بازگشت

من الملاحظ ان الامام الحسين قال في اثناء خروجه من المدينة كلاما..


من الملاحظ ان الامام الحسين قال في اثناء خروجه من المدينة كلاما، واثناء خروجه من مكة كلاما آخر، وفي الطريق.. غيره وهكذا في كربلاء؟ كيف تفسرون تعدد لحن هذه الكلمات؟ والمعاني المختلفة فيها؟

الجواب: مع التنبيه علي دقة ملاحظة السائل، ونظرته الفاحصة نقول:

نعم يلاحظ المتأمل، أن هناك تعددا في طريقة إجابات الإمام الحسين عليه السلام، ولعل في النقاط التالية ما يلقي بضوء علي السبب:

1- من المعلوم أن مستويات السائلين للإمام الحسين عليه السلام تتفاوت وتختلف، فمن الحكمة أن تكون الأجوبة علي (قدر عقولهم) فليس معقولا أن يجيب شخصا قد تربي علي التخاذل، وآثر الحياة الدنيا، بأنه لا بد من الثورة علي الظالمين، وأمر الاسلام أعز من أمر الشخص وحياته. ولو أجابه بذلك النحو لما وافق الحكمة. وإنما ينبغي أن يقرب له الهدف الذي ينشده بمقدار ما يستطيع ذلك الشخص تعقل وإدراك الكلام الحسيني.

2- إن النصوص التي تركها الإمام الحسين عليه السلام من خلال محاوراته أو تلك التي ابتدأ بها الناس، تنقسم إلي قسمين:

ـ قسم يمكن اعتباره وثائق أساسية تمثل العناوين الرئيسة لكامل نهضته وحركته، وتلقي الضوء علي كل تفاصيلها.وهي بمثابة (الروايات الحاكمة) في تعبيرات الفقهاء، التي تقوم بالشرح والتفسير لغيرها، ولو خالفتها غيرها فإن هذه الروايات الحاكمة، هي التي تتقدم، بغض النظر عن نسبة باقي الروايات إليها.

هنا أيضا في النهضة الحسينية نحن نجد بعض الكلمات له صلوات الله عليه بمثابة هذه الروايات الحاكمة، وخطابات أو وصايا هي التي تفسر مجمل حركته.

وهناك قسم من كلماته، لا تعبر عن هذا المعني المتقدم، وإنما ربما قيلت في جواب من لم يشأ الإمام عليه السلام أن يخبره بتفاصيل أهدافه. والخطأ الذي قد يقع فيه مؤرخون أو قراء للسيرة هو الخلط بين القسمين من الكلمات، فيقيسون نهضة الحسين بمقياس الكلمات من القسم الثاني مع أنها لا ينبغي أن تقاس إلا بالنحو الأول.

3- إن هناك عدة عوامل يمكن الحديث عنها في النهضة الحسينية، وكل واحد من هذه العوامل كان يتطلب نوعا من رد الفعل، والتوجيه الخطابي والثقافي، وكان الإمام عليه السلام بحسب تقديره للظرف يجيب بالنحو المناسب.

فقد كان من عوامل النهضة الحسينية [1] : رفض البيعة ليزيد، واستجابته لدعوة أهل الكوفة بأن يقدم إليهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهذه العوامل بينها ترتب في الأهمية، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان أهم العوامل، جميعا وقد حدد الإمام عليه السلام في بداية خروجه هدفه بأنه يريد هذا الأمر، وبقي هذا العامل علي قوته ودفعه إلي الأخير، بعدما تعطلت العوامل الأخري، فإنه بعدما ظهر للجميع أن دعوة أهل الكوفة ليست بتلك الصورة، وإن كان الحسين عليه السلام ليس بعيدا عنها، ولكنه لم يكن ليستطيع أن يغفل آلاف الرسائل الواردة إليه من قبلهم، بما كان يقوله آخرون أنهم لن يفوا ولن يستمروا ولن يصمدوا وبالتالي فإن عليه أن لا يعطيهم غير الأذن الصماء. هذا لم يكن صحيحا، وإنما استجاب الإمام عليه السلام إلي بيعة أهل الكوفة وطلبهم منه أن يقدم عليهم.

ولكن هذا العامل لم يكن العامل الأساس، فقد أشار عليه الكثيرون ومنهم ناصحون له بأن لا يذهب إليهم، ولم يكن أيضا بالذي يعزب عنه الرأي.

