بازگشت

عن صوم يوم عاشوراء ما هو الاصل فيه؟


يقول علماؤنا أنه يحرم صوم يوم عاشوراء إذا صامه الرجل بنية التبرك والتيمن لما ورد في الرواية أن (من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد، قال: قلت: وما كان حظهم من ذلك اليوم؟ قال: النار)، وإذا صامه بقصد انه مستحب علي العموم كسائر أيام السنة التي لا خصوصية فيها، صح صومه ووقع مكروها، وإذا أمسك فيه عن المفطرات حزنا إلي ما بعد العصر ثم افطر كان مستحبا من غير كراهة.

وأما تفصيل المطلب فإنه يوجد في مصادر الجمهور روايات متعددة حول صوم يوم عاشوراء واستحباب ذلك، وأنه كفارة سنة أو غير ذلك، كما يستفاد منها أيضا أن صوم عاشوراء كان مألوفا ومعروفا في مكة فكان اهل الجاهلية كانوا يصومونه، وكان النبي صلي الله عليه وآله يصومه أيضا فلما نزل شهر رمضان تركه، بينما في روايات أخري ما هو مخالف لهذا بل تشير إلي أن أمر صوم عاشوراء كان مجهولا، وغير معروف حتي للنبي صلي الله عليه وآله وإنما كان موجودا لدي اليهود فاستغرب لما سمع عن صومه، وسأل عن مناسبة ذلك فأخبروه أنه لأجل إنتصار موسي علي فرعون، فقال: أنتم أولي بموسي منهم. والأمران لا ينسجمان فإن معني صوم أهل الجاهلية له ـ بل وصوم النبي له ـ أن يكون معروفا عند النبي صلي الله عليه وآله، بينما استغراب النبي وسؤاله بحسب الرواية الأخري عن هذا الصوم وما شأنه؟ يعني أنه لم يكن معروفا عنده صلي الله عليه وآله.

فمن الروايات ما ورد في مسند احمد عن ابن عمر قال كان يوم عاشوراء يوما يصومه أهل الجاهلية فلما نزل رمضان سئل عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم قال هو يوم من أيام الله تعالي من شاء صامه ومن شاء تركه

وفيه أيضا: عن ابن عباس قال قدم رسول الله صلي الله عليه وسلم المدينة فإذا اليهود قد صاموا يوم عاشوراء فسألهم عن ذلك فقالوا هذا اليوم الذي ظهر فيه موسي علي فرعون فقال النبي صلي الله عليه وسلم لأصحابه أنتم أولي بموسي منهم فصوموه.

كذلك فإننا نعتقد، ويفترض أن جميع المسلمون يعتقدون، بأن النبي صلي الله عليه وآله كان أعلم بدين موسي وعيسي من الأحبار والرهبان الذين كانوا حينئذ ـ فضلا عن عامة اليهود والنصاري ـ. فقد سبق أن قال لعدي بن حاتم وكان علي دين النصاري ومتعمقا فيه: أنا أعلم بدينك منك [1] .

وفي نفس الوقت كان حساسا تجاه النفوذ اليهودي لنفوس المسلمين ودينهم فقد كان الله يعلم (تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها)، وذلك (لئلا يكون للناس عليكم حجة). وعندما حاول بعض المسلمين أن يقرأ التوراة وينقل ما فيها من المواعظ نهره النبي ونهاه عن ذلك. فكيف يقوم هو بأمر الناس بأن يتابعوا اليهود في صومهم!!

وقبيل الانتهاء من هذه الكتاب عثرت علي مناقشة جيدة للمحقق العاملي في الموضوع فألحقت حاصلها به لتتم الفائدة: قال في كتابه الصحيح من سيرة الرسول:

ونحن نعتقد ونجزم: بأن ذلك كله من نسج الخيال. فبعد غض النظر عن:

1 - المناقشة في أسانيد تلك الروايات، فإن فيهم من لم يات إلي المدينة إلا بعد عدة سنين من الهجرة كأبي موسي الأشعري، وفيهم من كان حين الهجرة طفلا صغيرا كابن الزبير، وفيهم من لم يسلم إلا بعد سنوات من الهجرة كمعاوية.

