بازگشت

ان الحسين اجتهد فاصاب وله اجران و يزيد اجتهدوا خطا فله اجر؟


الجواب: يُرَد علي ذلك بقول الشاعر:

فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل

ومن عجبٍ أن يُجعل الإمام الحسين عليه السلام وهو سيد شباب أهل الجنة وسبط الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله، والإمام بنص الرسول , في كفة ميزان مع يزيد بن معاوية كيف والمقايسة كما يقول الحسين عليه السلام (إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا بدأ الله وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق..) [1] .

وتفصيل الأمر أن يقال:

1- ما هو محل الاجتهاد؟ فهل يستطيع أحد مثلا من المسلمين أن يجتهد في أمر وجود الله؟ أو في نبوة النبي محمد صلي الله عليه وآله؟ فلو توصل مثلا إلي أن الله غير موجود، أو أن محمدا ليس بنبي فهل يثاب علي اجتهاده هذا الذي أخطأ فيه؟ إن ذلك مما لا يقول به عاقل. وذلك أن للاجتهاد محلا محدودا في الفروع أما في الأصول فلا يمكن الاجتهاد [2] .

و الحسين عليه السلام بنص رسول الله صلي الله عليه وآله، مع أخيه الحسن إمامان قاما أو قعدا و هما سيدا شباب أهل الجنة. وهما من أهل البيت الذي طهروا عن الرجس والدنس، وفيهم ورد ما ورد حتي عاد كونهم علي الحق من الضروريات وشبهها عند الفريقين. وللحديث عن ما ورد في مناقبهم وفضائلهم مجال آخر.

فلا يمكن أن يدعي أحد أن أحدا يستطيع أن يجتهد في أمر قتل النبي صلي الله عليه وآله، فيقاتله ثم يقال له إن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران. ومثل ذلك قتال أمير المؤمنين عليه السلام، والحسين.

2- من هو المجتهد.؟ لو فرضنا أن هناك مجالا للاجتهاد ـ وهو الفروع ـ فهل يستطيع كل مسلم أن يجتهد فيها؟ إن الاجتهاد يحتاج إلي طي مراحل مهمة في العلوم الممهدة له حتي يصل المرء إلي مرتبة المجتهد، القادر علي فهم أحكام الدين من خلال استنطاق النصوص، ومعرفة القواعد، وأين يزيد بن معاوية من هذا؟ هل يحتمل أحد أن يكون يزيد من هذا القسم؟ لقد قال الحسين عليه السلام مبينا شخصية يزيد ومستواه، واهتماماته عندما خطب معاوية ذاكرا ليزيد أمورا كاذبة يؤهله فيها للخلافة، قام الحسين عليه السلام فقال:

هيهات يا معاوية: فضح الصبح فحمة الدجي، وبهرت الشمس أنوار السرج، ولقد فضلت حتي أفرطت، واستأثرت حتي أجحفت، ومنعت حتي محلت، وجزت حتي جاوزت ما بذلت لذي حق من اسم حقه بنصيب، حتي أخذ الشيطان حظه الاوفر، ونصيبه الاكمل، وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله، وسياسته لامة محمد، تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنك تصف محجوبا، أو تنعت غائبا، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص، وقد دل يزيد من نفسه علي موقع رأيه فخذ ليزيد فيما أخذ فيه، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبّق لاترابهن، والقيان ذوات المعازف وضرب الملاهي تجده باصرا، ودع عنك ما تحاول..) [3] .

هذا هو يزيد فهل يتفرغ والحال هذه للاجتهاد؟

إننا نعتقد أن مثل هذه الأفكار هي التي تمهد الارضية لأن يأتي بعض الجهلة من المسلمين لكي يفسّقوا الآخرين ويبدّعوهم، وينسبونهم إلي الجاهلية أو الكفر، ثم يقومون بقتلهم.. ولا يتقون الله في دماء المسلمين ولا أعراضهم ولا أموالهم.. وقد شهد عالمنا الإسلامي في هذه الفترة الأخيرة ما يشيب لهوله ناصية الطفل من الجرائم القائمة علي هذا الاساس.. فقتل المسلمين وهو مما ثبت بالضرورة حرمته يصبح ميدانا لاجتهاد أشخاص مثل يزيد، وانتهاك أعراضهم يصبح محلا لفتوي من ليس له نصيب من العلم بمقدار ما له نصيب من الشهوات والانحراف!!.

ثم إن نفس هذا الكلام غير صحيح حتي علي مسلك القوم، فإن مسلكهم هو التصويب ـ لا أقل في بعض الصور ـ بمعني أن ما أدي إليه نظر المجتهد فهو الحق، كما قال الغزالي: (فإذا صدر الاجتهاد التام من أهله وصادف محله (أي ما يجوز فيه الاجتهاد) كان ما أدي إليه الاجتهاد حقا وصوابا) [4] فإما أن يقال أن يزيد مجتهد واجتهاده صحيح لأن ما أدي إليه نظر المجتهد فهو صحيح، فكيف يكون خطأ؟؟ لكن الحق هو ما عرفت من أن مجال الاجتهاد لا يشمل مثل قتل الحسين عليه السلام، كما أن المجتهد هو شخص خاص قد عرف من العلوم المرتبطة بمسائل الدين ما يؤهله لاستنباط الحكم الشرعي في الواقعة. وهو لا ينطبق علي يزيد قطعا.


پاورقي

[1] اللهوف في قتلي الطفوف للسيد بن طاووس - 17.

[2] قال أحمد بن علي الجصاص في کتابه الفصول في الأصول ج 4 ص 11:

الاجتهاد: هو بذل المجهود فيما يقصده المجتهد (و) يتحراه، إلا أنه قد اختص في العرف بأحکام الحوادث التي ليس لله تعالي عليها دليل قائم يوصل إلي العلم بالمطلوب منها، لان ما کان لله عز وجل (عليه) دليل قائم، لا يسمي الاستدلال في طلبه اجتهادا ألا تري أن أحدا لا يقول: إن علم التوحيد وتصديق الرسول صلي الله عليه وسلم من باب الاجتهاد وکذلک ما کان لله تعالي عليه دليل قائم من أحکام الشرع، لا يقال: إنه من باب الاجتهاد، لان الاجتهاد اسم قد اختص في العرف وفي عادة أهل العلم، بما کلف الإنسان فيه غالب ظنه، ومبلغ اجتهاده، دون إصابة المطلوب بعينه، فإذا اجتهد المجتهد، فقد أدي ما کلف، وهو ما أداه إليه غالب ظنه، وعلم التوحيد وما جري مجراه، مما لله عليه دلائل قائمة کلفنا بها: إصابة الحقيقة، لظهور دلائله، و وضوح آياته.

[3] الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري 1- 208.

[4] المستصفي للغزالي 345.