بازگشت

كيف يتم التوفيق بين ما ورد من استحباب الاغتسال والتطيب لزيارة الحسين


الجواب: في البداية ينبغي أن يقال أن عمل جابر ليس فيه دلالة علي الاستحباب، إذا لم نعلم استناده فيه إلي قول المعصوم. ولكن أصل القضية فيها صنفان من الروايات الواردة عن أهل البيت فمنها ما يدل بظاهره علي أن الاستحباب هو أن يكون الزائر حين الزيارة أشعث أغبر معللا في بعضها بأن الحسين قد قتل علي تلك الحال: مثل:

ما روه في كامل الزيارات [1] عن ابي عبد الله (عليه السلام)، قال: إذا أردت زيارة الحسين (عليه السلام) فزره وأنت كئيب حزين مكروب، شعث مغبر، جائع عطشان، فان الحسين قتل حزينا مكروبا شعثا مغبرا جائعا عطشانا، وسله الحوائج، وانصرف عنه ولا تتخذه وطنا..

وبهذا الاسناد عن سعد بن عبد الله، عن موسي بن عمر، عن صالح بن السندي الجمال، عمن ذكره، عن كرام بن عمرو [2] ، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لكرام: إذا أردت انت قبر الحسين (عليه السلام) فزره وأنت كئيب حزين شعث مغبر، فان الحسين (عليه السلام) قتل وهو كئيب حزين، شعث مغبر جائع عطشان.

وفي بعض الروايات الأخري أنه يأتي إلي الزيارة حافيا: مثلما رواه أيضا في كامل الزيارات [3] عن الصادق عليه السلام: من أتي قبر الحسين عليه السلام ماشيا كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة، ومحي عنه ألف سيئة ورفع له ألف درجة، فإذا أتيت الفرات فاغتسل وعلق نعليك، وامش حافيا، وامش مشي العبد الذليل، فإذا أتيت باب الحائر فكبر أربعا، ثم امش قليلا، ثم كبر أربعا، ثم ائت رأسه فقف عليه فكبر أربعا، وصل عنده وسل الله حاجتك.

وفي المقابل ما يظهر من روايات أخر أنه يأتي مغتسلا لابسا نظيف الثياب:

فمنها ما رواه في الكافي [4] :

عن الحسين بن ثوير قال: كنت أنا ويونس بن ظبيان عند أبي عبد الله عليه السلام وكان أكبرنا سنا - إلي أن قال: - فقال: إذا أردت زيارة الحسين كيف أصنع وكيف أقول؟ قال: إذا أتيت أبا عبد الله عليه السلام فاغتسل علي شاطئ الفرات والبس ثيابك الطاهرة، ثم امش حافيا فإنك في حرم من حرم الله وحرم رسوله، وعليك بالتكبير والتهليل والتسبيح والتمجيد...

وما رواه أيضا في الكامل [5] عن الصادق عليه السلام عندما سئل عما يلزم للذاهب إلي زيارة الحسين عليه السلام (.. يلزمك حسن الصحبة لمن صحبك، ويلزمك قلة الكلام إلا بخير، ويلزمك كثرة ذكر الله، ويلزمك نظافة الثياب، ويلزمك الغسل قبل أن تأتي الحائر..).

وهنا ينبغي التأمل في هاتين الطائفتين:

- فالمفردات الواردة فيها: الاحتفاء (المشي حافيا) والاغتسال، والتشعث، والتغبر، ونظافة الثياب، والكون علي سكينة ووقار.

ولا يوجد تعارض بين الاغتسال وكل من الاحتفاء ونظافة الثياب، والكون علي سكينة ووقار، وإنما قد يبدو التعارض بين الاغتسال (ومعه نظافة الثياب) وبين التشعث والتغبر

وهنا قد يمكن القول بأن معني المراد في هذه الروايات من: الأشعث والأغبر، أنه ما كان في مقابل التدهين والاكتحال والتزين، وحينئذ لا ينافي الاغتسال، وشاهد ذلك ما ورد في المحرم، فإنه يستحب أن يكون أشعث أغبر، ومع ذلك يستحب له الاغتسال غسل الإحرام، فهو يغتسل للاستحباب، ولكنه لا يكتحل، ولا يتزين ولا يتطيب، وربما يؤيد هذا رواية [6] عن أبي عبد الله عليه السلام (.. فإذا أردت المشي إليه فاغتسل ولا تطيب ولا تدهن ولا تكتحل حتي تأتي القبر..).

ويظهر ـ والله العالم ـ أن الأئمة عليهم السلام لم يكونوا يريدون أن تتحول الزيارة إلي نوع من النزهة والتفرج، واللهو مما ينافي الغرض من الزيارة التي تهدف إلي تذكر مواقف الحسين عليه السلام وما جري عليه من مآس ومعاناة، ومعرفة حقه وتجديد العهد معه للسير علي نهجه وطريقه، فإذا فُرّغت الزيارة من محتواها ومضمونها ذاك، أصبحت أقرب إلي التلهي منها إلي تحقيق أهداف الزيارة.. ففي رواية عن الصادق عليه السلام: إن قوما إذا زاروا الحسين بن علي حملوا معهم السُّفر فيها الحلاوة والأخبصة [7] وأشباهه لو زاروا قبور أحبائهم ما حملوا ذلك [8] .

وفي رواية أخري عن أبي عبد الله عليه السلام: تزورون خير من أن لا تزورون، ولا تزورون خير من أن تزورون، قلت: قطعت ظهري، قال: تالله إن أحدكم يخرج إلي قبر أبيه كئيبا حزينا وتأتونه انتم بالسُّفر؟! كلا..حتي تأتونه شعثا غبرا [9] .

