بازگشت

الحر الرياحي النموذج المسلم المنيب


كانت هذه بلاغات ابي عبداللّه الحسين (ع)، وهي واضحه في اقامه الحجه علي هولاء الحاضرين، ومن ثم الي اسماع الامه الاسلاميه الي قيام الساعه. هذا البلاغ كان لا بد منه ليمحص اللّه الذين آمنوا ويمحق الكافرين، ولا يقول قائلهم يوم الهول اذ القلوب لدي الحناجر كاظمين: واللّه ما علمنا حقيقه الضحيه ولو علمنا ما فعلنا، او علمنا ولكنا لم نكن نعرف خصائصه ومزاياه لان بني اميه موهوا علينا. ها هي الحقيقه كامله بمنطقها، ولكم ان تختاروا اما نارا تلظ ي لا يصلاها الا الاشقي الذي كذب وتولي او نجاه من النار، وقد اختار الحر الرياحي، قائد الكتيبه الاولي، الجنه وانضم الي الحسين (ع) قائلا: (اني واللّه اخير نفسي بين الجنه والنار، وواللّه لا اختار علي الجنه شيئا ولو قطعت وحرقت، ثم ضرب فرسه فلحق بحسين (ع) فقال له: جعلني اللّه فداك يا ابن رسول اللّه انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان، واللّه الذي لا اله الا هو ما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضت عليهم ابدا ولا يبلغون منك هذه المنزله، فقلت في نفسي لا ابالي ان اطيع القوم في بعض امرهم ولا يرون اني خرجت من طاعتهم، واما هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرضها عليهم، وواللّه لو ظننت انهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك واني قد جئتك تائبا مما كان مني الي ربي ومواسيا لك بنفسي حتي اموت بين يديك افتري ذلك لي توبه؟. قال: نعم، يتوب اللّه عليك ويغفر لك، ما اسمك؟. قال: انا الحر بن يزيد. قال: انت الحر كما سمتك امك، انت الحر ان شاء اللّه في الدنيا والاخره) [1] .

ان الحر هو احد النماذج البشريه، رجل يعيش في وسط الناس، له بقيه ضمير، لا يري كل معايب القوم، يعتقد انه بامكانه الحفاظ علي بعض القيم الصحيحه، ولكن القوم لا يريدون من يحافظ علي المبادي ء، وقد تسابق الاشراف والساده في مناصرتهم وسنري بعد ذلك كيف ان ابن سعد رمي الحسين (ع) باول سهم وقال: (اشهدوا اني اول من رمي)، انه التسابق من اجل الذل.

ثم تقدم الحر، رحمه اللّه، مخاطبا القوم: (لامكم الهبل والعبر، اذ دعوتموه حتي اذا اتاكم اسلمتموه وزعمتم انكم قاتلوا انفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه، امسكتم بنفسه واخذتم بكظمه واحطتم به من كل جانب فمنعتموه التوجه في بلاد اللّه العريضه حتي يامن ويامن اهل بيته، واصبح في ايديكم كالاسير لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع ضرا، وخلاتموه ونساءه وصبيانه واصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني وتمرغ خنازير السواد وكلابه وها هم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا اسقاكم اللّه يوم الظما ان لم تتوبوا وتنزعوا عما انتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه. فحملت عليه رجاله لهم ترميه بالنبل) [2] .

ويضيف الطبري قائلا: (ثم زحف عمر بن سعد نحوهم ثم رمي وقال: اشهدوا اني اول من رمي) [3] .

وهنا ايضا لا بد لنا من تعليق، ها هو الحر رضوان اللّه عليه يخاطب القوم محاولا ايقاظ الضمائر التي ماتت ويسالهم عن مسوغات ذلك المسلك الغريب لبني اميه في مواجهه الحسين.

حصار لرجل في مكانه الحسين، ومنزلته لمجرد اتخاذ موقف معارض لبيعه يزيد، مع ملاحظه ان مسلسل السلوك الاموي كان غير مسبوق في تاريخ العرب والمسلمين، فلم يكن للاسلام ولا للعرب دوله قبل ظهور الاسلام وحينما جاء محمد بن عبداللّه عليه وعلي آله افضل الصلاه واتم السلام وبعد ثلاثه وعشرين عاما من المقاومه المشركه بقياده بني اميه وكهفهم ابي سفيان، صار للمسلمين دوله عاصمتها المدينه واحدي ولاياتها دمشق، ولولا ذلك لما كان لاحد من بني اميه ذكر، وذلك ما قاله الحسين (ع) لمعاويه: (ولولا الدين الذي جاء به محمد (ص) لكان افضل شرفك رحله الشتاء والصيف)، والعجيب ان بني اميه صار لهم نصيب في هذه الدوله التي حاربوها منذ الميلاد. ثم تدهورت الامور ليصبحوا حكاما لدوله لم يوفروا جهدا في حرب موسسها رسول اللّه (ص)، وهذا من اشد العجب، وصاروا يوسسون مسلكا وسننا لهم فهم اول من قتل الناس عقابا لهم علي ابداء الراي (حجر بن عدي) واصحابه وهذه سابقه تاريخيه لم يعرفها عرب الجاهليه، وهم اول من طاف برووس المعارضين السياسيين في نواحي البلدان (عمرو بن الحمق الخزاعي) وهذه سابقه تاريخيه اخري.

