بازگشت

مقدمة


ابتدي ء بسم الله و بحمده، و اصلي علي النبي و آله، و السلام علي سبطه الشهيد ابي عبدالله الحسين امام الهدي و العروة الوثقي.

و بعد، فقد اعتاد الباحثون ان ينظروا الي يوم الحسين (ع) علي انه امتداد للصراع بين هاشم و امية، و انه نتيجة لحوادث متتابعة، منها محاربة ابي سفيان جد يزيد للرسول (ص) جد الحسين و منها محاربة معاوية ابي يزيد للامام علي (ع) ابي الحسين، و منها وقوف الحسين حائلا بين يزيد و زينب زوجة عبدالله بن سلام، الي غير ذلك.

و سواء اكان يوم الحسين من ثمرات التخاصم بين الآباء و الأجداد، ام بين الأولاد و الاحفاد فان الأمام الصادق (ع) قد اوضح سبب هذا العداء بقوله: «نحن و آل ابي سفيان تعادينا في الله، قلنا صدق الله، و قالوا: كذب الله».

و هذه الصفحات تقدم الأرقام علي هذه الحقيقة، و ان العداء بينهما انما هو عداء بين الكفر الذي يتمثل في الأمويين، و بين الايمان الذي يتجسم في اهل البيت (ع)، و ذكرت مع كل رقم جملة تناسبه مما حدث يوم الطف، عسي ان يتلو الموالون لاهل البيت بعض صفحات الكتاب في المجالس الحسينية، لأشارك في الثواب و الحسنات من أحيا أمرهم و عظم شعائرهم، قال الأمام زين العابدين (ع):


«اللهم صل علي محمد و آل محمد، و اشغل قلوبنا بذكرك»

«عن كل ذكر، و السنتنا بشكرك عن كل شكر، و جوارحنا»

«بطاعتك عن كل طاعة، فان قدرت لنا فراغا من شغل»

«فاجعله فراغ سلامة لا تدركنا فيه تبعة، و لا تلحقنا فيه»

«سآمة حتي ينصرف عنا كتاب السيئات بصحيفة خالية»

«من ذكر سيئاتنا، و يتولي كتاب الحسنات عنا مسرورين»

«بما كتبوا من حسناتنا...........»

لا شي ء اسوأ اثرا، و اكثر ضررا من الفراغ، هذا فقير عاطل عن العمل لا يجد وسيلة تدر عليه ثمن الرغيف، فيجرم، و يحتال بكل طريقة للحصول علي العيش، و ذاك غني كسول يقتل وقته و نفسه بادمان الشراب، و الافراط في انواع الملذات، و ثالث يقبض راتبا، او يملك عقارا، او يجد كفيلا يؤمن له الحياة، و يتسع وقته لاكثر من الأكل و النوم، و لا شي ء يؤهله لغير الأكل و النوم، فيملأ فراغه بالقال و القيل، و الاشتغال بهذا طويل، و ذاك قصير..

و اذا عرفنا ما في الفراغ من مفاسد عرفنا السر في قول الامام زين العابدين: «فان قدرت لنا فراغا من شغل فاجعله فراغ سلامة لا تدركنا فيه تبعة، و لا تلحقنا فيه سآمة، حتي ينصرف عنا كتاب السيئات بصحيفة خالية من سيئاتنا، و يتولي كتاب الحسنات عنا مسرورين بما كتبوا من حسناتنا». خاف الأمام من الفراغ، لأنه يؤدي بصاحبه الي المحرمات و الموبقات، فسأل الله ان قدر له شيئا منه ان يجعله فراغ سلامة لا فراغ تهلكة. فراغ المؤمن الذي يشغل قلبه و لسانه بذكر الله عن عيوب الناس، و عن كل ذكر، و جوارحه بطاعة الرحمن عن طاعة الشيطان.