2 - وعن تناقضها فيما بينها، يكفي أن نذكر: أن رواية تقول: إنه صام يوم عاشوراء في المدينة، متابعة لليهود، ولم يكن يعلم به. وأخري تقول: إنه كان يصومه هو والمشركون في الجاهلية. وثالثة: إنه ترك يوم عاشوراء بعد فرض شهر رمضان. وأخري: إنه لما صامه قالوا له: إنه يوم تعظمه اليهود، فوعد أن يصوم اليوم التاسع في العام المقبل، فلم يأت العام المقبل حتي توفي (ص)..

وأيضا فإن إطلاق كلمة عاشوراء علي العاشر من محرم إنما حصل بعد إستشهاد الامام الحسين عليه السلام، وأهل بيته وصحبه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ثم إقامة المآتم لهذه المناسبة من قبل أئمة أهل البيت (ع) وشيعتهم رضوان الله تعالي عليهم، ولم يكن معروفا قبل ذلك علي الاطلاق. وقد نص أهل اللغة علي ذلك، فقد قال ابن الأثير، هو اسم إسلامي. وقال ابن دريد: إنه اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية. وثالثأ: إننا لم نجد في شريعة اليهود صوم يوم عاشوراء، ولا هم يصومونه الآن، ولا رأيناهم يعتبرونه عيدأ أو مناسبة لهم [2] .

ثم إنه يوجد في روايات أهل البيت عليهم السلام ثلاث طوائف من الروايات:

الأولي: ما يدل علي النهي عنه وأن الصائم في ذلك اليوم حظه حظ آل زياد وهو النار كما ورد في رواية عن الصادق عليه السلام. فعن الحسين بن أبي غندر، عن أبيه، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: سألته عن صوم يوم عرفة؟ فقال: عيد من أعياد المسلمين ويوم دعاء ومسألة، قلت: فصوم يوم عاشوراء؟ قال: ذاك يوم قتل فيه الحسين عليه السلام، فان كنت شامتا فصم، ثم قال: إن آل امية نذروا نذرا إن قتل الحسين عليه السلام أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم يصومون فيه شكرا، ويفرحون أولادهم، فصارت في آل أبي سفيان سنة إلي اليوم، فلذلك يصومونه ويدخلون علي أهاليهم وعيالاتهم الفرح ذلك اليوم، ثم قال: إن الصوم لا يكون للمصيبة، ولا يكون شكرا للسلامة، وإن الحسين عليه السلام اصيب يوم عاشوراء إن كنت فيمن اصيب به فلا تصم، وإن كنت شامتا ممن سره سلامة بني امية فصم شكرا لله تعالي.

وفي رواية أخري عن زيد النرسي قال: سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبدالله عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد، قال: قلت: وما كان حظهم من ذلك اليوم؟ قال: النار، أعاذنا الله من النار ومن عمل يقرب من النار.

والثانية: يستفاد منها أنه لا مانع منه وأن رسول الله قد صامه وأنه كفارة سنة منها ما عن أبي همام، عن أبي الحسن عليه السلام قال: صام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء. ومنها ما عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبدالله عليه السلام عن أبيه، أن عليا عليه السلام قال: صوموا العاشوراء التاسع والعاشر، فانه يكفر ذنوب سنة.

والثالثة: فيها التفصيل بأن لا يصام كيوم كامل وإنما إلي ما بعد الظهر، وأن لا يبيت الصيام فيه، وأنه في هذه الصورة يكون مطلوبا. فعن عبدالله بن سنان قال: دخلت علي أبي عبدالله عليه السلام يوم عاشوراء ودموعه تنحدر علي عينيه كاللؤلؤ المتساقط، فقلت: مم بكائك؟ فقال: أفي غفلة أنت؟! أما علمت أن الحسين عليه السلام اصيب في مثل هذا اليوم؟ فقلت: ما قولك في صومه؟ فقال لي: صمه من غير تببيت، وأفطره من غير تشميت، ولا تجعله يوم صوم كملا، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة علي شربة من ماء، فإنه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم...

واعتبر جمع من الفقهاء أن هذه الثالثة جامع بين روايات المنع وروايات الجواز.. هذا مع وجود قائلين بالحرمة مطلقا وقائلين باستحباب الصوم فيه مطلقا، وقائلين بالاستحباب لو صامه علي وجه الحزن..وللحديث المفصل مقام غير هذا المقام، سواء في جهته الأصولية أو في جهته الفقهية.


پاورقي

[1] الطبري 1.

[2] الصحيح من سيرة الرسول ج 4.