بازگشت

روح النبي و الوصي


قال عبدالله بن عمار، و قد شهد معركة الطف: ما رأيت مكثورا قط، قتل ولده و أهل بيته و اصحابه اربط جأشا من الحسين، و ان كانت الرجال لتشد عليه، فيشد عليها بسيفه، فتنكشف عنه انكشاف المعزي اذا شد فيها الذئب، و كان يحمل فيهم، و قد تكاملوا ثلاثين الفا، فينهزمون بين يديه، كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع الي مركزه، و هو يقول: لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.

لقد دهش هذا الراوي من شجاعة الحسين، و مضي عزمه، و ذهل، و هو ينظر اليه، و قد شد علي ثلاثين الفا فتنكشف عنه انكشاف المعزي اذا شد عليها الليث، لقد دهش و ذهل، و ما دري انه ابن علي القائل: و الله لو اجتمع علي أهل الارض لما وليت مدبرا، و تعجب الراوي من صبر الحسين و ايمانه، و نسي انه ابن من خاطب الله بقوله: اللهم انك تعلم لو اني اعلم ان رضاك في ان اضع ظبة سيفي في بطني، ثم انحني عليه حتي يخرج من ظهري لفعلت.

ان اهل البيت لا يقيمون و زنا لشي ء في هذه الحياة، و لا يكترثون، و لو ملئت الارض عليهم خيلا و رجالا و يصبرون علي التضحية بالنفس و النساء و الاطفال و يطيقون كل حمل الا سخط الله و غضبه، فانهم يفرون منه، و يعجزون عنه، و لا يستطيعون الصبر علي اليسير منه، مهما تكن الظروف.


و هنا تبرز خصائص الامامة و العصمة [1] و نجد السر الذي يميز اهل البيت عن غيرهم من الناس الذين يصعب عليهم كل شي ء الا معصية الله، فانها اهون عندهم من التنفس و شرب الماء، ان الحسين بشر يأكل الطعام، و يمشي في الاسواق،ولكنه يحلم صفة تجعله فوق الناس اجمعين، و قد أشار النبي (ص) الي هذه الصفة بقوله: «حسين مني، و انا من حسين» و محمد من نور الله، فالحسين، اذن من نور الله، و قد علق الاستاذ العلايلي علي هذا الحديث بانه يفيد الامتزاج و الاتحاد. [2] .

قال الاستاذ العقاد في كتاب «ابوالشهداء»:

«ظل الحسين علي حضور ذهنه، و ثبات جأشه في تلك المحنة المتراكمة التي تعصف بالصبر، و تطيش بالالباب... و هو جهد عظيم لا تحتويه طاقة اللحم و الدم. فانه رضي الله عنه كان يقاسي جهد العطش و الجوع و السهر، و نزف الجراح و متابعة القتال، و يلقي باله الي حركات القوم و مكائدهم، و يدبر لرهطه ما يحبطون به تلك الحركات، و يتقون به تلك المكائد، ثم يحمل بلاءه و بلاءهم. و يتكاثر عليه وقر الاسي لحظة بعد لحظة، كلما فجع بشهيد من شهدائهم. و لا يزال كلما اصيب عزيز حمله الي جانب اخوانه، و فيهم رمق ينازعهم و ينازعونه، و ينسون في حشرجة الصدور ما فيهم... فيطلبون الماء، و يحز طلبهم في قلبه كلما اعياه الجواب، و يرجع الي ذخيرة بأسه، فيستمد من هذا الالام الكاوية عزما يناهض به


الموت، و يعرض به عن الحياة.. و يقول في اثر كل صريع: لا خير في العيش بعدك».

لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.

يمس احدنا الخطب مسا خفيفا فيملأ الدنيا صراخا و عويلا، و يتمحنه الله بنقص من المال او الاهل، فيخرج من عقله و دينه، و يجرأ علي خالقه بالفاظ تصم منها المسامع، و تخرس لها الالسن. و تنهال السهام و السيوف و الرماح علي الحسين، و يتفجر جسده الشريف بالدماء، و يتساقط القتلي من اولاده و اصحابه بالعشرات، و هو ينظر اليهم، ثم لا يزيد علي قول: لا حول و الا قوة الا بالله! أجل، لقد قال حين سقط علي الارض مخاطبا ربه، و هو يسلمه النفس الاخير:

«اللهم انك قريب اذا دعيت، محيط بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب اليك، قادر علي ما أردت... ادعوك محتاجا، و أرغب اليك فقيرا، و أفزع اليك خائفا».

انت خائف من ربك يا اباعبدالله، و غيرك في امان من عقابه!. و من اي شي ء تخاف! من ظلمك و طغيانك... و ما ظلم احد في الكون كما ظلمت... او من تهاونك بأمر الله، و كنت تصلي له في اليوم و الليلة الف ركعة.! او من سكوتك عن حكام الجور، و ترك الامر بالمعروف. و ما ضحي احد في هذه السبيل كما ضحيت... او تخشي جبنك و خورك، و قد لاقيت ثلاثين الفا بصدرك و قلبك، و كنت عنوانا لصبر الانبياء، و مثال الشجاعة و الاباء لكل جيل كان و يكون!...

اذا ماذا أراد الحسين بقوله: «و افزع اليك خائفا». انه أراد ان يقول لله سبحانه: علي الرغم من كل ما حل بي يا الهي فأنا طيب النفس، صابر علي امتحانك و بلائك، راض بحكمك و قضائك، و ما أنا بمتألم


و لا متبرم، لانه لا مطمح لي الا رضاك، فان تألمت و خفت من شي ء فانما أخاف ان تمنعني حبك و قربك.

و هنا يقف العقل حائرا و متسائلا: هل في الكون اعظم و اكبر منزلة عند الله من الحسين؟؟ هل ضحي احد في سبيل الله و الحق كما ضحي الحسين و هل وجد من هو في عمقه و رحابته؟! و لو ابتلي احد بما ابتلي به الحسين لوجدنا وجها للموازنة والمقارنة. لقد سمعنا بمن ضحي بنفسه، او بماله، او باولاده، اما من ضحي بكل هذه مجتمعة، اما من ذبح أطفاله الصغار و الكبار، و قتل جميع اهل بيته و اصحابه، و سبيت نساؤه، و احرقت دياره، و نهبت امواله، و رفع رأسه علي الرمح، و وطأت الخيل صدره و ظهره، اما كل هذه مجتمعة فلم تكن لاحد غير الحسين، و لن تكون أبدا! و بالتالي، فاننا نتساءل: هل في الكون اعظم من الحسين؟ و نحن نؤمن بانه الصورة الكاملة لعظمة جده محمد، و ابيه علي.



پاورقي

[1] استدل علماء الشيعة علي عصمة الامام بأن الغاية من وجوده ارشاد الناس الي الحق، و ردعهم عن الباطل، فلو اخطأ او عصي لکان کمن يزيل القذارة بمثلها، و لا فتقر الامام الي آخر، و يتسلسل، و هذا دليل نظري، اما الدليل العملي الملموس علي عصمة علي و اولاده الائمة فسيرتهم و تضحياتهم في سبيل الحق و العدالة، و کفي بموقف الحسين دليلا قاطعا و برهانا ساطعا علي عصمته.

[2] سمو المعني في سمو الذات ص 78 طبعة 1939.