بازگشت

تطهير القوات


سعي الإمام (ع) لتطهير قواته من عناصر الفتنة و الخذلان و أصحاب الاهواء والمصالح ، إدراكاً منه بان قوة الجيش لاتُقاس بعدد جنوده ، بل بمدي تحليهم بعناصر الضَّبط الذي هو أساس الجندية ، و مدي درجة إيمانهم بحقانية الحرب التي سوف يخوضونها.

و معني الضبط : هو إطاعة الاوامر و تنفيذها بحرص وأمانة وإخلاص و عن طيب خاطر. و هذه الامور يفتقد إليها بعض من التحق بجيش الإمام طلباً للمنصب أو المَغْنم . فهؤلاء ـ أقصد أهل الاهواء و المطامع ـ بدأوابالتفرُّق سرّاً وعلانية ً، ليلاً و نهاراً بمجرّد سماعم بشهادة مسلم بن عقيل (سلام الله عليه )، الذي تناهي إلي أسماعهم في منطقة زبالة .

والحسين القائد لم يخف ِ هذا الامر الجلل عن جنده ؛ فقد عقد مؤتمراًعاماً لاهل بيته و أصحابه ، وقام خطيباً فاطلعهم علي ذلك الخبر المؤسف حول شهادة عميد بيته مسلم بن عقيل (سلام الله عليه )، ولم يبدِ من مظاهر الحزن سوي الإكثار من الاسترجاع ، و أخفي كل مشاعر حزنه في سويداء قلبه ؛ لان العيون لدي الشدائد شاخصة إلي قائدها، فإن بدا عليه لائحة حزن عم الغم الجميع ، وضعفت المعنويات و خارت العزائم . مع ذلك فإن ثلّة من الملتحقين به بدأوا بالتخلي عنه إيثاراً للراحة وطلباً للعافية .

يذكر الشيخ المفيد (ره) أنه لما تناهي لهم في منطقة «زبالة » خبر مقتل مسلم (سلام الله عليه ) أخرج الحسين (ع) للناس كتاباً فقرأه عليهم ، و جاء فيه :

«بسم الله الرحمن الرحيم ، أمّا بعد: فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل ، و هاني ء بن عروة ، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف غير حرج ، ليس عليه ذمام ». فتفرق الناس عنه و أخذوا يميناً و شمالاً، حتي بقي مع خلّص أصحابه .

بعدها دعا الحسين (ع) أصحابه للتفرُّق ، وبيّن لهم أن طرق النجاة مفتوحة أمامهم . و ليست هذه المرّة الاولي التي يطلب فيها الحسين (ع) من أصحابه بالتفرُّق عنه ، فقد جدَّد ذلك الطلب قبل معركة عاشوراء، عندما جمع قواته وقال لهم : إن القوم يطلبونني و لايريدون بدلاً عني ، وطلب منهم ان يتخذوا من اللَّيل جملاً ليستر انسحابهم و يحفظ ماء وجوههم ، قال لهم : «و قد نزل بي ماقد ترون ، وأنتم في حل عن بيعتي ، ليس لي في أعناقكم بيعة ، ولا لي عليكم ذمة ، وهذا اللّيل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، و تفرّقوا في سواده ، فإن القوم إنما يطلبونني ، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري »، فتفرَّق أصحاب الاهواء و المصالح ، و بقي معه خلّص أصحابه الَّذين بايعوه علي الموت و أظهروا من السَّمع والطاعة لقيادته مايصلح أن يكون نموذجاًيُحتذي به ..كانوا يتسابقون إلي الموت ، ويقونه من السِّهام و الرِّماح بأبدانهم . يذودون عن قائدهم كما تذود اللّبوة الجريحة عن أشبالها.