كما أن عامل رفض البيعة لم يكن العامل الأساسي وإن كان أهم من عامل بيعة أهل الكوفة، إلا أنه كان يمكن له أن يتخلص من البيعة باللجوء إلي اليمن أو الاحتماء بالحرم أو غير ذلك مما أشار عليه به عدد من الصحابة.

والخطأ هو عندما تختلط هذه الأمور فيظن البعض أن الحسين إنما خرج استجابة لكلام أهل الكوفة، فخُدع بهم!! بينما هو يقول أنه إنما خرج لطلب الإصلاح وللأمر بالمعروف.

وقد تحدث الإمام عليه السلام عن كل واحد من العوامل علي حدة، وفي بعض الحالات كان يجمع عاملين في الحديث. كما سيأتي.

من الأمثلة علي العناوين العامة وهي بمثابة الأصول الأصيلة للثورة الحسينية ما يلي من الكلمات:

1- ما قاله الحسين عليه السلام في جواب الوليد بن عتبة بن أبي سفيان عندما دعاه إلي مبايعة يزيد أراد الإمام عليه السلام أن ينهي اللقاء بنحو (دبلوماسي) فقال له كلاما قبله الوليد وهو (ان مثلي لا يعطي بيعته سرا، وانما احب ان تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة، ولكن إذا كان من الغد ودعوت الناس الي البيعة دعوتنا معهم فيكون أمرنا واحدا). وكان يمكن أن ينتهي اللقاء بهذا النحو.. ولكن دخول مروان بن الحكم علي الخط اضطر الإمام الحسين عليه السلام أن يكشف آخر سطر في صفحة موقفه: (أيها الامير! أنا اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحل الرحمة وبنا فتح الله وبنا ختم، و يزيد رجل فاسق شارب خمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع لمثله، ولكن نصبح وتصبحون وننتظر وتنتظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة).

وهذه الكلمات التي قالها في التالي تختلف اختلافا كبيرا عن ما قاله في البداية، ففي البداية كان يريد انهاء الأمر وديا من دون، إعلان موقف صريح وكان الوليد بن عتبة راغبا في حل الأمور بذلك النحو. فلم يكن يريد الاصطدام مع الحسين عليه السلام، لكن فيما بعد جرت الأمور بنحو جعل الحسين عليه السلام يضع الأمر في إطاره العقيدي، والسياسي الصريح، وقال موقفه بأن (مثلي لا يبايع مثله) معللا ذلك بأنه (أهل بيت النبوة بنا فتح الله وبنا يختم.. بينما يزيد رجل فاسق شارب خمر..).

2- وصية الإمام الحسين عليه السلام لأخيه محمد بن الحنفية تعتبر من الأصول التي تكشف عن أغراض وأهداف الحسين من ثورته المقدسة، فقد كتب (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصي به الحسين بن علي بن أبي طالب إلي أخيه محمد المعروف بابن الحنفية: أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، جاء، بالحق من عند الحق، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لاريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأني لم أخرج أشرا، ولابطرا، ولا مفسدا، ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي، اريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب عليهما السلام، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولي بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين، وهذه وصيتي يا أخي اليك وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه انيب).

وهذه الوثيقة التاريخية، التي يحصر فيها عليه السلام هدف ثورته بـأنه إنما خرج لطلب الإصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسير بسيرة جده وأبيه.. من أهم الوثائق التأريخية التي حفظت للثورة سطوعها وصفاءها.

3- من المواضع التي جمع فيها الحسين عليه السلام بين أكثر من عامل للحديث عن دعوة أهل الكوفة، وبين أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمسؤولية ما نقله المؤرخون من ان الحسين عليه السلام خطب اصحابه و اصحاب الحر بالبيضة فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: (أيها الناس، ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: (من رأي سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقا علي الله أن يدخل مدخله). ألا وان هولاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، واظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفئ، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلال الله، وأنا أحق من غير. قد أتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فان تممتم علي بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي، وابن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم في اسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم! والمغرور من اغتر بكم، فحظكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم ومن نكث فانما ينكث علي نفسه وسيغني الله عنكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).

وأما القسم الثاني من كلماته عليه السلام، والتي كانت أشبه بدفع الجواب، والحديث مع الطرف المقابل بما يقنع به، فهي كثيرة: منها.

