بازگشت

حب الله و الرسول


قال تعالي: «قل ان كان آباؤكم و ابناؤكم و اخوانكم و ازواجكم و عشيرتكم و أموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها احب اليكم من الله و رسوله و جهاد في سبيله فتربصوا حتي يأتي الله بأمره و الله لا يهدي القوم الفاسقين - التوبة 23 «.

ان هذه الآية الكريمة نص صريح في صفات عمر بن سعد، حتي كأنها نزلت فيه بالذات. فلقد دعاه الحسين الي ان يكون معه، و يدع ابن زياد، فقال ابن سعد: اخاف ان تهدم داري. و هذا مصداق قوله تعالي: «و مساكن ترضونها»:

قال الحسين: انا ابنيها لك.

قال ابن سعد: أخاف ان تؤخذ ضيعتي. و هذا ما دل عليه قوله سبحانه: «و أموال اقترفتموها».

قال الحسين: انا اخلف عليك خيرا منها.

قال ابن سعد: ان لي بالكوفة عيالا اخاف عليهم ابن زياد. و هذا ما اشار اليه قوله عزوجل: «و ابناؤكم و أزواجكم و عشيرتكم».

هذا هو مبدأ ابن سعد الذي عليه يموت و يحيا: ضيعته و داره و أهله و عشيرته، اما الدين و الضمير، اما الله و رسوله فالفاظ يجترها مادامت


تحفظ له الضيعة و الدار، و الابناء و الاقارب. حارب ابن سعد حسينا بدافع المنفعة الشخصية و حب الدنيا، و كل من آثر المال و الأهل علي طاعة الله و الرسول فانه علي مبدأ ابن سعد و دينه، و ان بكي علي الحسين حتي ابيضت عيناه، و لعن ابن سعد في اليوم الف مرة، مادام لا يفعل الا بنفس الباعث الذي بعث ابن سعد علي قتل الحسين.

قال النبي (ص): و الذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتي اكون احب اليه من نفسه و ابويه و أهله و ولده و الناس اجمعين. و اذا عطفنا هذا الحديث الشريف علي الحديث الذي رواه السنة و الشيعة: «حسين مني، و أنا من حسين» تكون النتيجة الطبيعية ان العبد لا يؤمن حتي يكون الحسين احب اليه من نفسه و ابويه و أهله و ولده و الناس اجمعين.

و قد وجد بين المسلمين من الرجال و النساء من احب النبي (ص) هذا الحب، و فدوه بالارواح و الاولاد، فلقد فر الناس عنه يوم أحد، و ثبت معه الامام علي (ع) و ابودجانة و سهل بن حنيف و عاصم بن ثابت و نسيبة بنت كعب المازنية، و كانوا يتلقون الضرب و الطعن عن الرسول، و كانت نسيبة تخرج معه في غزواته تداوي الجرحي، و كان ابنها مع من كان في احد فأراد ان ينهزم و يتراجع، فقالت له: يا بني اين تفر عن الله و الرسول؟! فردته و حمل عليه رجل فقتله، فأخذت سيفه، و قتلت به قاتله، فقال لها النبي (ص): بارك الله فيك يا نسيبة، و كانت تقي الرسول بصدرها و ثدييها حتي اصابتها جراحات كثيرة.

و تجمع الناس مع الحسين، و هو سائر في طريقه الي العراق. و لما جد الجد تفرقوا عنه، كما تفرقوا عن جده من قبل، و لم يبق معه الا صفوة الصفوة من الذين احبوا الله و الرسول و آله، و آثروا الموت من اجلهم علي الاهل و المال، قال عباس بن ابي شبيب:


يا اباعبدالله، أما و الله ما امسي علي وجه الارض قريب و لا بعيد اعز علي، و لا احب الي منك، و لو قدرت علي ان ادفع عنك الضيم و القتل بشي ء اعز علي من نفسي لفعلت. السلام عليك يا اباعبدالله، اشهد اني علي هديك و هدي ابيك، ثم مشي بالسيف الي المعركة.

