بازگشت

رزية الخميس مصيبة الاسلام


واول انشقاق وفتنة عظيمة أدت الي الضلال والانحراف هي رزية الخميس، فالرزية كل الرزية ـ كما قال حبر الامة وترجمان القران ـ رزية الخميس، فكل انحراف وكل ضلال مبدأه يوم الخميس ظرف تلك الرزية.

فقد أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلي الله عليه واله وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لاتضلوا بعده [1] ، قال عمر: إن النبي صلي الله عليه واله غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط، قال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع، فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية


كل الرزية ما حال بين رسول الله صلي الله عليه واله وبين كتابه [2] .

واخرج ايضا بسند آخر عن ابن عباس قال: يوم الخميس وما يوم الخميس!! اشتد برسول الله صليالله عليه واله وجعه، فقال: ائتوني اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه؟! استفهموه، فذهبوا لايردون عليه، فقال: دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني أليه، وأوصاهم بثلاث: اخرجوا المشركين من جزيرة العرب، واجيزوا الوفد بنحو ما كنت اجيزهم، وسكت عن الثالثة، او قال: نسيتها [3] .

واخرج مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: يوم الخميس! وما يوم الخميس! ثم جعل تسيل دموعه حتي رأيت


علي خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله صلي الله عليه واله: ائتوني بالكتف والدواة أواللوح والدواة اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقالوا: أن رسول الله صلي الله عليه واله يهجر [4] .

والملاحظ أن الذي بدأ بقوله: هجر رسول الله صلي الله عليه واله هو الخليفة عمر بن الخطاب، إذ القوم انقسموا الي قسمين منهم من يقول: قربوا له الدواة، وقسم آخر يقول: هجر رسول الله صلي الله عليه واله، فالمحدثون ـ امناء هذه الأمة ـ اذا ذكروا عمر حرّفوا العبارة، وسواء كانت العبارة التي صدرت من عمر هي «ان النبي غلب عليه الوجع» أو «هجر الرجل» فالمعني واحد، إذ الانسان إذا غلب عليه الوجع يهجر، فلا يكون قيمة لكلامه.

نعم وقع لفظة «غلب عليه الوجع»أهون بكثير من «هجر»، فهو من قبيل قولنا في المجنون بأنه مصاب بمرض عقلي، فالنتيجة واحدة ولكن وقع اللفظ علي القلب أهون.

قال ابن الجوزي: إنما خاف عمر أن يكون ما يكتبه في حال غلبة المرض، فيجد بذلك المنافقون سبيلا الي الطعن في ذلك المكتوب [5] .


وهذا غير صحيح: اذ قوله صلي الله عليه واله «لن تضلوا» تنص علي أن ذلك الكتاب سبب للامن عليهم من الضلال، فكيف يكون سببا للفتنة بقدح المنافقين، فهو صلي الله عليه واله لايقاس به أحد حتي يقال بان نظر عمر بن الخطاب صحيح ونظره صلي الله عليه واله فيه شائبة الاشكال كما هو عليه جُلّ من حاول أن يفسر ويشرح هذا الحديث من أهل السنة والجماعة صونا لعمر بن الخطاب.

وإذا كان هناك ملجأ للمنافقين في الطعن في هذا الكتاب، فالذي فتح لهم باب الطعن هو عمر بن الخطاب، فلو أن الرسول الاكرم صلي الله عليه واله كتب هذا الكتاب بعد أن سمع هذه الكلمة من عمر والجماعة الموافقة له، لطعن المنافقون فيه بعد وفاته صلي الله عليه واله، ولما ميّز المسلمون المنافق العادي من المنافق المحترف والمسلم العادي، فلو أن عمر بن الخطاب لم يتفوه بهذه الكلمة لكان كل من يتعرض لذلك الكتاب بالغمز والتشهير فقد حكم علي نفسه بالنفاق والخروج عن الاسلام، ومن ثَم ّيعرفه المسلمون ويتجنبونه.

مضافا: الي ان المصحح لخلافة عمر هو وصية ابي بكر، إذ انه في أواخر لحظات حياته أمر عثمان بأن يكتب: أما بعد، ثم أغشي عليه، فكتب عثمان من نفسه: أما بعد فقد استخلفت


عليكم عمر بن الخطاب، فلما أفاق ابو بكر، قال: اقرأ، فقرأ عليه، فقال: أراك خفت أن يختلف الناس، قال: نعم، وأمضاها ابو بكر [6] .

فأبوبكر أمضي ما كتبه عثمان وهو في حال الاحتضار والغشيان ولم يقولوا هجر أو غلب عليه الوجع، وكان يحق له أن يوصي وأن يخاف علي اختلاف الامة، أما نبي الرحمة فيواجه بهذه الكلمة القبيحة من قبل عمر بن الخطاب وجماعة من المسلمين [7] ، وحاله لم يكن كحال أبي بكر إذ الفترة بين موته صلي الله عليه واله وبين هذا الحدث خمسة أيام.

قال النووي: أما كلام عمر رضي الله عنه فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث علي أنه من دلائل فقه عمر وفضائله


ودقيق نظره، لأنه خشي أن يكتب صلي الله عليه واله امورا ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها، لأنها منصوصة، ولامجال للاجتهاد فيها، فقال عمر «حسبنا كتاب الله...» [8] .

