بازگشت

خاتمه


ربما يظهر من بعض فقرات الزيارة الواردة عن الناحية المقدسة عن مولانا الحجة عجل الله فرجه، التي يخاطب بها جده الحسين صوات الله عليه ما يدل علي الجواز بل الرجحان المفرط من نحو الجزع والندبة والصياح والنياح في مصابه (ع) الموجبة لتشوبه العين ونحوها من الاعضاء مما عساه يدخل في عنوان الضرر المسقط للتكاليف الموجبة له فان منها قوله عليه الصلاة والسلام (ولاندبنك صباحاً ومساءاً ولابكين عليك بدل الدموع دما).

ومن المعلوم أن تبدل الدمعة بالدم لا يمكن عادة الا بعد عروض آفة من جرح ونحوه [1] في العين من شدة البكاء والجزع الموجبين


لذلك تعبيره عليه الصلاة والسلام عنهما بنحو التأكيد البليغ الصريح في دوام ذلك منه عجل الله فرجه في مصاب جده المظلوم أرواحنا له الفداء يدل دلالة واضحة علي أنه صلوات الله عليه يحق لذلك ولأمثاله مما يدخل في عنوان الحزن في مصابه صواتالله عليه فضلا عن غيره مما هو دونه مع صدق العنوان المطلوب عليه في العرف والعادة الذي منه لبس السواد في مصابه.

فانه أولي بالرجحان مما هو أعظم منه الذي قد عرفت أنه مما عساه يدخل في عنوان الضرر الممنوع عنه شرعاً ولا الرخصة من مولانا الحجة عجل الله فرجه [2] بمقتضي ظاهر سياق عبارته المقرونة بالتأكيد


البليغ الذي هو قرينة واضحة علي أنه المطلوب في هذا المصاب العظيم


فيكون لاجله مستثناً ممادل علي منعه من حيث دخوله في عنوان الضرر علي النفس ولو في الجملة.

واحتمال كون المراد من الفقرة المشار اليها غير ظاهرها كالاغراق ونحوه لا يتأتي ولا يتصور علي مذهبنا معشر الامامية [3]

والحمل علي نوع من المجاز بارادة أنه لو يبست دموع العين مثلا لكان ينبغي أن يبكي له عليه السلام بدل الدموع دماً مناف للسياق مع انه لا داعي الي ارتكابه فلتحمل علي حقيقتها المتبادر منها فيدل علي استثناء لبس السواد في مصابه للتحزن عليه عليه السلام به من أدلة كراهته بطريق أولي ان قلنا بشمول أدلتها لمثله ودخوله في موضوعها حسبما أشرنا اليه.

هذا والمروي من دأب مولانا زين العابدين صلوات الله عليه وعلي آبائه وأبنائه الطاهرين وديدنه بعد قتل أبيه عليه السلام في التحزن عليه بما لا يطيقه البشر مادام حياً الي أن لحق بأبيه صوات الله عليه [4]


مما يؤيد ويصدق كلام ولده الامام المنتظر عجل الله فرجه.

فاذا انضمت اليه أدلة حسن التأسي بهم معتضداً ذلك كله بقاعدة التسامح في أدلة السنن لم يبق مجال للتأمل في رجحان لبس السواد في مصاب مولانا الحسين عليه الصلاة والسلام ودخوله بذلك في العناوين المتعددة في الاخبار البالغة حد التواتر المعنوي التي


أعد لاهلها من الاجر والثوب ديناً وعقباً مالا يعد ولا يحصي [5] سيما بعد أن بلغ الي حد جرت عليه سيرة المتشرعة من الخواص فضلا عن العوان من قديم الزمان بل هو المعهود منهم كذلك في جميع الاعصار حتي عابهم المخالفون بذلك ونحوه زعماً منهم أنه من مبدعات الشيعة [6] وربما يزيد ذلك رؤيا بعض الصلحاء أربعة من الخمسة الطيبة الطاهرة لابسين السواد في أيام مصيبته ومأتمه عليه السلام فسأل عنهم


عن سبب ذلك كأنه لا علم له في عالم الرؤيا بأنه أيا مصيبته (ع) فأخبروه بذلك:

ومن جملتها ما أخبرنا بعض الاجلة من ثقات فضلائنا المعاصرين عن خالنا العلامة المجلسي [7] قدس سره انه ذكر أن سيداً من السادات كان يستبعد الحديث المشهور المتضمن لما أعد الله سبحانه وتعالي للباكي علي مولانا الحسين (ع) ولو كان بمقدار قطرة واحدة أو اقل منها من الاجر والثواب العظيم الذي منه غفران ذنوبه مما تقدم منها وما تأخر ولو كانت مثل زبد البحر.