ثم ها هم يعاقبون الحسين (ع)، سبط النبي، عقابا مخترعا يوسسون به لكل فرعون ياتي من بعدهم، فهم يحرمونه من شرب الماء، ثم ها هو ابن زياد يامر بان تطا الخيل صدر الحسين وظهره، ثم هم بعد انتهاء الفاجعه يطوفون برووس الشهداء من بلد الي بلد، ويطوفون ببنات رسول اللّه (ص) سبايا، ولا اعتقد انهم اغلقوا باب الاجتهاد في قمع احرار هذه الامه فهذا هو الباب الوحيد للاجتهاد الذي ظل مفتوحا بعدما تم تعليب الدين في قوالب جامده من صنعهم ومن صنع اشياعهم. وزادوا الاتون من بعدهم انهم فتحوا ابواب الاستيراد لاساليب القمع ووسائله ولم يكتفوا بالاجتهاد المحلي فسحقا لهولاء وهولاء.

نعم اذا كان ائمه اهل البيت بحق هم ائمه الهدي فقد كان بنو اميه من دون شك هم ائمه الضلاله وصدق تعالي (وجعلناهم ائمه يدعون الي النار ويوم القيامه لا ينصرون)«القصص/41».

فاض النبع الحسيني يعط ي آخر ما عنده، في حياته، فخطبهم في يوم الفاجعه عده خطب فقال: (الحمد للّه الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفا باهلها حالا بعد حال فالمغرور من غرته والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الحياه الدنيا فانها تقطع رجاء من ركن اليها وتخيب طمع من طمع فيها، واراكم قد اجتمعتم علي امر قد اسخطتم اللّه فيه عليكم، فاعرض بوجهه الكريم عنكم واحل بكم نقمته وجنبكم رحمته، فنعم الرب ربنا وبئس العبيد انتم، اقررتم بالطاعه وآمنتم بالرسول محمد ثم انكم زحفتم الي ذريته تريدون قتلها، لقد استحوذ عليكم الشيطان فانساكم ذكر اللّه العظيم، فتبا لكم وما تريدون، انا للّه وانا اليه راجعون، هولاء قوم كفروا بعد ايمانهم فبعدا للقوم الظالمين).

كان الحسين (ع) يحاول تحرير هذه العقول من ذل العبوديه لغير اللّه، ولكن هيهات هيهات (كيف يهدي اللّه قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا ان الرسول حق وجاءهم البينات واللّه لا يهدي القوم الظالمين)«آل عمران/86». كان القوم يصرون علي التشويش علي ابي عبداللّه الحسين لئلا يتمكن من ابلاغ حجته الي الناس فقال لهم مغضبا: (ما عليكم ان تنصتوا الي فتسمعوا قولي وانما ادعوكم الي سبيل الرشاد فمن اطاعني كان من المرشدين ومن عصاني كان من المهلكين، وكلكم عاص لامري غير مستمع لقولي قد انخزلت عطياتكم من الحرام وملئت بطونكم من الحرام فطبع اللّه علي قلوبكم، ويلكم الا تنصتون؟ الا تسمعون؟. فتلاوم اصحاب عمر بن سعد وقالوا:

انصتوا له. فسكت الناس فقال (ع): تبا لكم ايها الجماعه وترحا، احين استصرختمونا والهين مستنجدين فاصرخانكم مستعدين، سللتم علينا سيفا في رقابنا وحششتم علينا نار الفتن التي جناها عدونا وعدوكم فاصبحتم البا علي اوليائكم ويدا عليهم لاعدائكم بغير عدل افشوه فيكم ولا امل اصبح لكم فيهم الا الحرام من الدنيا انالوكم وخسيس عيش طمعتم من غير حدث كان منا ولا راي تفيل لنا فهلا لكم الويلات، اذ كرهتمونا تركتمونا فتجهزتموها والسيف لم يشهر والجاش طامن والراي لم يستصحف ولكن اسرعتم علينا كطيره الدباء وتداعيتم اليها كتداعي الفارش، فقبحا لكم فانما انتم من طواغيت الامه وشذاذ الاحزاب ونبذه الكتاب ونفثه الشيطان وعصبه الاثام ومجرمي الكتاب ومطفئي السنن وقتله اولاد الانبياء ومبيدي عتره الاوصياء وملحقي العار بالنسب وموذي المومنين وصراخ ائمه المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين، وانتم ابن حرب واشياعه تعتمدون وايانا تخذلون، اجل واللّه الخذل فيكم معروف وتحث عليه عروقكم وتوارثته اصولكم وفروعكم وثبتت عليه قلوبكم وغشيت به صدوركم فكنتم اخبث شي ء سنخا للناصب واكله للغاصب، الا لعنه اللّه علي الناكثين الذين ينقضون الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلا فانتم واللّه هم. الا ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين ي ي ي ي اثنتين بين السله والذله، وهيهات منا اخذ الدنيه ابي اللّه ذلك ورسوله وجدود طابت وحجور طهرت وانوف حميه ونفوس ابيه لا نوثر طاعه اللئام علي مصارع الكرام، الا اني قد اعذرت وانذرت الا اني زاحف بهذه الاسره علي قله العدد وخذله الاصحاب. ثم انشا (ع) يقول:

