بازگشت

كيف يمكن تصديق الروايات التي تعد بثواب عظيم لاجل عمل بسيط


الجواب: هذا الأمر لا يختص بالموضوع الحسيني فإن هناك الكثير من الروايات لسانها ذلك اللسان..

فقد روي عن النبي أنه قال: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة [1] وعنه صلي الله عليه أيضا: من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت أكثر من زبد البحر [2] ومن قال سبحان الله وبحمده كتب له مائة ألف وأربع وعشرون ألف حسنة [3] .

ومثلها أيضا في المجاميع الروائية لأهل البيت عليهم السلام. ونظرا لكثرتها العظيمة في كتب الفريقين (السنة والشيعة) فلا ينبغي الخوض في أسانيدها علي أن ما فيها من الأحاديث المعتبرة شيء ليس بالقليل.. فينبغي أن يكون الجواب عاما هنا وفي سائر المواضع. والجواب قد يمكن تمهيده عبر مقدمات:

1ـ أن الثواب عند الله سبحانه وتعالي لا حدود له، ومشكلة الإنسان أنه يقيس المعادلات الالهية بمقاييسه هو وهي مقاييس صغيرة وحقيرة للغاية. وهناك مشكلة أخري وهي أننا لا نعرف كيفية الارتباط بين الفعل الإنساني والجزاء الالهي، نعم نعرف أن هناك ارتباطا بينهما وأن (من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) لكن أي عمل هو الأفضل جزاء عند الله، هل هو الاطول زمانا؟ أو الأكثر تكلفة؟ أو الأصدق نية أو غير ذلك؟ فقد نري في بعض المواقع أن عملا لا يستغرق سوي وقت قصير ومع ذلك يترتب عليه ذلك الثواب العظيم، وقد نري عملا من أعمال الجوانح والقلوب، وهي لا تحتاج إلي بذل جهد ظاهري كبير، أفضل من حيث الثواب ]من عمل من أعمال الجوارح والأعضاء مما يبذل لأجله جهد كبير.. وهكذا. فنحن لا نعرف ذلك إلا من خلال الاخبار الالهي بواسطة الوحي.

ولذلك يتعجب الإنسان من مثل هذه الروايات لأنها تأتي في سياق خارج مقاييسه، فهو محدود وهي لا حدود لها، وهو بخيل وهي في نهاية الكرم.. ومن جهة أخري هو لا يستطيع إدراك قيمة هذه الأمور عند الله..

2ـ أن هذه الآثار المذكورة هي عادة علي نحو الاقتضاء في التأثير وليست بنحو العلية التامة، وإنما تقول أن هذه الآثار تترتب علي تلك المقدمات ما لم يمنع مانع من تأثيرها، أو يلغي فاعليتها. وهذا أمر يمكن ملاحظته في الحياة العامة للإنسان فهو يذهب إلي الطبيب ويصف له هذا دواء رافعا للمرض المعين، ولكن ذلك ليس علي نحو الحتم والعلية التامة وإنما ذلك الدواء يقتضي أن يرفع المرض وآثاره ما لم يكن هناك مانع عن تأثيره كتناول أدوية مضادة لتأثير الأولي، أو التعرض لمسببات جديدة تزيد من آثار المرض وهكذا..

ولعله إلي هذا يشير ما ورد عن رسول الله صلي الله عليه وآله: من قال سبحان الله غرس الله بها شجرة في الجنة ومن قال الحمد لله غرس الله له بها شجرة في الجنة ومن قال لا إله إلا الله غرس الله له بها شجرة في الجنة ومن قال الله أكبر غرس الله لها بها شجرة في الجنة فقال رجل من قريش: إن شجرنا في الجنة لكثير!! قال: نعم ولكن إياكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها وذلك إن الله يقول (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم) [4] فهذه الآثار تترتب ما لم يأت مانع فيمنعها أو رافع يرفعها.

3ـ إنه لا يمكن التمسك بإطلاق هذه الروايات، بل لا بد من حملها علي المقيدات، والنظر إلي سائر القرائن..فليس صحيحا أن يقال مثلا: أن من قال كذا دخل الجنة ولو كان في قوله مستهزءا، أو أن من بكي علي الحسين دخل الجنة ولو كان غير مسلم.. الخ.

وإنما ينبغي النظر إلي سائر الروايات والنصوص الإسلامية الأخري التي تكون بمثابة القرينة علي المقصود من هذه الروايات التي بين أيدينا، ويستفاد من سائر الروايات مثلا: أن القائل لهذا الذكر لا بد أن يكون معتقدا به ولو علي نحو الاجمال، فإن الله سبحانه وتعالي يقول: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون). فوصفهم بالكذب مع أن مقولتهم حقيقية، وربما يكون ذلك لأجل الاختلاف بين مقام التلفظ ومقام الاعتقاد.

وهكذا بالنسبة إلي هذه الروايات فإنها ينبغي أن تلاحظ مع سائر الروايات الأخري التي هي بمثابة القرينة بالنسبة لها، حتي تنتج ما هو الصحيح.

4ـ إنه قد ينطبق عنوان ما علي فعل من الأفعال، فيكون ذلك الفعل علامة الإيمان ومظهر الدين، وحينئذ فلا ينبغي التعامل مع الفعل باعتبار ذاته وإنما باعتبار ما يرمز إليه ويدل عليه، فإن (شق سنام الناقة في قران الحج أو تعليق نعل في رقبتها) أمر لو نظر إليه في حدود نفس الفعل لم يكن شيئا مهما، ولكن حين يكون عنوانا لشعائر الله، لا يجوز لأحد حينئذ إحلاله كما قال القرآن (لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد..). وحين يكون فعل من الأفعال عنوانا لشخصية الإنسان، أو كاشفا عن عمق الإيمان فإنه يثاب بمقدار أهمية المنكشف لا بمقدار قلة الكاشف. إن دمعة ندم واستغفار من مذنب في جوف الليل قد تستوجب من الثواب أضعاف ما يستوجبه مقدار كبير من النوافل والصلوات المستحبة التي تتجاوز تلك الدمعة من حيث وقتها وزمانها. وإن قول (لا إله إلا الله ومحمد رسول الله) بما هو إعلان للإيمان وكفر بالطواغيت يمهد الطريق للمرء للوصول إلي الجنان. ويحقن بواسطته دم القائل ويصون ماله وعرضه، وينقله من الظلمات إلي النور، مع أنه لا يستغرق من حيث الزمان إلا شيئا يسيرا، ولكنه يعني الانتقال من عبادة غير الله إلي عبادة الله. فيعطي للقائل جميع حقوق الانسان المسلم ويساويه بذلك الذي عبد الله منذ صغره وقام بالنوافل..

والبكاء علي الإمام الحسين عليه السلام بما يمثل من إعلان موقف في الانتماء إلي خط الإمام عليه السلام، وإعلان صرخة الاستنكار والعداء لظالميه وقاتليه وبما هو كاشف عن استيعاب خطه المقدس يجعل ترتب ذلك الثواب عليه أمرا طبيعيا.


پاورقي

[1] سنن الترمذي 4- 133.

[2] المصدر 5 - 175.

[3] مجمع الزوائد10- 87.

[4] وسائل الشيعة 7- 187.