ومنه أنه وجبت له بذلك الجنة أو حق علي الله أن يدخله الجنة الي غير ذلك من المضامين الي أن رأي رؤيا اهالته ومن جملتها أنه رأي النبي والوصي والزكي والزهراء بحالة عجيبة غريبة لابسين السواد في غاية الحزن والكآبة وكانه سأل عن سبب ذلك فأجيب بمثل ما مرت الاشارة اليه فرجع علما كان يستبعده الي غير ذلك من الاخبار والاثار المؤيدة لحسن ذلك ورجحانه شرعاً فلاينبغي التأمل فيه مع ذلك للفقيه والله اعلم بما فيه: فرغ من تحريره لما يقتضيه مؤلفه الفقير الي الله الغني جعفر بن علي نقي الطباطبائي الحائري في الثلث الاخير من ليلة الخميس التاسع من شهر رمضان المعظم سنة 1317 هجري [8]


1 ـ آية الله المؤلف قده 2 ـ آية الله السيد حسين الموسوي الإصفهاني الحائري عم الشهيد الشمس آبادي 3 ـ العلامة حجة الإسلام السيد محمد مهدي الحجة الطباطبائي 4 ـ العلامة السيد محمد علي الطباطبائي سبط المؤلف واحد رجال ثورة العشرين أعلي الله مقامهم ورفع في الخلد اعلامهم.


پاورقي

[1] فقوله (ع) کالنص الصريح في جواز البکاء علي جده (ع) وان استلزم الضرر منه في العين وعدم الخروج عن اصل الاستحباب والرجحان ويکون حاکماً علي القاعدة المعروفة هذا والاخبار الدالة علي استحباب المشي الي مراقد الائمة (ع) وان استلزم الضرر من الورم في القدمين ونحوه کالخوف من القتل والمثلة والسجن مما لا تجعل لتلک القاعدة في مثل هذه الموارد مورداکي يتمسک بها وان جعلها کجعل الجهاد والزکاة والخمس ونحوها وسيأتي ايضاً بيانه کما لا يخفي فلاحظ جيداً ولا تغفل.

[2] قد وردت روايات مستفيضة تدل علي جواز بل استحباب زيارته عليه السلام استحباباً مؤکداً ولو کانت مستلزمة للمشقة الکثيرة والتعب المجهد بل وان استلزم الخوف من القتل والمثلة والسجن او الضرب ونحوها مثل ما رواه ابن قولويه رحمه الله في ص 125 من کامل الزيارات عن زرارة: قال قلت لابي جعفر (ع) ما تقول فيمن زار اباک علي خوف قال يؤمنه الله يوم الفزع الاکبر وتلقاه الملائکة بالبشارة ويقال له لا تخف ولاتحزن هذا يومک الذي فيه فوزک:

وقال الصادق (ع) لمعاوية بن وهب: لا تدع زيارة الحسين (ع) لخوف فان من ترکه رأي من الحسرة ما يتمنا ان قبره عنده الحديث اي لا تدع زيارته من خوف القتل او المثلة أو السجن والضرب ونحوها: فان الانسان ليتمني بعد موته ان لوزارة وقتل عنده واقبر في بلده الاطهر.

وقال الامام الباقر (ع) لمحمد بن مسلم هل تاتي قبر الحسين (ع)؟ قال نعم علي خوف ووجل: فقال ما کان من هذا اشد فالثواب علي قدر الخوف ومن خاف في اتيانه آمن الله روعته يوم القيامة يقوم الناس لرب العالمين الحديث في ص 127 من کامل الزيارات وتتمته في ص 276 فراجع ولاحظ.

وقال هشام بن سالم لمولانا الصادق (ع): (فما لمن قتل عنده) يعني عند الحسين (ع) (جار عليه سلطان فقتله) قال الصادق (ع) اول قطرة من دمه يغفر له بها کل خطيئة وتغسل طينته التي خلق منها الملائکة حتي تخلص کما خلصت الانبياء المخلصين ويذهب عنها ما کان خالطها من اجناس طين اهل الکفر ويغسل قلبه ويشرح صدره ويملاء ايماناً فيلقي الله وهو مخلص من کل ما تخالطه الابدان والقلوب ويکتب له شفاعة في أهل بيته والف في اخوانه الي أن قال (ع) بعد عد جملة من المناقب فان ضرب بعد الحبس في اتيانه کان له بکل ضربة حوراء وبکل وجع يدخل علي بدنه الف الف حسنة ويمحي بها الف الف سيئة ويرفع له بها الف الف درجة ويکون من محدثي رسول الله (ص) حتي يفرغ من الحساب فيصافحه حملة العرش

الحديث: مذکور في ص 123 وص 165 بسند آخر عن صفوان من کامل الزيارات: هذا والروايات في هذا الباب کثيرة ذکرنا جملة منها في ج ل من کتابنا احسن الجزاء المطبوع في قم المشرفة سنة 1399 فراجع وهذه الروايات کما تري تدل دلالة واضحة علي استحباب زيارة الحسين (ع) مهما بلغ الامر من الخوف والقتل والضرب والسجن وقد ذهب اليه غير واحد من الفقهاء والمحققين لهذه النصوص في جميع الازمان والاوقات من غيرتقييد لها بذلک الزمان بالخصوص: اذاً.