ان المجرم لا يشعر باللذة في ذكر الله و مرضاته، بل لا شي ء أثقل


عليه من ذلك، تماما كالمريض الذي يجد العسل مر المذاق، و من استحوذ عليه الشيطان لا يطمئن قلبه الي ذكر الله و شكره، و لا تسكن نفسه الا الي الحرام و المنكرات، ولا يرتاح ضميره الا بعيوب الناس و اكل لحومهم...

ان الحصول علي مرضاة الله سهل يسير، و السبيل الي طاعته يجدها الغني و الفقير، و القوي و الضعيف، لانها ليست سلعة تحتاج الي مال، و لا عملا شاقا يفتقر الي قوة، انها طهارة النفس، و تنزيه اللسان عن الغيبة و الكذب، انه الشغل بذكر الله عن كل ذكر، و بشكره عن كل شكر، فمن حمدالله مخلصا فهو مطيع، و من قال حقا فله الأجر و الثواب، و من اثني علي الصالحين، و احب عملهم كان معهم، و اي شي ء ايسر من الكلام، و تحريك اللسان؟!...

أجل، لا شي ء اسهل عليك من ان ترضي الرقيب الذي عناه الله بوقله: «ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد» ترضية بترك الاساءة الي خلقه، و بكلمة طيبة يسجلها لك كتاب الحسنات، و يدخرونها ليوم ينادي فيه الناس: «ماذا اجبتم المرسلين»

ان تعاليم اهل البيت لا تنحصر بعلم دون علم، و فضائلهم لا تختص بالكمال في جهة دون جهة، و مبادئهم ليس لزمان دون زمان،انهم كالقرآن الناطق الذي فيه تبيان كل شي ء، فالمجال، اذن، يتسع للعارف الذي قدر له شي ء من فراغ ان يملأه بنشر فضائلهم، و بث تعاليمهم، و احياء ما تركوه للانسانية من تراث. فهذه المجلدات، و في فقهم و مناقبهم و اخلاقهم و أحاديثهم و مناجاتهم، لا يبلغها الاحصاء، و هي ميسورة لكل طالب، فبدلا من ان يقتل الوقت بكلام لا طائل تحته يستطيع ان يحدث او يكتب في جهادهم و نصرتهم للحق و اهله، و في فلسفتهم في الحياة، و فقههم و اخلاقهم، و ان يفكر و يطيل التفكير في ادعيتهم و كلامهم الذي كانوا يناجون به خالق


الكائنات. يستطيع ان يقتبس ما شاء، و متي شاء من أنوارهم التي لا تبلغ الي نهاية، و لا تحد بلفظ.

و أي شي ء افضل من الحديث عن العترة الطاهرة و مناقبهم؟! و أي علم اجدي و انفع من علومهم و مواعظهم؟! انها تذكر الله، و تبعث علي طاعته، و البعد عن معصيته، انها كالغيث تحيي النفوس بعد موتها، و تجعلها مع الخالدين و الأنبياء و الصالحين، و بمقدار ما يبلغ الانسان من علوم أهل البيت يبلغ حده من العظمة و الخلود.

ان عظمة الكليني و الطوسي و المفيد و الحلي و المجلسي و الشهيد و الأنصاري و غيرهم و غيرهم، لا مصدر لها الا علوم أهل البيت، و الا لأنهم عرفوا شيئا من آثارهم، لقد وجد في كل عصر اقطاب من الشيعة تنحني الرؤوس اجلالا لقدرهم مقامهم، و يرتبط تاريخ العلوم بتاريخهم، و لا سر الا مدرسة أهل البيت و هدايتهم و حكمتهم و لولاها لم يكونوا شيئا مذكورا.

و بالتالي، فان تاريخ الامامية في عقيدتهم و فقههم و ادبهم هو تاريخ الولاء لاهل البيت، و هذه كتبهم و مؤلفاتهم تزخر باقوال الرسول و مناقب الأئمة الاطهار من ابنائه، و ان في هذه الصفحات ذكرا لآل الرسول الأعظم (ص)، و قد شغلت أمدا من عمري، و لا أعرفها باكثر من ذلك. و الحمدلله الذي هدانا لولايتهم، و ما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله.