بازگشت

هل التقي الركب الحسيني بجابر بن عبدالله الانصاري؟


بعد رحلة متعبة ومجهدة إلي الكوفة ثم إلي الشام، استمرت قرابة أربعين يوما، عاد الركب الحسيني محملا بأثقال الألم، إلي جانب أكاليل النصر و تحقيق هدف النهضة الحسينية (وهل كانت ولادة الأهداف السامية من غير ألم؟)، واتجه إلي كربلاء..حيث موطن الذكريات. وهناك التقي عند المصرع بجابر بن عبد الله الأنصاري فقد روي الشيخ عماد الدين محمد بن أبي القاسم محمد بن علي الطبري في كتابه بشارة المصطفي قصة الحادثة كما يلي:

أخبرنا الشيخ الامين ابوعبدالله محمد بن شهريار الخازن بقرائتي عليه في مشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في شوال سنة اثني عشرة وخمسمائة قال أملي علينا ابوعبدالله محمد بن محمد البرسي قال أخبرني ابوطاهر محمد بن الحسين القرشي المعدل قال حدثنا ابوعبدالله أحمد بن أحمد بن حمران الأسدي قال حدثنا ابوأحمد اسحق بن محمد بن علي المقري قال حدثنا عبدالله قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن الايادي قال حدثنا عمر بن مدرك قال حدثنا يحيي بن زياد الملكي قال أخبرنا جرير بن عبدالحميد عن الاعمش عن عطية العوفي قال: خرجت مع جابر بن عبدالله الانصاري زائرين قبر الحسين بن علي بن أبي طالب ع فلما وردنا كربلا دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثم اتزر بأزار وارتدي بآخر ثم فتح صرة فيها سعد فنثرها علي بدنه ثم لم يخط خطوة إلا ذكر الله تعالي حتي اذا دنا من القبر قال ألمسنيه فألمسته فخر عل القبر مغشيا عليه فرششت عليه شيئا من الماء فلما أفاق قال يا حسين ثلاثا ثم قال حبيب لا يجيب حبيبه ثم قال واني لك بالجواب وقد شحطت أوداجك علي أثباجك وفرق بين بدنك ورأسك فاشهد انك ابن خاتم النبيين وابن سيد المؤمنين وابن حليف التقوي وسليل الهدي وخامس أصحاب الكسا وابن سيد النقباء وابن فاطمة سيدة النساء وما لك لا تكون هكذا وقد غذتك كف سيد المرسلين وربيت في حجر المتقين ورضعت من ثدي الإيمان وفطمت بالإسلام فطبت حيا وطبت ميتا غير ان قلوب المؤمنين غير طيبة لفراقك ولا شاكة في الخيرة لك فعليك سلام الله ورضوانه وأشهد انك مضيت علي ما مضي عليه أخوك يحيي بن زكريا.

ثم جال بصره حول القبر وقال: السلام عليكم أيتها الارواح التي حلت بفناء الحسين وأناخت برحله وأشهد أنكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين وعبدتم الله حتي أتاكم اليقين والذي بعث محمدا بالحق نبيا لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.

قال عطية: فقلت له يا جابر كيف ولم نهبط واديا ولم نعل جبلا ولم نضرب بسيف والقوم قد فرق بين رؤوسهم وأبدانهم وأوتمت أولادهم وأرملت أزواجهم فقال يا عطية سمعت حبيبي رسول الله صلي الله عليه وآله يقول من أحب قوما حشر معهم ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم والذي بعث محمدا بالحق نبيا ان نيتي ونية أصحابي علي ما مضي عليه الحسين ع وأصحابه. خذني نحو إلي أبيات كوفان فلما صرنا في بعض الطريق قال يا عطية هل اوصيك وما اظن انني بعد هذه السفرة ملاقيك أحبب محب آل محمد صلي الله عليه وآله ما أحبهم وابغض مبغض آل محمد ما أبغضهم وإن كان صواما قواما وارفق بمحب محمد وآل محمد فانه إن تزل له قدم بكثرة ذنوبه ثبتت له اخري بمحبتهم فان محبهم يعود إلي الجنة ومبغضهم يعود إلي النار [1] .

وقد شكك الشهيد الشيخ المطهري رحمه الله في الملحمة الحسينية بأمر لقاء الركب الحسيني بجابر بن عبد الله الأنصاري، وذكرها تحت عنوان التحريفات اللفظية: قصة زيارة الأسراء لقبر الحسين في كربلاء وملاقاة السجاد لجابر وذلك بعد أن وصل الأسري إلي مفترق طريق بين المدينة والعراق والاستعانة بالنعمان بن بشير لمعرفة طريق كربلاء في حين أن حقيقة الزيارة المعروفة هي زيارة جابر وعطية العوفي لقبر الحسين لا غير. (هذا علي فرض كون كل ما جاء في الطبعة العربية المترجمة صحيح النسبة إلي الشهيد المطهري وهو ما لم يقبله المحقق السيد جعفر العاملي في كتابه الجديد كربلاء فوق الشبهات).

ولم يذكر الشهيد المطهري رحمه الله ـ وهو المحقق المتتبع ـ ما يدل علي كون الواقعة غير حقيقية، أو جهة كونها من التحريفات اللفظية! ولعل حرصه علي أن تكون الأمور محققة وحماسه ضد المبالغات غير المقبولة في السيرة الحسينية كما يلحظ ذلك قارئ الملحمة أدي به لذلك.

