بازگشت

ماذا لو لم يخرج الحسين ضد يزيد؟


الجواب: حقا هو سؤال جميل، فالعادة أن يتم السؤال عن أنه لماذا ثار الحسين عليه السلام ضد يزيد، وهذا السؤال يتناول القضية من طرفها الآخر.. ما هي الآثار التي يمكن أن تحصل لو لم يخرج الإمام الحسين ولم يقم بثورته؟ ويمكن تصور الآثار في عدة مستويات:

المستوي الأول: في حدود الفكر الإسلامي ـ في حدوده الزمنية في تلك الفترة وللمستقبل ـ: فلو لم يقم الحسين عليه السلام بثورته تلك، لكان لدينا معضلة في كيفية التعامل مع الحاكم الجائر الذي يصل به الأمر إلي حدود التصريح بمخالفة العقائد الدينية كما صدر من يزيد بن معاوية. فكيف يتعامل المسلمون مع مثل هذا الحاكم؟ هل يخضعون له ويتبعونه؟ أو أنهم ينهضون ضده؟ لقد سعي الأمويون وأتباعهم إلي إشاعة الفكرة الأولي ودعموها بروايات نسبوها للرسول حاصلها أنه عليهم السمع والطاعة مهما بلغ الأمر، وأن خروجهم عليه فيه من المفاسد ما هو أكثر من ولايته. ولقد سُخر لهذه الفكرة من الأموال والرجال، لتكون الفكرة العامة السائدة بين المسلمين ما يفوق الوصف والعد. وكان كل حاكم يأتي يحلم بأمة الإسلام وهي خائرة العزيمة مقيدة الحركة، لا تستطيع غير الصبر الذليل، والخنوع الدائم سبيلا. ولولا خروج الحسين عليه السلام وتضحيته بالغالي والنفيس لما أمكن للمسلمين أن ينطلقوا من أسر ذلك الجبت الفكري.

بينما الفكرة الثانية تصطدم بسلوك الإمام الحسين عليه السلام فيما لو لم يخرج، فلو كان الخروج والثورة مشروعة لما تركها الإمام الحسين عليه السلام.

المستوي الثاني: في حدود الوضع التاريخي الذي كان يعيشه الإمام الحسين عليه السلام، فإن تشخيص الإمام للوضع الإسلامي آنئذ هو ما قاله: (وعلي الإسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد). إن وجود شخص مثل يزيد وهو (رجل فاجر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق) علي رأس الحكم والقيادة، يشبه أن تعطي قيادة حافلة مليئة بالركاب في طريق جبلي إلي سائق ثمل، لا يعرف من السكر موضع قدميه! بل هو أعظم.

إن ما رآه المسلمون في السنوات العجاف الثلاث التي تسلط فيها يزيد علي الأمة، وما ارتكب من مخاز و مآثم حيث قتل الحسين عليه السلام وصحبه في الأولي، وأباح المدينة في الثانية وهدم الكعبة في الثالثة، ولو مُد له في العمر لمد حبل الموبقات. ليشير بالصراحة إلي أنه لم يكن هناك مجال آخر أمام الحسين عليه السلام من الناحية الدينية حفاظا منه علي مسيرة الأمة، إلا الخروج والثورة.

المستوي الثالث: انسجام العمل الثوري الذي قام به الحسين مع الأصول الدينية التي يؤمن بها: فهو من جهة روي عن رسول الله صلي الله عليه وآله) من رأي سلطانا جائرا مستحلا لحرام الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا بقول كان حقا علي الله أن يدخله مدخله) وقد طبق هذا علي الوضع الموجود آنئذ (ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله و أنا أحق من غيّر).

ولو لم يفعل ما فعله لكان متناقضا ـ والعياذ بالله ـ، فكيف يقول من جهة أن يزيد هكذا ثم يسالمه ويبايعه ويترك الأمر له؟

إن مبايعة الحسين ليزيد وسكوته عنه، يعني إمضاء الخطأ الذي ارتكبه معاوية بتولية ابنه يزيد شؤون الخلافة، وهو الخطأ الذي وقف أمامه الحسين عليه السلام في أيام معاوية عندما قال له: لعلك تصف غائبا أو تنعت محجوبا، فخل بين يزيد وبين الكلاب المهارشة عند التهارش والحمام السبق لأترابهن ودع عنه ما تحاول من الخلافة!! فهل يمضي اليوم ما رفضه بالأمس؟ و هل يمضي ببيعته ليزيد أعماله المخالفة للدين؟ إنه حينئذ يفقد صفات الإمام..

قد يقول قائل: إن الحسين لو ترك يزيدا وشأنه، فلا هو يثور عليه، ولا يبايعه.. ألم يكن ذلك مخرجا مناسبا؟

وجوابه: أننا لا نفتش عن مخارج للحسين عليه السلام!! ولم يكن يزيد بالذي يترك الحسين عليه السلام، فإن هؤلاء الظالمين لا يحتملون أحدا يكون إلي جانبهم، وهو أضعف منهم شأنا فكيف إذا كان أعلي منهم منزلة، وأرفع شأنا عند الخلائق؟ وقد بين الإمام عليه السلام أن الأمر قد انتهي بقوله: (ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة [1] والذلة وهيهات منا الذلة) وفي ذلك إشارة إلي سياسة يزيد، وإلي رسالته لواليه علي المدينة، فإن يزيد قد أرسل رسالة ليقرأها علي الناس وأرسل إليه في صحيفة كأنها أذن فأرة أما بعد: فخذ حسينا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة اخذا شديدا ليست فيه رخصة حتي يبايعوا والسلام [2] .


پاورقي

[1] أي استلال السيوف.

[2] مقتل الحسين للأزدي.