ما قاله الإمام الحسين عليه السلام للمسور بن مخرمة الذي (نصح) الحسين بأنه: اياك ان تغتر بكتب اهل العراق أويقول لك ابن الزبير: الحق بهم فانهم ناصروك. اياك ان تبرح الحرم فانهم ان كانت لهم بك حاجة فسيضربون اليك آباط الابل حتي يوافوك فتخرج في قوة وعدة. فجزاه الحسين عليه السلام خيرا وقال: استخير الله في ذلك.

فإن طريقة الحسين عليه السلام في نهضته لم تكن قائمة علي الاستخارة، هذا بناء علي أن مقصود الإمام هو الاستخارة المعروفة.

ومثله كلامه عليه السلام مع أبي بكر(عمر) ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، الذي قال له: يا ابن عم ان الترحم نظارتي عليك وما أدري كيف أنا عندك في النصيحة لك؟

قال: يا أبا بكر ما أنت ممن يستغش ولا ُيتهم فقل. قال: قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك وأنت تريد أن تسير إليهم وهم عبيد الدنيا فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك و يخذلك من انت احب إليه ممن ينصره فاذكرك الله في نفسك.

فقال له الحسين عليه السلام: جزاك الله يابن عم خيرا فقد اجتهدت رأيك ومهما يقضي الله من أمر يكن.

فقال أبو بكر: انا لله عند الله نحتسب أبا عبد الله.

وهكذا قوله لعبد الله بن مطيع العدوي، الذي استقبله في طريق مكة فقال أين تريد أبا عبد الله جعلني الله فداك؟! قال: (أما في وقتي هذا أريد مكة، فإذا صرت إليها استخرت الله تعالي في أمري بعد ذلك). فقال له عبد الله بن مطيع: خار الله لك يا ابن بنت رسول الله فيما قد عزمت عليه، غير أني أشير عليك بمشورة فاقبلها مني. فقال له الحسين عليه السلام: (وما هي يا ابن مطيع؟) قال: إذا أتيت مكة فاحذر أن يغرك أهل الكوفة، فيها قتل أبوك، وأخوك بطعنة طعنوه كادت أن تأتي علي نفسه، فالزم الحرم فأنت سيد العرب في دهرك هذا، فوالله لئن هلكت ليهلكن أهل بيتك بهلاكك والسلام. وروي الدينوري: أن الإمام عليه السلام قال لابن مطيع: (يقضي الله ما احب).

ـ ويمكن أن نصنف أيضا إجاباته القائلة بأنه رأي رسول الله صلي الله عليه وآله، وأنه أمره بأمر، لا بد أن يمضي إليه لما أخبره الرسول.في هذا الجانب.وليس معني ذلك أنه لم يكن الخبر حقيقيا، ولكنه بهذه الطريقة يقطع النزاع مع أشخاص مثل ابن عباس أو ابن الحنفية بحيث لا مجال مع ذلك للحديث عن الأفضل والأحسن..

إننا نلاحظ التركيز في بعض الأماكن كان علي كلمات بعينها، باعتبار أن السامعين أقرب إلي فهم تلك المفردات والمعاني، فمثلا هو عليه السلام في المواجهة العسكرية مع الجيش القادم من الكوفة يركز علي أنهم هم الذين دعوه، وطلبوه، وهذا أبلغ في الاحتجاج [2] انظر مثلا إلي خطبته في الجيش المعادي يوم عاشوراء: قال عليه السلام:

فتبا لكم أيتها الجماعة وترحا أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم..

ولعل هذه الخطبة كانت نهاية نقطة التحول الذي حدث عند الحر الرياحي، وهو نفسه عندما خطب في جيش الكوفة بعد انتقاله إلي معسكر الحسين عليه السلام ركز علي هذه النقاط أيضا فقال: يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر إذ دعوتموه حتي إذا أتاكم أسلمتموه وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب فمنعتموه التوجه في بلاد الله العريضة حتي يأمن ويأمن أهل بيته وأصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع ضرا وحلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه وهاهم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا أسقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه [3] .


پاورقي

[1] حقيقة النهضة الحسينية: الشهيد مرتضي مطهري، تعريب صادق البقال.

[2] جاء في ترجمة الشهيد عمر بن ضبيعة التميمي، أنه کان شجاعا وکان ممن خرج مع عمر بن سعد فلما رأي رد الشروط علي الحسين وعدم تمکينهم إياه من الرجوع من حيث أتي انتقل إلي الحسين، وهکذا حال يزيد بن زياد (أبو الشعثاء الکندي) وغيره.

[3] الطبري ج 4 ص 326.