فان نهزم فهزامون قدما وان نهزم فغير مهزمينا الا انهم لا يلبثون بعدها الا كريثما يركب الفرس حتي تدور بكم الرحي، عهد عهده الي ابي عن جدي، فاجمعوا امركم وشركاءكم فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون، اني قد توكلت علي اللّه ربي وربكم، ما من دابه الا وهو آخذ بناصيتها ان ربي علي صراط مستقيم، اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسني يوسف فانهم غرونا وكذبونا وخذلونا وانت ربنا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير).

ثم دعا عمر بن سعد فقال له: (يا عمر انك تقتلني فتزعم ان يوليك الدعي ابن الدعي بلاد الري وجرجان، واللّه لا تهنا بذلك ابدا، عهد معهود، فاصنع ما انت صانع فانك لا تفرح بعدي ابدا بدنيا ولا آخره وكاني براسك علي قصبه بالكوفه يتراماه الصبيان ويتخذونه غرضا بينهم. فغضب ابن سعد).

ان هذه الخطبه الاخيره تصف حال هذه الامه وصفا بليغا في ماضيها وحاضرها، انه وصف الخبير، فقد امتلات البطون من الحرام وهي سياسه مبرمجه لكل الفراعنه تتمثل في اذلال الرعيه وكسر ارادتهم من خلال اتاحه الفرصه لهم كي ينالوا من الحرام فيصبح الكل في الذنب سواء، لا يستطيع امثال هولاء ان يرفعوا رووسهم في وجه شياطينهم، ثم هم يتمادون في عدوانهم علي من جاء يخلصهم من الظلم والجور. ولا امل لهولاء الاتباع الا البقاء علي قيد الحياه، فلا يلحقهم الطواغيت بالاخره التي منها يفرون، ثم عدد (ع) آثام بني اميه وجرائمهم في حق الاسلام ولكن هيهات هيهات ان يفيق الضالون من غفوتهم، فبعدا للقوم الظالمين.

ثم ها هو ينبه ابن سعد الي مصيره الاسود الذي ينتظره جزاءا وفاقا علي دوره الانتهازي القذر هو وكل من علي شاكلته من روساء العبيد، وهو دور موجود في كل النظم الطاغوتيه التي تستخدم هولاء الازلام في قتل الاحرار، واخماد انفاسهم، ثم تفشل في حمايتهم وتتركهم لمصيرهم المحتوم، او تضحي بهم لاخماد غضب الجماهير اذا التهب الغضب وتحملهم المسووليه، فهم قد قتلوا وسفكوا الدماء من دون رضا الطاغوت الاكبر، وهولاء فقط هم الذين سمعوه يصدر هذه الاوامر الاجراميه التي تصدر بصوره شفهيه دائما ولم تكن يوما ما مكتوبه، وهو ضرب من البلاهه والخداع فسلسله الاجرام مثل سلسله الحق متواصله دائما ويصعب ان يفعل هولاء الطواغيت الصغار شيئا لا يريده الكبار، وقد اخبره ابو عبداللّه (ع) بمصيره الاسود وقال له انه لا ينال شيئا مما وعد به من ملك الري وبلاد جرجان.

هكذا مضي يوم العاشر من محرم عام 61 للهجره، وقد استشهد الامام الحسين بن علي (ع) سبط رسول اللّه، وهو ينشد:

فان نغلب فغلابون قدما وان نغلب فغير مغلبينا اذا ما الموت ترفع عن اناس فلا كله اناخ باخرينا فلو خلد الملوك اذا خلدنا ولو بقي الكلام اذا بقينا فقل للشامتين بنا افيقوا سيلقي الشامتون كما لقينا


پاورقي

[1] الطبري: م.س.4/325.

[2] نفسه‏4: /326.

[3] نفسه‏4: /326.