فرآه رجل من جيش ابن سعد، و كان قد شاهده في المغازي و الحروب، فنادي بأصحابه: ايها الناس هذا اسد الاسود، هذا ابن شبيب فلا يبرز اليه احد، فأخذ شبيب ينادي الا رجل الا رجل، فتحاماه العسكر، فنادي ابن سعد ارضخوه بالحجارة، فرموه بها من كل جانب، فالقي درعه و مغفره، و شد عليهم، فكان يطرد أمامه اكثر من مئتين.

و ما اشبه موقف ام وهب في كربلاء بموقف نسيبة في احد، قالت لابنها وهب: قم يا بني و انصر ابن بنت رسول الله. قال: افعل يا أماه، و لا اقصر. و حمل علي جيش الاعداء، حتي قتل منهم جماعة، فرجع الي أمه و امرأته، و قال: يا أماه أرضيت؟ فقالت: كلا، لا ان تقتل بين يدي الحسين. فقالت له امرأته: بالله عليك لا تفجعني في نفسك. فقالت أمه: لا تقبل منها، ارجع و قاتل، فيكون رسول الله شفيعا لك يوم القيامة، فرجع، و هو يقول:



اني زعيم لك ام وهب

بالطعن فيهم تارة و الضرب



حسبي الهي من عليم حسبي

و لم يزل قتل تسعة عشر فارسا، و اثني عشر رجلا، ثم قطعت يداه، فاخذت أمه عمودا، و اقبلت نحوه، و هي تقول: فداك أبي و أمي قاتل دون الطيبين حرم الرسول، و أراد ان يردها الي النساء، فأخذت بجانب ثوبه، و قالت: لن أعود حتي اموت معك. فقال لها الحسين:




ارجعي، جزيتم من أهل بيت خيرا، فرجعت.

و قاتل وهب حتي قتل، فذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه، فبصر بها شمر، فأمر غلاما له، فضربها بعمود كان معه علي رأسها، فشجها و قتلها، و هي أول امرأة قتلت في عسكر الحسين (ع).

و كان غلام مع أمه في كربلاء قتل أبوه في المعركة، فقالت له أمه: اخرج يا بني و قاتل بين يدي الحسين، فخرج، و لما رآه الحسين، قال: هذا شاب قتل أبوه، و لعل أمه تكره خروجه. فقال الغلام: امي امرتني بذلك فبرز و هو يقول:



اميري حسين و نعم الامير

سرور فواد البشير النذير



علي و فاطمة والداه

فهل تعلمون له من نظير



و قاتل حتي قتل. فأخذت أمه رأسه، و قالت: أحسنت يا بني، يا سرور قلبي، و يا قرة عيني.

أرأيت الي هذه!.. أم لا ترضي عن ولدها، و أعز من كبدها الا ان تراه مضرجا بدمائه جثة بلا رأس!... و لا عجب انه حب لله و رسوله و عترته، و ليس كمثل الله و رسوله و عترته شي ء، فكذلك حبهم عند المؤمنين حقا لا يعادله شي ء، حتي الارواح و الابناء.

بهذا الحب، بهذا الاخلاص لاهل البيت، بهذه التضحية، بهذه الروح وحدها يستعد المؤمنون الخلص لما بعد الموت، بهذا الزهد في العاجل يقفون غدا مرفوعي الرؤوس أمام جبار السموات و الارض.

لقد ترك أصحاب الحسين الدنيا و ما فيها لله و في الله، وضحوا بالارواح و الازواج و الابناء و الاموال في حب الحسين، و مودة القربي،


و اعلاء كلمة الحق، فكانوا مع الحسين وجده في الآخرة، كما كانوا معه في الدنيا، و حسن اولئك رفيقا. قال الامام الباقر (ع): اذا أردت ان تعلم ان فيك خيرا فانظر الي قلبك، فان كان يحب أهل طاعة الله عزوجل، و يبغض أهل معصية فان فيك خيرا، و ان كان يحب أهل معصية الله و يبغض أهل طاعته فليس فيك خير، و الله يبغضك و المرء مع من احب.



عجبا لقلبي و هو يألف حبكم

لم لا يذوب بحرقة الارزاء



و عجبت من عيني و قد نظرت الي

ماء الفرات فلم تسل في الماء