بازگشت

هل كان مجبورا علي النهضة؟


الجواب: إن من أصول عقائد أهل البيت عليهم السلام عقيدة الاختيار، وأن الإنسان مسؤول عن عمله بمقدار ما يكون مالكا لقراره ولاختياره. ولهذا يكون محاسبا عليه.. وهم يعتقدون بذلك خلافا لما روجته المدارس الفكرية الأخري التي تذهب إلي أن الانسان مجبر علي عمله، ومضطر إليه، ولا يعمل شيئا إلا وهو مساق إليه. وقد تحدث القرآن القرآن الكريم عن هذه العقيدة الخاطئة التي تمسك بها بعض الناس لتبرير أخطائهم وانحرافاتهم بل وشركهم كما قال تعالي (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل علي الرسل إلا البلاغ المبين) [1] وفي آية أخري يفضح القرآن الكريم مقاصد أولئك القوم في دعواهم بجبرية عمل الانسان، وأنه مسير إليه لأن الله يعلم ما سيفعله هؤلاء من عمل ولم يمنعهم، ولهذا يعتبر آمرا لهم، وهم لا يملكون مع أمره أمرا، فيقول ـ بعد أن ينسب الفعل إليهم مما يبين أنه لا أحد صنع عنهم العمل بل هم فعلوه، وهم المسؤولون عنه، ثم يقول أيضا إن الله لا يأمر بالفحشاء (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون علي الله ما لا تعلمون،قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون فريقا هدي وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون) [2] .

فعقيدة أهل البيت عليهم السلام وهي القرآن، تنص علي أن الانسان مختار ـ ضمن دائرة علم الله به وأن كل شيء بإذن الله ولكن الله لا يمنع أو يقسر تكوينا وإنما يأمر وينهي تشريعا ـ وبناء علي اختياره ذاك يكون مثابا ومحاسبا و(قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها).

والامام الحسين عليه السلام ـ كآبائه الطاهرين ـ يتحرك ضمن هذه الفلسفة، فهو يقول (إنما خرجت لطلب الاصلاح.. أريد أن آمر بالمعروف..) فهو ينسب هذه الأفعال في الحركة المباركة تلك إلي نفسه وإلي عمله واختياره هذا الطريق. وهذا ما فهمه من رافقه فعلي ابنه الأكبر عليه السلام يقول (لا نبالي وقعنا علي الموت أو وقع الموت علينا).

وما ينقل مما ظاهره خلاف ذلك ينبغي أن يفهم في هذا الاطار، ذلك أن الإمام لا يقول هنا ـ في هذه الحادثة ـ شيئا يخالف ما هو عليه من الاصول الثابتة التي يصرح بها في سائر الأماكن.. كقوله مثلا (وخِير لي مصرع أنا لاقيه) مما يتصوره البعض أنه مجبور علي ذلك، أو قوله (شاء الله أن يراني قتيلا) أو الرواية القائلة بأن كل واحد من الأئمة كان لديه كتاب ينظر فيه فيعمل بموجبه.. فالأولان من الأقوال معناها أن مصرعي ليس مجهولا علي وإنما يأتي عن اختيار، وخطة إلهية، فلست غافلا عنه كما أنه ليس ناتجا من أشر أو بطر أو شهوة للقتال وإنما هو ضمن التخطيط الالهي، الذي سأختاره لأني أختار رضي الله وبرغبة مني في الاصلاح فسيكون نتيجة كل ذلك هو أن يراني الله قتيلا. وهناك تفصيل لهذا المعني في سؤال خاص.

كما أن الرواية المذكورة، لو تمت من ناحية السند [3] تعني أن طريقة عمل كل إمام من الأئمة كانت تختلف عن طريقة الإمام الآخر تبعا لاختلاف الظروف، ولذا كان عليه أن يطيع أمر الله التشريعي في خدمة الدين بهذا النحو المعين في الوصية.


پاورقي

[1] النحل - 35.

[2] الاعراف 30.

[3] في أکثر طرقها المفضل بن صالح (أبو جميلة) وهو کما قالوا ضعيف کذاب يضع الحديث کما عن رجال ابن داود، وعن النجاشي في ترجمة جابر بن يزيد أيضا تضعيفه، وفي بعضها الآخر مجهولون.