بازگشت

ما هذا البكاء


لك عندي ما عشيت يا ابن رسول

الله حزن يفي بحق ودادي



ناظر بالدموع غير بخيل

وحشي بالسلو غير جواد



هذا هو شعار الشيعة: قلب حزين، و طرف دامع علي مصاب اهل البيت (ع).

و قال قائل: الا يجد الشيعة سبيلا يعبرون به عن ولائهم لاهل البيت غير البكاء و الدموع؟!.

قلت: أجل: نعبر ايضا عن ولائنا لهم بالصلوات الي مقاماتهم المقدسة، و التبرك باضرحتهم، و بشد الرحال الي مقاماتهم المقدسة، و التبرك باضرحتهم الشريفة.

قال: تعيشون في عسر الذرة و الكواكب، ثم تبكون علي من مات من مئات السنين، و تشدون الرحال الي الاحجار و الصخور؟!.

قلت: اما البكاء علي الحسين (ع) فليس بكاء علي من فات، كما يفهمه الجاهلون، و لا هو بكاء الذل و الانكسار، و انما هو احتجاج صارخ علي الباطل و أهله، انه صواعق تنهال علي رؤوس الطغاة الظالمين في كل زمان و مكان، انه تعبير صادق عن الاخلاص للحق، و النقمة علي الجور،


انه تعظيم للتضحية و الفداء، و الحق قو و الواجب، و الشجاعة علي الموت. و اكبار للانفة من الضيم، و الصبر في المحنة و الشدائد. ان الذين ينشدون في محافل التعزية:



لا تطهر الارض من رجس العدي أبدا

ما لم يسل فوقها سيل الدم العرم



لا يبكون بكاء الذل و الضعف، بل ينظمون نشيد الحماسة من دموعهم، و يرددون هتاف الحق و العدل من الحسرات و الزفرات.

اما زيارات الاماكن المقدسة، اما الصخور و الاحجار فليست الهدف و الغاية، و لو كانت هي القصد لكان في هذه الجبال الشامخات غني عن مشقة السفر و الترحال، ان المقصود بالذات هو صاحب المقام، اما الاحجار فلها شرف الانتساب، تماما كالاحجار التي بني منها البيت الحرام، و مسجد الرسول و سائر المعابد، و كجلد القرآن الكريم [1] و قد رأينا كيف تحتفظ الشعوب و الدول ببيوت الادباء الكبار، كشكسبير، و لا مرتين، و هو غو و غيرهم، و تحيطها بهالة من التقديس و التعظيم، ولو عرض للبيع ساعة او حذاء او أي شي ء ينسب لعظيم قديم لبذل في سبيله أغلي الاثمان، و ما ذاك الا لشرف الانتساب.

جاء في التاريخ انه حين أتي برأس الحسين الي يزيد كان يتخذ مجالس الشرب، و الرأس الشريف بين يديه، فصادف ان دخل عليه رسول ملك الروم، و هو علي هذه الحال، فانكر عليه اشد الانكار بعد ان علم


ان الرأس هو رأس الحسين، و قال له فيما قال: هل سمعت يا يزيد حديث كنيسة الحافر؟ قال: و ما هي؟ قال الرومي: عندنا مكان يقال بان حمار عيسي (ع) مر به، فبنينا فيه كنيسة الحافر نسبة الي حافر حمار عيسي، و نحن نحج الي المكان في كل عام، و من كل قطر، و نهدي اليه النذور، و نعظمه كما تعظمون كتبكم، فاشهد انك علي باطل، فأمر يزيد بقتل الرسول، فقام الرومي الي الرأس فقبله و تشهد الشهادتين، ثم اخذ، و صلب علي باب القصر!..

و قال الاستاذ العقاد في كتاب «ابوالشهداء» تحت عنوان الحرم المقدس: «عرفت قديما باسم كور بابل ثم صحفت الي كربلاء، فجعلها التصحيف عرضة لتصحيف آخر يجمع بين الكرب و البلاء، كما وسمها بعض الشعراء.

و لم يكن لها ما تذكر به في اقرب جيرة لها فضلا عن ارجاء الدنيا البعيدة منها... فليس لها من موقعها، و لا من تربتها، و لا من حوادثها ما يغري احدا برؤيتها، ثم يثبت في ذاكرة من يراها ساعة يرحل عنها.

فعلل الزمن كان خليقا ان يعبر بها سنة بعد سنة، و عصرا بعد عصر دون ان يسمع لها اسم، او يحس لها بوجود.. و شاءت مصادفة من المصادفات أن يساق اليها ركب الحسين بعد ان حيل بينه و بين كل وجهة اخري، فاقترن تاريخها منذ ذلك اليوم بتاريخ الاسلام كله. و من حقه أن يقترن بتاريخ بني الانسان حيثما عرفت لهذا الانسان فضيلة تستحق بها التنويه و التخليد.

فهي اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة و الذكري، و يزوره غير المسلمين للنظر و المشاهدة، ولكنها لو اعطيت حقها من التنويه و التخليد، لحق لها ان تصبح مزارا لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيبا من القداسة،


و حظا من الفضيلة، لاننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الارض يقترن اسمها بجملة من الفضائل و المناقب اسمي و الزم لنوع الانسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء بعد مصرع الحسين فيها.»

هذه شهادة حق من خبير منصف، لقد اقترن تاريخ كربلاء بتاريخ الاسلام كله، فما من كتاب في تاريخ العرب و المسلمين الا و لكربلاء منه الحظ الاوفر، كما ظهر اثرها في كتب الغرب، و دواوين الشعراء، و ما ذكرت علي لسان، او في كتاب الا بالاكبار و التعظيم، و لولا الحسين لم تكن شيئا مذكورا:



ما روضة الا تمنت انها

لك مضجع و لخط قبرك موضع





پاورقي

[1] حکم الفقهاء بتحريم تنجيس المساجد ارضها و حيطانها و حصيرها و فرشها، و اوجبوا ازالة النجاسة، و قالوا بتحريم مس کتابة القرآن الکريم الا مع الوضوء، و قال الشافعية: لا يجوز مس جلده ايضا، حتي ولو انفصل عنه، و لا مس علاقته مادام القرآن معلقا بها.