ولعل هذا المعني هو الذي يستفاد من العنوان الذي عنون به صاحب الوسائل الباب المذكور فرأي أنه ينبغي أن يكون الزائر ملازما للحزن: - باب انه يستحب لمن أراد زيارة الحسين عليه السلام أن يصوم ثلاثا آخرها الجمعة، ثم يغتسل ليلتها ويخرج علي غسل تاركا للدهن والطيب والزاد الطيب ملازما للحزن والشعث والجوع والعطش ولا يتخذه وطنا.

ويحتمل الحمل علي التخيير، بين الحالتين. كما أن بعض الفقهاء أيدهم الله قد احتملوا الحمل علي اختلاف الزيارات، فالمطلوب في زيارة عاشوراء هو ما ذكر من التشعث، والتغبر.. الخ وربما يكونوا قد استفادوا في ذلك من التعليل الموجود في ذيل بعض هذه الروايات، فإن الحسين قد قتل وهو َشِعث مغبر.. بينما في سائر الزيارات، الاستحباب هو للاغتسال ولبس نظيف الثياب. ولم أجد ـ في مقدار ما نظرت ـ اختصاص زيارة عاشوراء بعنوانها بالتشعث والتغبر حتي يجمع بين الطائفتين بحمل هذه الروايات علي خصوص زيارة عاشوراء. والله العالم.


پاورقي

[1] جعفر بن محمد بن قولويه حدثني ابي واخي وعلي بن الحسين وغيرهم رحمهم الله، عن سعد بن عبد الله بن ابي خلف، عن احمد بن محمد بن عيسي الاشعري، عن علي بن الحکم، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله..(رجال السند حتي علي بن الحکم إماميون ثقات) لکنها مرسلة (أو مجهولة).

[2] والسند المذکور فيه موسي بن عمر وهو مردد بين (ابن بزيع الثقة) وبين (ابن يزيد الصيقل ولم يوثق لکنه ممن لم يستثن من رجال نوادر الحکمة)، وفيه صالح بن السندي الجمال ولم يوثق لکنه أيضا من رجال کتاب نوادر الحکمة. وفيه کرام بن عمرو وهو واقفي لا توثيق له، لکن روي عنه المشايخ الثقات الذين قيل إنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة. والحديث مرسل. لکن هذه الرواية وما بعدها مشمولة لقاعدة التسامح في أدلة السنن..الروايات من وسائل الشيعة ج 14 باب 71 جملة ما يستحب للزائر.

[3] جعفر بن محمد بن قولويه عن علي بن الحسين بن بابويه وجماعة عن سعد بن عبد الله، عن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة، عن العباس بن عامر، عن جابر المکفوف، عن أبي الصامت قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام وهو يقول... - السند إلي العباس بن عامر لا غبار عليه، لکن جابر المکفوف (الکوفي) لم يوثق، ومثله أبو الصامت الحلواني. وعلي أي حال هذه الرواية وما بعدها مشمولة لقاعدة التسامح.

[4] محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن القاسم بن يحيي، عن جده الحسن بن راشد: والقاسم بن يحيي لم يوثق توثيقا خاصا لکنه ممن لم يستثن من رجال نوادر الحکمة، فيکون علي المبني مقبول الرواية، وکذا هو من رجال مزار بن المشهدي، والکلام فيه کسابقه، لو أمکن رد إشکال بعض الأعلام من کونه أي بن المشهدي من المتأخرين، فيکون توثيقه غير معتبر لکونه اجتهاديا، هذا ولکن قد نقل في جامع الرواة عن خلاصة العلامة أنه يضعفه. والکلام فيه کالکلام في سابقه من حيث أن تضعيف العلامة ـ عند البعض ـ کتوثيقه يعتبر اجتهاديا. والحسن بن راشد مشترک بين اثنين: ثقة من أصحاب الجواد، وضعيف من أصحاب الصادق ـ کما عن ابن الغضائري ـ لکن قد شکک الرجاليون في نسبة کل ما هو موجود في الکتاب للشيخ بن الغضائري. والحسين بن ثوير ثقة.

[5] جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد، عن عبد الله بن عبد الرحمن الاصم، عن مدلج، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله... - وفي السند مدلج ولم يوثق، وعبد الله بن عبد الرحمن الأصم وهو ضعيف وعلي بن محمد بن سالم وهو أيضا مجهول إلا أن يکون سالم محرف سليمان کما احتمل السيد الخوئي. فالرواية ضعيفة.

[6] محمد بن الحسن بإسناده عن أبي طالب الانباري عبد (عبيد) الله بن أحمد، عن الاحنف بن علي، عن ابن مسعدة، عن إسماعيل بن مهران، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن ابن مسکان، عن أبي بصير.. وفي السند الأحنف بن علي ولم يوثق، وابن مسعدة وهو کذلک، وعبد الله بن عبد الرحمن ويظهر أنه الأصم سابق الذکر، وله کتاب المزار، وفيه تخليط وغلو کما ذکروا إضافة إلي ضعف الرجل.

[7] السُّفر جمع سفرة، والأخبصة جمع خبيص أو خبيصة نوع من الحلواء.

[8] جعفر بن محمد بن قولويه عن الحکيم بن داود، عن سلمة بن الخطاب، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحکم، عن بعض أصحابنا قال.. - السند فيه الحکيم بن داود وهو لم يوثق توثيقا خاصا لکنه من مشايخ صاحب کامل الزيارات، وسلمة ضعيف في الحديث، والرواية مرسلة.

[9] عن محمد بن الحسن، عن الحسن بن علي بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن زرعة بن محمد، عن المفضل بن عمر قال.