ومنها يمکن ان يستفاد جواز ضرب القامات علي الرؤوس وادماء الظهر بسلاسل الحديد ونحوهما بشرط الامن والسلامة من الضرر المنجر الي الموت او شل عضو بواسطته مضافاً الي الاصل المقتضي لاباحة ماذکرناه في عزائه (ع) کما لا يخفي کما تفعله الشيعة وستفعله الي يوم القيامة ان شاء الله تعالي وذلک لورود الحث الاکيد علي اقامة العزاء والمأتم عليه روحي لتراب حافر فرسه الفداء کما لا يخفي علي المتأمل التدقيق.

[3] لکون المبالغة لاتخلو عن نوع من الکذب الغير الجايز ولا شک عندنا بان کلام الله تعالي منزه عنه فليس فيه مبالغة لا اغراء اصلا وکذلک کلام النبي (ص) وکلام أوصيائه الائمة الاثني عشر عليهم أفضل الصلاة والسلام.

[4] في البحار ص 149 ج 45 من الطبعة الحديثة: عن الصادق (ع) أنه قال: ان زين العابدين (ع) بکي علي أبيه أربعين سنة صائماً نهاره وقائماً ليله فاذا حضر الافطار جائه غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه فيقول کل يا مولاي فيقول: قتل ابن رسول الله جائعاً قتل ابن رسول الله عطشاناً فلا يزال يکرر ذلک ويبکي حتي يبل طعامه من دموعه ثم يمزج شرابه بدموعه فلم يزل کذلک حتي لحق بالله عزوجل:

وحدث مولي له (ع) أنه برز يوماً الي الصحراء قال فتبعته فوجدته قد سجد علي حجارة فوقفت وأنا اسمع شهيقه وبکائه وأحصيت عليه الف مرة لا اله الا الله حقا لا اله الا الله تعبداً ورقاً لا اله الا الله ايماناً وصدقاً ثم رفع رأسه من السجود وان لحيته ووجهه قد غمر بالماء من دموع عينيه.

فقلت: يا سيدي ما آن لحزنک ان ينقضي ولبکائک ان تقل: فقال لي ويحک ان يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم (ع) کان نبياً ابن نبي کان له اثني عشر ابناً فغيب الله سبحانه واحدا منهم فشاب راسه من الحزن واحدودب ظهره من الغم وذهب بصره من البکاء وابنه حي في دار الدنيا وانا فقدت أبي واخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعاً مقتولين فکيف ينقضي حزني ويقل بکائي انتهي.

هذا وکان (ع) اذا أخذ اناء بشرب الماء بکي حتي يملأها دماً فقيل له في ذلک فقال وکيف لا ابکي وقد منع ابي من الماء الذي کان مطلقاً للسباع والوحوش وقيل له انک لتبکي دهرک فلو قتلت نفسک لمازدت علي هذا فقال نفسي قتلتها وعليها ابکي کما في المناقب وقال: مولانا الرضا عليه السلام ان يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذل عزيزنا بارض کرب وبلا واورثنا الکرب والبلاء الي يوم الانقضاء فعلي مثل الحسين فليبک الباکون فان البکاء عليه يحط الذنوب العظام ثم قال (ع) کان ابي اذا دخل شهر المحرم لا لايري ضاحکاً وکانت الکآبة تغلب عليه حتي تمضي عشرة أيام منه فاذا کان يوم العاشر کان ذلک يوم مصيبته وحزنه وبکائه الحديث: فقوله اقرح جفوننا: هو مما يدل علي استمرار بکائهم طول حياتهم جميعاً علي العموم کما يقتضيه التعبير بلفظ الجمع ومعلوم أن القرح في العين لا يحصل الا بعد شدة البکاء والجهد فيه في مدة طويلة.

ومعني اسبل الدمع هو اذا هطل وهذا يدل علي جواز البکاء علي سيد الشهداء (ع) وان استلزم منه قرح العين وجرحه کما واليه ذهب جماعة منهم العلامة الفقيه الشيخ علي البحراني قده في رسالته الموضوعة لاقامة الماتم علي الحسين (ع) المسماة بقامعة أهل الباطل المطبوعة في بمبئي سنة 1306 ص 20 وص 27 فراجع ولاحظ.

[5] راجع کامل الزيارات وثواب الاعمال واحسن الجزاء في اقامة العزاء علي سيد الشهداء (ع).

[6] الشيعة ليس لها حکم تجاه حکم الله ورسوله والائمة نعم غيرهم يحکمون بما تشتهي انفسهم فهم اهل البدع والمذاهب الباطلة.

[7] ذکر ذلک في ج 10 من البحار طبع کمپاني فراجع ولاحظ.

[8] هذا وفرغ من استنساخه وتبييضه والتعليق عليه العبد الفقير الي الله الغني: محمد رضا ابن السيد جعفر الحسيني الاعرجي الفحام عفي عنه الملک العلام سنة 1403 ـ 19 من شهر ذي الحجة الحرام في مدينة قم المقدسة حرم الائمة الطاهرين وعش آل محمّد المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.