قلت: الله ورسوله أعرف من عمر ومن غيره بعواقب الامور وأشفق من عمر ومن أبي بكر بهذه الامة، وهو الموصوف في الكتاب الكريم [9] .

وقد قطع الرسول الاكرم صلي الله عليه واله بأن هذا الكتاب أمانا من الضلال، فالشفقة والرحمة تقتضي كتابة هذا الكتاب، فالحيلولة بين كتابة هذا الكتاب هو الذي أدي الي الضلال والانحراف.

وقال عدة من أهل السنة والجماعة أن قوله صليالله عليه واله «ائتوني» ليس للوجوب وانما هو من باب الارشاد للاصلح [10] .

هذا كلام في غاية الضعف والسفاهة لامور:

1 / أن السعي الي ما يوجب العصمة من الضلال والانحراف لايمكن أن يكون من باب الارشاد لما هو أصلح ومن مستحبات الاعمال، بل هو من الامور الواجبة.


2 / مضافا الي أن استياء النبي صلي الله عليه واله من قولهم ومنعهم لذلك الكتاب كاشف علي أنهم قد ارتكبوا أمرا عظيما، لا أنهم خالفوا امرا إرشاديا مستحبا.

3 / أن امر النبي صلي الله عليه واله لهم باحضار الدواة لكتابة الكتاب كان عند الاحتضار، والمحتضر يكون عادة مشغولا بنفسه وبما يعظم خطره ويعظم شأنه عنده، ولاسيما مع العلم بالمشقة التي ستحصل له صلي الله عليه واله من كتابة الكتاب، فالمقام مقام الاوامر الالزامية المهمة، لامقام الاوامر الارشادية.

4 / ان عدّ ابن عباس رحمه الله الحيلولة بين النبي صلي الله عليه واله وبين كتابة الكتاب رزية عظيمة عبر عنها بـ «الرزية كل الرزية» وإن بكاءه بعد انقضاء الحادثة ومضي السنين العديدة عليها،حتي صارت دموعه تنحدر علي خديه كاللؤلؤ، دليل علي أن مخالفة أمر النبي صلي الله عليه واله كان فعلا محرما فظيعا، وإلا فمن المستبعد أن يعتبر ابن عباس مخالفة الاوامر الارشادية رزية عظيمة يبكي لاجلها [11] .


پاورقي

[1] فکتابة هذا الکتاب أمن من الضلال والانحراف، فالمنع عنه إحياء للضلال والانحراف، والرسول الاکرم صلي الله عليه واله لا يلقي الکلام علي عواهنه (إن هو إلا وحي يوحي علمه شديد القوي) (وما صاحبکم بمجنون).

[2] صحيح البخاري: 1/38 کتاب العلم، باب کتابة العلم رقم 39.

[3] صحيح البخاري 6/11 کتاب المغازي باب مرض النبي صلي الله عليه واله ووفاته.

وأخرج بسند ثالث عنه رضي الله عنه قال: لما حُضِرَ رسول الله صلي الله عليه واله وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب: قال النبي صلي الله عليه واله: هلم اکتب لکم کتابا لاتضلوا بعده، فقال عمر: إن النبي صلي الله عليه واله غلب عليه الوجع، وعندکم القران، حسبنا کتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يکتب لکم النبي صلي الله عليه واله قال رسول الله صلي الله عليه واله کتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أکثروا اللغط عند النبي صلي الله عليه واله قال رسول الله صلي الله عليه واله قوموا»، صحيح البخاري: 7/155 کتاب الطب، باب قول المريض قوموا عني رقم 17.

[4] صحيح مسلم: 3/1257، کتاب الوصية باب ترک الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، قلت ايراد هذا الحديث في هذا الباب معناه أن الرسول الاکرم صلي الله عليه واله ليس عنده شيء يوصي به فإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوکيل.

[5] فتح الباري: 1/169.

[6] تاريخ الطبري: 4/53، تاريخ ابن الاثير: 2/207، ومصادر عدة.

[7] هذا مع أن الله قال في حق رسوله صلي الله عليه واله (فلا وربک لايؤمنون حتي يحکموک فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (وما کان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضي الله ورسوله امرا أن يکون لهم الخيرة في أمرهم)، فتحقق الايمان رهين بالتسليم المطلق للنبي الخاتم صلي الله عليه واله، والاسلام اظهار الشهادتين (قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولکن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبکم وان تطيعوا الله ورسوله) فعلامة الايمان اطاعة الله والرسول کما هو صريح ذيل الاية، فممانعة بعض الصحابة لهذا الکتاب لامسوغ له وخلاف وجوب الطاعة له صلي الله عليه واله **زيرنويس=من أطاع الرسول فقد أطاع الله).

[8] صحيح مسلم بشرح النووي:11/90.

[9] لقد جاءکم رسول من أنفسکم عزيز عليه ماعنتم حريص عليکم بالمؤمنين رؤوف رحيم.

[10] ارشاد الساري: 1/207، فتح الباري: 1/169 نقلا عن القرطبي.

[11] راجع دليل المتحيرين: 65 للعلامة الفاضل الشيخ علي آل محسن القطيفي، وراجع ما القيناه تحت عنوان «رزية الخميس».