بازگشت

خرج حسين من ليلته، وسبقه ابن الزبير، متوجهين الي مكه


ويبدو ان هذه الاونه القصيره في هذا اليوم، كانت حافله بالمشاورات بين ابي عبداللّه الحسين وبين المحيطين به سواء ممن يحبه ويشفق عليه ويتمني له النصر ام من اولئك الذين قدموا النصيحه لمجرد اداء الواجب. وهذه المشاورات علي قصر مدتها تعكس حاله التصميم والتخطيط الواعي من قبل الامام الحسين الذي كان يحمل علي كاهله ما لو حملته الجبال لتدكدكت، وآخر هذه الاعباء سلامه ذلك الجسد الطاهر الذي هو قطعه من نور الرسول الاكرم طالما حملها المصطفي، صلي اللّه عليه وسلم، علي عاتقه. ولكن الاولويه كانت حينئذ لحفظ الدين لا لحفظ الارواح.

ها هو ابو عبداللّه يستشير اخاه محمد بن الحنفيه فيقول له اخوه: (يا اخي، انت احب الناس الي واعزهم علي، ولست ادخر النصيحه لاحد من الخلق احق بها منك، تنح بتبعتك عن يزيد بن معاويه وعن الامصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك الي الناس فادعهم الي نفسك، فان بايعوا لك حمدت اللّه علي ذلك، وان اجمع الناس علي غيرك لم ينقص اللّه بذلك دينك ولا عقلك ولا يذهب به مروءتك ولا فضلك. اني اخاف ان تدخل مصرا من هذه الامصار، وتاتي جماعه من الناس فيختلفون بينهم فمنهم طائفه معك واخري عليك فيقتتلون فتكون لاول الاسنه، فاذا خير هذه الامه كلها نفسا وابا واما اضيعها دما واذلها اهلا. قال له الحسين: فاني ذاهب يا اخي. قال: فانزل مكه فان اطمانت بك الدار فسبيل ذلك، وان نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال، وخرجت من بلد الي بلد حتي تنظر الي ما يصير امر الناس وتعرف عند ذلك الراي فانك اصوب ما تكون رايا واحزمه عملا حين تستقبل الامور استقبالا ولا تكون الامور عليك ابدا اشكل منها حين تستدبرها استدبارا. قال: يا اخي قد نصحت فاشفقت فارجو ان يكون رايك سديدا موفقا) [1] .

وفي روايه اخري انه اشار عليه بالتوجه الي اليمن فكان جواب ابي عبداللّه الحسين: (يا اخي، لو لم يكن في الدنيا ملجا ولا ماوي لما بايعت يزيد بن معاويه. فقطع محمد بن الحنفيه الكلام وبكي فبكي الحسين ساعه ثم قال: يا اخي جزاك اللّه خيرا، لقد نصحت واشرت بالصواب، وانا عازم علي الخروج الي مكه، وقد تهيات لذلك انا واخوتي وبنو اخي وشيعتي وامرهم امري ورايهم رايي، واما انت يا اخي فلا عليك ان تقيم بالمدينه فتكون لي عينا عليهم لا تخفي عني شيئا من امورهم، ثم دعا بكتاب وكتب وصيه).

(هذا ما اوصي به الحسين بن علي بن ابي طالب الي اخيه محمد المعروف بابن الحنفيه: ان الحسين يشهد ان لا اله الا اللّه وحده لا شريك له، وان محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عنده، وان الجنه والنار حق، وان الساعه آتيه لا ريب فيها، وان اللّه يبعث من في القبور. واني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وانما خرجت لطلب الاصلاح في امه جدي وشيعه ابي علي بن ابي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فاللّه اولي بالحق، ومن رد علي هذا اصبر حتي يقضي اللّه بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين، وهذه وصيتي لك يا اخي وما توفيقي الا باللّه عليه توكلت واليه انيب).

كما روي عنه، (ع)، انه كتب كتابا الي اخيه ابن الحنفيه والي بني هاشم:

(بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي الي محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم، اما بعد، ان الدنيا لم تكن وان الاخره لم تزل، والسلام).

كما روي الطبري، في تاريخه، عن ابي سعد المقبري قال:

(نظرت الي الحسين داخلا مسجد المدينه وانه ليمشي وهو معتمد علي رجلين، وهو يتمثل بقول ابن مفرغ:

لا ذعرت السوام في فلق الصبح مغيرا، ولا دعيت يزيدا يوم اعط ي من المهابه ضيما والمنايا يرصدنني ان احيدا قال: فقلت في نفسي واللّه ما تمثل بهذين البيتين الا لشي ء يريد. قال: فما مكث الا يومين حتي بلغني انه سار الي مكه.....، فلما سار نحو مكه قال: (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين)«القص /21» [2] ، فلما دخل مكه قال: (ولما توجه تلقاء مدين قال عسي ربي ان يهديني سواء السبيل)«القصص/22» [3] .


پاورقي

[1] تاريخ الطبري‏4/253.

[2] تاريخ الطبري‏4/253-254.

[3] تاريخ الامم والملوک للطبري،4/253-254.