بازگشت

المقدمة


أهزوجة حب لقمر كربلاء

ما سر هذا الألق الروحي الجاذب للنفوس النزّاعة لقدسية كربلاء... وكيف نفهم ما تعنيه ثورة سيّد الشهداء إذا لم نكن حسينيين قلباً قالباً..؟!

ومن رحاب حبّ الشهيد الحسين (عليه السلام) تطلّ المحبّة الفوّاحة ناشرة ضياءها بين السطور، ساطعة أنوارها خلف الكلمات، توحي لمسطرها روعة ما قام به سبط النبي، وتصوّر لسريرته النقية هلع السرائر والحنايا من هول الفاجعة.

ملحمة إنسانية روحانية لم يشهد لها التاريخ شبيهاً رقت درجات فوق مستوي الملحمة؛ لأنّها استمدت عزمها من عزمة عترة النبي وآل بيته الأخيار، فكانت هزَّة مهَّدت لثورة روحيّة تذكِّر المسلمين خاصّة والمؤمنين عامّة،بمعني أنه ينتصب المؤمن كالطود الصلب في وجه المتاجرين بالدين وموقظي الفتنة لأغراض دنيويّة ليست بذات قيمة حيال استمرارية صفاء الشريعة والسنّة قرناً بعد قرن مجللة بالغار وهادية بالحقّ؛ لأنّ خير الأمم أُمّة هُدِيتْ إلي الحقّ فهدت به... والتزمته بالعدل [1] .

ومن هذا الفهم لأهمّيّة هداية الحقّ ننظر إلي اجتهاد الشيخ كمال معاش في كتابه (الحسين ريحانة النبي) حيث قدّم إضافة متواضعة لخدمة أهداف كربلاء ليكون من الحائزين لنعمة المنافحة عن هيوليّة حركته العظيمة التي وزّعت سناها علي توالي القرون كما توزّع بلّورة صافية ضوء الشمس المنعكس عليها، فتتداعي إليها القلوب، وتشخص ناحيتها الأبصار... تيمناً بقول الرسول (صلي الله عليه آله): (إنّما مثلُ أهلِ بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها هلك - أو غرق -) [2] .

والمقصود في هذا القول الكريم ليس من ركبها ركوباً مادّياً في حينها أو تخلّف عنها في ساعتها، بل يشمل هذا المغزي كافّة الأجيال التالية التي تستلهم سيرة أهل البيت، وتسير علي هديها، فتكون كمن تركب سفينتها لتنجو في أي وقت صحت عزيمتها، ومن ينافح عن مصداقيّة حركة الحسين بقلمه وفكره ووجدانه بعد أربعة عشر قرناً من حدوث الملحمة يكون كمن شارك فيها حقاً، باسترجاعه لمبادئها ورفضه لمنطق الهدم، وبذلك يكون بمقياس المعني النبوي المقصود مشاركاً، كالقاسم وأخيه العباس وأخوته وآل عقيل وعابس والحجاج وسويد وبرير والحر وكل الذين جاهدوا جهاداً مادّياً إلي جانب الحسين، وسقوا غرسه الشهادة في صحراء كربلاء بدمائهم الزكية، وقد أخرج ابن ماجة وأبو يعلي عن الحسين (عليه السلام) قوله: سمعت رسول الله (صلي الله عليه آله) يقول: ما من مسلم تصيبه مصيبة وإن قدم عهدها فيحدث لها استرجاعاً إلاّ أعطاه الله ثواب ذلك).

والمؤلف الشيخ كمال يهدي سطوره المتواضعة إلي من تربته جعلت للشفاء، إلي من نظر إليه الرسول (صلي الله عليه آله) ففاضت عيناه بالدموع، ويؤكّد في مقدّمته حقيقة خالدة بقوله: إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن رجل حرب أو مجرّد بطل مواقف وميادين فحسب، بل نتج عن نهضته الرائدة مسيرة عباديّة جهادية سياسيّة تظللت في ظل مبادئ مقدسة مستوحاة من روح نصوص الشريعة الإلهية، وهذا القول يتّفق مع ما أوردته في كتابي (الحسين في الفكر المسيحي) [3] ، من أن واقعة كربلاء لم تكن موقعة عسكرية انتهت بانتصار وانكسار، بل كانت رمزاً لموقف أسمي لا دخل له بالصراع بين القوّة والضعف، بين العضلات والرماح بقدر ما كانت صراعاً بين الشكّ والإيمان، بين الحقّ والظلم.

يقول الحسين (عليه السلام): (إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي.. أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر). وفي هذا الإعلان انسجام الإنسان مع الحقّ، وقد آثر الحسين صلاح أُمّة جدّه الإنسانيّة الهاديّة بالحق، العادلة به علي حياته، فكان في عاشوراء رمزاً لضمير الأديان علي مرّ العصور، فاستشهاده وسيرته عنوان صريح لقيمة الثبات علي المبدأ ولعظمة المثالية في أخذ العقيدة وتمثلها.

فالشكر كل الشكر للشيخ كمال معاش علي مسعاه، (وقُل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلي عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) [4] .

انطون بارا

الكويت 27 / 7 / 2001 م


پاورقي

[1] لاحظ نصوص الآيات الواضحة لقوله تعالي: (وممن خَلقْنا أُمةٌ يهدون بالحق وبه يعدلون). سورة الأعراف: الآية 181.

[2] کنزل العمال: ج 12 ص 98 ح 34169، مقتل الحسين للخوارزمي: ج 1 ص 104.

[3] الحسين في الفکر المسيحي: ص 173 وما بعدها.

[4] سورة التوبة: الآية 105.