فمع أننا لا نجد تأريخا صريحا للواقعة في المصادر التاريخية القديمة ـ في الباقي منها ـ كما هو الحال في الباقي من مقتل أبي مخنف الأزدي، والذي نقل منه الطبري كثيرا، ولم ينقله بكامله، وإنما نقل ما يرتبط بالقضية التأريخية التي تنفعه في كتابه.. و لا يضر عدم ذكره الواقعة فإنه لم يذكر أصل زيارة جابر الانصاري، كما لا يضر عدم ذكرها في المصادر التاريخية القديمة. فإن أول من ذكر الزيارة هو صاحب بشارة المصطفي المتوفي بعد سنة 553 هـ فإنه قد التزم الشيخ الطبري بأنني (سميته بكتاب بشارة المصطفي لشيعة المرتضي صلوات الله عليهم ولا أذكر فيه إلا المُسنَد من الأخبار عن المشايخ الكبار والثقاة الأخيار..) والشيخ الطبري وهو من تلاميذ ابن شيخ الطائفة الطوسي أعلي الله مقامهم في تلك الطبقة يمكن أن تقبل شهادته في التوثيق وأنها عن حس لا عن حدس واجتهاد. ومع هذا يمكن الاطمئنان إلي وثاقة من هم في سند هذه الرواية التي نقلها في كتابه.. فإنهم يتحدثون في علم الرجال في باب التوثيقات العامة عن كتاب بشارة المصطفي كواحد من الكتب التي تفيد وثاقة من ورد في اسانيد رواياته ـ إما كل من ورد في سلسلة السند كما لعله الأظهر باعتبار أن صاحب الكتاب وهو الضليع في هذا الفن يريد أن يصحح رواياته وهذا لا يتم إلا بالحكم بوثاقة من هم في السند جميعا وإما خصوص مشايخه علي الخلاف المبحوث في بابه ـ.

كما ذكر الشيخ الجليل نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر ابي البقاء هبة الله بن نما الحلي (وهو الشيخ الفقيه الذي كان من الفضلاء والأجلة وكبراء الدين والملة، عظيم الشأن جليل القدر، وأحد مشايخ آية الله العلامة... كما ذكر المحدث القمي في الكني والالقاب وغيره في غيره) و المتوفي سنة 645 هـ في كتابه (مثير الاحزان ص 76 طبع المطبعة الحيدرية في النجف الاشرف بنحو الاختصار موضوع اللقاء بين جابر وبين ركب السبايا فقال ولما مر عيال الحسين بكربلا وجدوا جابر بن عبدالله الانصاري رحمة الله عليه وجماعة من بني هاشم قدموا لزيارته في وقت واحد فتلاقوا بالحزن والاكتياب والنوح علي هذا المصاب المقرح لاكباد الاحباب،..وقد طبع هذا الكلام في حاشية مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي ص 220.

وقد ذكر الموضوع أيضا السيد علي بن طاووس الحلي المتوفي سنة 664 هـ في كتابه اللهوف في صفحة 196 فقال: ولما رجع نساء الحسين وعياله من الشام وبلغوا العراق قالوا للدليل: مر بنا علي طريق كربلاء ووصلوا إلي المصرع فوجدوا جابر بن عبد الله الانصاري رحمه الله وجماعة من بني هاشم قد وردوا لزيارة قبر الحسين فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم.

ونحن لا نري وجود مانع يمنع من الالتزام بالرواية المذكورة، فمن الناحية التاريخية كان دخول السبايا إلي الشام في أول يوم من صفر كما رواه الكفعمي والبهائي والمحدث الكاشاني وكان بقاؤهم في الشام خمسة أو سبعة أيام، ثم عودتهم إلي كربلاء ـ مع ملاحظة أن ذهابهم كان أكثر من ذلك لتوقفهم في الكوفة، ولأنهم كانوا يريدون التفرج عليهم في رحلة الذهاب بخلاف ذلك في رحلة العودة، وعلي أي حال فإن خمسة عشر يوما أو ثلاثة عشر يوما كافية للوصول إلي كربلاء في رحلة العودة.

هذا ولكني عثرت فيما بعد علي كلام لشيخ الطائفة الطوسي رحمه الله يشير فيه إلي يوم الأربعين باعتباره اليوم الذي عاد فيه حرم الحسين عليه السلام إلي كربلاء وهو نفسه اليوم الذي زار فيه جابر بن عبد الله قبر الحسين، فأحببت إضافته إلي هذه الصفحات.

وربما يتوهم أنه اليوم (كتاريخ ومناسبة) لا اليوم الشخصي لكنه بعيد جدا من سياق الخبر كما ستلاحظ: قال الشيخ في مصباح المتهجد: (وفي اليوم العشرين منه كان رجوع حرم سيدنا أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام من الشام إلي مدينة الرسول صلي الله عليه وآله وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري صاحب رسول الله صلي الله عليه وآله ورضي عنه من المدينة إلي كربلاء لزيارة قبر أبي عبد الله عليه السلام فكان أول من زاره من الناس ويستحب زيارته عليه السلام فيه وهي زيارة الأربعين..) [2] .


پاورقي

[1] بشارة المصطفي ص 75.

[2] نقله في الوسائل - ج 14 ص 479، وقال أنه قد روي المفيد ذلک أيضا مرسلا، في (مسارّ الشيعة). قلت: ليس عندي هذا الکتاب حتي أري عبارته.