بازگشت

الائمة المضلون


نعم: الذي يمحق الاسلام محقا ويمحي تعاليمه وسننه هو اتخاذ الأئمة المضلين فقط وجعلهم حجة علي الدين ومصادر للمعرفة والتشريع، فهذا ما يخاف به علي الاسلام، وهذا ما حذّر منه الاسلام والقرآن، في عدة من البيانات والآيات.

من تلك الايات التي تشير الي هذا الخطر الكبير قوله تعالي [1] [2] .

قال الامام الصادق عليه السلام في تفسير الآية: أما والله ما دعوهم الي عبادة أنفسهم ولو دعوهم الي عبادة أنفسهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراما وحرّموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون [3] .


قال الرازي: الاكثرون من المفسرين [4] قالوا: ليس المراد من الارباب أنهم اعتقدوا فيهم أنهم آلهة العالم، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم، نُقل أن عدي بن حاتم كان نصرانيا، فانتهي الي رسول الله صلي الله عليه وآله وهو يقرأ سورة براءة، فوصل الي هذه الآية، قال: فقلت: لسنا نعبدهم، فقال صلي الله عليه وآله: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟! فقلت: بلي، قال: فتلك عبادتهم [5] ، وقال الربيع: قلت لابي العالية ـ عامر الشعبي ـ: كيف كانت تلك الربوبية في بني إسرائيل؟ فقال: إنهم ربما وجدوا في كتاب الله ما يخالف أقوال الاحبار والرهبان، فكانوا يأخذون بأقوالهم، وما كانوا يقبلون حكم كتاب الله.

قال: قال شيخنا ومولانا خاتمة المحققين والمجتهدين «رض»: قد شاهدت جماعة من مقلدة الفقهاء، قرأت عليهم آيات كثيرة من كتاب الله تعالي في بعض المسائل، وكانت مذاهبهم


بخلاف تلك الايات، فلم يقبلوا تلك الايات ولم يلتفتوا إليها، وبَقوا ينظرون إليّ كالمتعجب، يعني: كيف يمكن العمل بظواهر هذه الايات مع أن الرواية عن سلفنا وردت علي خلافها، ولو تأملت حق التأمل وجدت هذا الداء سارياً في عروق الأكثرين من أهل الدنيا [6] .

أما الأحاديث المحذرة من الأئمة المضلين فكثيرة جدا منها ما أخرجه الترمذي بسنده عن ثوبان قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إنما أخاف علي أمتي الأئمة المضلين [7] .

فالخطر الذي يخاف منه علي الاسلام هو: أن يصبح كل من تسلم زمام الامور السياسية والادارية للمسلمين قوله وفعله وتقريره حجة، كحجية قول وفعل وتقرير الرسول الاكرم صلي الله عليه وآله، فيصبح مصدرا من مصادر التشريع، وهذا ما حصل


بالفعل لدي المسلمين بالنسبة لبعض الخلفاء من الصحابة [8] .

إذ أن بعض المسلمين ـ بل كثير منهم ـ يأخذون عقائدهم من الواقع المعاش، فبما أن أبا بكر أول من جاء بعد الرسول صلي الله عليه وآله ثم عمر ثم عثمان ثم علي، فأبو بكر عندهم أفضل الصحابة ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ولو أن معاوية لم يحارب عليا عليه السلام لكان بعد علي عليه السلام في الافضلية.

فتربي المسلمون علي قبول كل ما يصدر من الخلفاء بعد الرسول الاكرم صلي الله عليه وآله، وأصبحت اقوالهم وافعالهم حجة ودليل علي الحكم الشرعي والاعتقادي، حتي معاوية بن أبي سفيان الذي هو طليق باجماع المسلمين قوله حجة عند عدة من المسلمين [9] .



پاورقي

[1] اتخذوا احبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم، وما امروا إلا ليعبدوا الله إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشرکون.

[2] التوبة: 31.

[3] الکافي: 1/543، المحاسن: 246.

[4] تفسير الطبري: 10/80، الکشاف للزمخشري: 2/185، تفسير القرطبي: 8/120، تفسير ابن کثير: 2/348، الدر المنثور: 4/174.

[5] أخرجه ابن سعد وعبد حميد والترمذي وحسنه، وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه، راجع الدر المنثور: 4/174.

[6] تفسير الرازي: 16/37.

[7] سنن الترمذي: 4/504، کتاب الفتن، وقال: حديث حسن صحيح، المستدرک: 4/449، وصححه علي شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وقد روي الحديث عن ثوبان وعمر وأبي ذر وأبي الدرداء کل من: ابو داود في السنن: 4/97، احمد بن حنبل في المسند: 1/42، 5/145، 278، 284، 6/441، ابن ماجه في السنن 2/1304، والدارمي في السنن: 1/70، وصحح الحديث الالباني في صحيح سنن ابي داود: 3/801، وصحيح سنن ابن ماجه: 2/352.

[8] وسنة الصحابي تارة تکون حجة بلحاظ أنها طريق الي سنة الرسول الأکرم صلي الله عليه وآله، واخري تکون حجة بما هي هي، فعلي الأول تکون الحجية طريقية وعلي الثاني تکون الحجية موضوعية، والحجية الموضوعية هي أن يکون الشيء بنفسه حجة يجب التعبد به کحجية الکتاب، والحجية الطريقية هي أن يکون الشيء طريقا الي الحجة وکاشف عنها، وليس الخلاف بين المسلمين في سنة الصحابي من کونها حجة طريقية، وإنما الخلاف في کونها حجة موضوعية.

[9] وهؤلاء لم يفرقوا بين کون الصحابي عدل وثقة وبين کونه مصدرا للتشريع، إذ کونه ثقة لايستلزم حجية أقواله وأفعاله، فقد يخطأ وقد يغفل وقد ينسي، والشاهد عليه اختلاف سيرة الشيخين أبي بکر وعمر.