد قتلهم اياه، فمضي الفتي بالمصحف حتي وقف بازاء عسكر عائشة، و كان له صوت، فنادي: معشر الناس، هذا كتاب الله و ان اميرالمؤمنين علي بن طالب يدعوكم الي الحكم بما انزل الله فيه، فانيبوا الي طاعة الله، و العمل بكتابه، و كانت عائشة و طلحة و الزبير يسمعون فامسكوا عن الجواب، و بادر اصحاب الجمل الي الفتي، و المصحف في يمينه فقطعوا يده اليمني، فتناول المصحف بيده اليسري، و ناداهم باعلي


صوته مثل ندائه الاول، فقطعوا يده اليسري، فاحتضن المحصف، و دماؤه تجري عليه، و ناداهم الي العمل به، فقتلوه، قطعوه اربا اربا، فقال الامام: و الله ما كنت في شك و لا لبس من ضلالة القوم و باطلهم، ولكن احببت ان يتبين لكم ذلك.

احب الامام ان يبين للناس و للاجيال انه و من اتبعه علي حق و هداية، و ان من حاربه و عانده علي باطل و ضلالة، أراد ان يقيم الدليل المحسوس الملموس علي انه امام العدل و الرحمة، و خصومه أئمة الظلم و الجور «ليهلك من هلك عن بينة و يحيا من حيي عن بينة».

و هكذا فعل ولده الحسين يوم الطف، فما ان كانت صبيحة اليوم العاشر من المحرم حتي لبس عمامة جده رسول الله و رداءه، و تقلد سيف جده، و ركب ناقته او فرسه المعروفة، و وضع المصحف امامه، و اتجه الي الذين تجمعوا علي قتله، و شرعوا السيوف و الرماح في وجهه، و رفع يديه الي السماء، و قال علي مسمع من الجميع:

اللهم انت ثقتي في كل كرب، و أنت رجائي في كل شدة، و انت لي في كل امر نزل بي ثقة وعدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد، و تقل فيه الحيلة، و يخذل فيه الصديق، و يشمت فيه العدو انزلته بك، و شكوته اليك رغبة مني اليك عمن سواك، ففرجته عني و كشفته و كفيته؟! فانت ولي كل نعمة و صاحب كل حسنة و منتهي كل رغبة.

و بعد ان ناجي ربه بهذه الدموع الحزينة و القلب النقي التفت الي جموع الضلال، و قال:

اما بعد، فانسبوني و انظروا من أنا، ثم ارجعوا الي انفسكم و عاتبوها، فانظروا هل يصلح لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟! الست ابن بنت نبيكم و ابن وصيه و ابن عمه، و اول المؤمنين المصدق لرسول الله (ص)


بما جاء به من عند ربه؟! او ليس حمزة سيدالشهداء عم ابي؟! او ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي؟! او لم يبلغكم ما قال رسول الله لي و لاخي: و هذان سيدا شباب أهل الجنة؟! فان صداقتموني بما أقول، و هو الحق، و الله ما تعمدت كذبا منذ علمت ان الله يمقت عليه اهله، و ان كذبتموني فان فيكم من ان سألتموه عن ذلك اخبركم، سلوا جابر بن عبدالله الانصاري، و اباسعيد الخدري و سهيل بن سعد الساعدي و زيد ابن ارقم و انس ابن مالك يخبروكم انهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي و لاخي، اما في هذا زاجر لكم عن سفك دمي... و ان كنتم في شك من هذا، افتشكون اني ابن بنت نبيكم، فوالله ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم و لا في غيركم، و يحكم اتطلبوني بقتيل منكم قتلته، او مال استهلكته او بقصاص جراحة؟!..

و لم يرد الحسين بهذه المظاهرة التي اهتزت لها الارض و السماء، و اغضبت الله في عرشه، و ابكت محمدا في قبره ان يستعطف و يسترحم، كلا، انه اجل و أعظم من ان يطلب العطف من اللئام و الطغام، هذا، الي انه اعلم الناس بما هم عليه من القساوة و الفظاظة؛ لقد أراد الحسين أن يثبت للعالم ان لا هدف لاعدائه و خصومه الا التشفي و الانتقام من الاسلام و نبي الاسلام، أراد كما أراد ابوه من قبل ان يبين للاجيال ان الولاء لاهل البيت ولاء لله و للرسول، و ان حربهم حرب لله و للرسول.

و قد أدرك شيعة أهل البيت هذا الحقيقة، فاتخذوها شعارا لهم و لعقيدتهم. أعلنوها في كل موطن و موقف تقربا الي الله و رسوله و عترته الاطهار.