بازگشت

لماذا لم نجد عددا من الصحابة المخلصين مع الحسين؟


الجواب: إذا كان المقصود أن يستدل علي عدم صوابية خروج الحسين عليه السلام وثورته بعدم خروج أولئك الصحابة معه، فهذا يذكرنا بحوار أبان بن تغلب مع بعضهم، فعن عبد الرحمن بن الحجاج قال: كنا في مجلس أبان بن تغلب فجاء شاب فقال: يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب عليه السلام من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله! فقال له أبان: كأنك تريد أن تعرف فضل علي عليه السلام بمن تبعه من أصحاب رسول الله صلي عليه وآله! فقال الرجل: هو ذاك، فقال أبان: والله ما عرفنا فضلهم إلا باتباعهم إياه. [1] .

وأما بالنسبة إلي الحادثة التاريخية:

ـ فالذي يظهر أن الامام الحسين عليه السلام لم يدع إلي الخروج معه من أول الأمر في المدينة، وإنما دعي أهل بيته، وبعض بني هاشم، وكانوا خارجين في وجهة أمرهم تلك إلي المدينة، ولذا فإن عددا كبيرا من الناس لم يدعهم الحسين عليه السلام إلي نصرته، مع إلتقائه بهم ورؤيتهم له خارجا من المدينة. خصوصا أن خروج الامام عليه السلام من المدينة كان أمرا سريعا، فبعد أن حصلت المواجهة الكلامية ليلا في قصر الامارة عند الوليد بن عتبة بين الامام الحسين وبين مروان بن الحكم، وأعلن الامام موقفه الصريح، لم يلبث إلا إلي نهار اليوم التالي حتي كان في طريق الخروج من المدينة إلي مكة، وهذا بلا شك لم يكن ليتيح له فرصة كافية للدعوة إلي النصرة بنحو عام [2] .

بل إننا نجد أنه حتي حين خروج الحسين عليه السلام من مكة وقد تلاحقت الأحداث بنحو أكثر مما كانت في المدينة، لم يدع الامام كل من لقيه لنصرته، وللالتحاق به.

وربما كان بعضهم لم يربطوا بين خروجه وبين ضرورة نصرتهم إياه، فقد مر عليه الفرزدق في التنعيم وسأله عن الناس هناك، وغادره الفرزدق ولا يظهر في الحوار بينهما أثر لدعوة الحسين إياه ولا في فهمه للزوم نصر الحسين. وهكذا بشر بن غالب الذي قيل إنه سأل الحسين عن قول الله (يوم ندعو كل أناس بإمامهم).. نعم في بعض الروايات نقل أنه دعا مثل عبد الله بن عمر فقال له في حواره إياه (فاتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي..). ومثل عبيد الله بن الحر الجعفي الذي قال له في جملة كلام (.. وأنت يا ابن الحر فاعلم أن الله عز وجل مؤاخذك بما كسبت وأسلفت من الذنوب في الأيام الخالية، وأنا أدعوك في وقتي هذا إلي توبة تغسل بها ما عليك من الذنوب، وأدعوك إلي نصرتنا أهل البيت، فإن أعطينا حقنا حمدنا الله علي ذلك وقبلناه، وإن منعنا حقنا وركبنا بالظلم كنت من أعواني علي طلب الحق).

وهكذا يظهر أن دعوة الامام الحسين عليه السلام العامة مقرونة بتوضيح أنه ليس ذاهبا لأجل الغنائم، وإنما للموت الذي (خط علي ولد آدم مخط القلادة علي جيد الفتاة..) فمن كان يتوسم فيه ـ بحسب حكم الظاهر ـ حرصه علي السعادة والشهادة كان يدعوه. تلك الدعوة إنما كانت بعد أن عزم علي الخروج من مكة. وتواصلت عند توقفه في منازل الطريق.

وبلغت ذروتها بالوصول إلي كربلاء. فكان يدعو الآخرين إلي نصرته، أو لا أقل الابتعاد عن الواقعة لو لم ينصروه، فإنهم لو تركوا نصرته، وهو يواجه القتل مع كونه الامام المفروض طاعته علي الناس، من يترك ذلك (أكبه الله علي منخريه في نار جهنم) كما قال عليه السلام.

ثم إن بعض هؤلاء كانوا قد أبدوا صفحة عذرهم، فقد اعتذر مثلا صوحان بن صعصعة بن صوحان العبدي بزمانة (مرض مزمن مقعد) رجليه، وذلك عندما رجع الامام زين العابدين إلي المدينة مع عيال أبيه.

وقد قيل بالنسبة إلي محمد بن الحنفية أنه كان قد أبقاه الحسين عليه السلام ليكتب له ما يكون من أمر الحجاز، كما أنه قيل أنه أيضا كان قد أصيب في بدنه بحيث لم يكن يستطيع القتال. وابن عباس كف بصره في أواخر عمره ولعله كان كذلك حين خرج الامام إلي العراق.


پاورقي

[1] رجال النجاشي في ترجمة أبان بن تغلب.

[2] ذکر المحقق المقرم رحمه الله في کتابه مقتل الحسين أن الحسين دعا عبد الله بن عمر لما جاءه مودعا حين خروجه من المدينة، وقال له: اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي! ولکن الصحيح أن هذا الحوار لم يجر في المدينة وإنما حين عزم الحسين علي الخروج من مکة إلي العراق.