بازگشت

هل كان الحسين يعلم بمقتله ام لا؟


هل كان الحسين يعلم بمقتله ام لا؟ والامر نفسه بالنسبة الي امير المومنين، فان كان يعلم فهو القاء بالنفس في التهلكة، و ان كان لا يعلم فكيف يمكن تفسير ما يذكر علي المنابر من اقوال تفيد علمها بمقتلهما؟

الجواب: بالرغم من أن هذا البحث طويل الذيل، وفيه بعض الجوانب التخصصية، إلا أننا سوف نسعي بمقدار ما يمكن لتبسيط الجواب، وذكر أهم أجوبة العلماء في المسألة ثم نركز علي الجواب الأسلم بينها:

فقد سئل الشيخ المفيد رضوان الله عليه عن ذلك وأجاب بما يلي:

1- إن إجماع الشيعة قائم علي علم الإمام بالحكم في كل ما يكون، دون أن يكون علما بأعيان ما يحدث تفصيلا (أي أن إجماع الشيعة منعقد علي علمهم التفصيلي بالأحكام ولا إجماع علي ذلك في المواضيع)، ولا نمنع علمه بذلك باعلام الله له.

2- علم الإمام بقاتله وعلمه بأنه مقتول لا شك فيه، وأما علمه بوقت قتله فلم يثبت بأثر(أو خبر تام).

3- لو أتي عليه أثر لم يكن مشكلا حيث لا نمنع أن يتعبده الله بالصبر والاستسلام ليبلغ من المرتبة ما لا يبلغه إلا به [1] .

وأما جواب الشيخ الطبرسي: إن فعله يحتمل وجهين أحدهما: إنه ظن أنهم لا يقتلونه لمكانه من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والآخر: إنه غلب علي ظنه أنه لو ترك قتالهم قتله الملعون ابن زياد صبرا، كما فعل بابن عمه مسلم، فكان القتل مع عز النفس والجهاد، أهون عليه.

أما العلامة المجلسي فقد نقل جواب العلامة الحلي رضوان الله عليهما من المسائل المهنائية فقال ـ في جواب عن مقتل أمير المؤمنين عليه السلام ـ (ويلاحظ أن كلا جوابيه ينتهيان إلي أجوبة الشيخ المفيد):

- بأنه يحتمل أن يكون عليه السلام اخبر بوقوع القتل في تلك الليلة، ولم يعلم في أي وقت من تلك الليلة أو أي مكان يقتل. (وهذا الجواب هو نفس جواب الشيخ المفيد في أنه لا يعلم علي نحو التفصيل بلحظة المقتل).

- وأن تكليفه عليه السلام مغاير لتكليفنا، فجاز أن يكون بذل مهجته الشريفة في ذات الله تعالي، كما يجب علي المجاهد الثبات، وإن كان ثباته يفضي إلي القتل [2] .

لكن الذي يظهر من السيد المرتضي رحمه الله أن الحسين عليه السلام ربما كان يشاهد لوائح النصر وعلامات النجاح في الثورة، وهذا الذي دفعه إلي التحرك والإقدام. فقال:

قد علمنا أن الإمام متي غلب في ظنه يصل إلي حقه والقيام بما فوض إليه بضرب من الفعل، وجب عليه ذلك وان كان فيه ضرب من المشقة يتحمل مثلها تحملها، وسيدنا أبو عبد الله عليه السلام لم يسر طالبا للكوفة الا بعد توثق من القوم وعهود وعقود، وبعد ان كاتبوه عليه السلام طائعين غير مكرهين ومبتدئين غير مجيبين. [3] .

ثم قال ما حاصله: أن الأمور قد سارت فيما بعد علي خلاف هذا الظن، وأن الاتفاق السيء قد عكس هذا الأمر وقلبه حتي تم فيه ما تم. ثم صار بين أن يكون آخر أمره إلي الذل وربما صار مع ذلك إلي القتل من قبل عبيد الله بن زياد، وبين أن يلجأ إلي المحاربة والمدافعة، فاختار الشهادة والسعادة..

أقول: هذا الذي ذكره رضوان الله عليه يشم منه عدم علم الإمام عليه السلام بمصرعه، وهو خلاف ما يذكره التاريخ، والروايات، ولذا فقد رد السيد محسن الأمين رحمه الله في كتابه لواعج الاشجان بنحو مفصل ذاكرا الشواهد التاريخية علي علم الإمام بمصرعه من كلمات الإمام وغيرها فقال:

ومما يدل علي ان الحسين عليه السلام كان موطنا نفسه علي القتل وظانا أو عالما في بعض الحالات بأنه يقتل في سفره ذلك:

- خطبته التي خطبها حين عزم علي الخروج إلي العراق التي يقول فيها خط الموت علي ولد آدم...الخ فان أكثر فقراتها يدل علي ذلك.

- ونهي عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام له بمكة عن الخروج وإقامته البرهان علي ان ذلك ليس من الرأي بقوله انك تأتي بلدا فيه عماله وأمراؤه وعدم اخذ الحسين عليه السلام بقوله مع اعتذاره إليه واعترافه بنصحه.

- ونهي ابن عباس له ايضا محتجا بنحو ذلك من ان الذين دعوه لم يقتلوا اميرهم وينفوا عدوهم ويضبطوا بلادهم.

- وجوابه لمحمد بن الحنفية حين أشار عليه بعدم الخروج إلي العراق فوعده النظر ثم ارتحل في السحر فسأله ابن الحنفية فقال له الحسين عليه السلام أتاني رسول الله صلي الله عليه وآله بعد ما فارقتك فقال يا حسين اخرج فأن الله قد شاء ان يراك قتيلا قال ما معني حملك هذه النسوة معك قال ان الله قد شاء ان يراهن سبايا [4] .

- وقول ابن عمر له حين نهاه عن الخروج فأبي انك مقتول في وجهك هذا فأنه دال علي ان ظاهر الحال كان كذلك وما ظهر لابن عمر ما كان ليخفي علي الحسين عليه السلام وقول الفرزدق له قلوب الناس معك واسيافهم عليك.

- وقول بشر بن غالب له اني خلفت القلوب معك والسيوف مع بني امية وتصديق الحسين عليه السلام له.

- ونهي عبد الله بن جعفر له وقوله إني مشفق عليك من هذا الوجه ان يكون فيه هلاكك واستئصال اهل بيتك وقول الحسين عليه السلام له اني رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله في المنام وامرني بما انا ماض له وامتناعه من أن يحدث بتلك الرؤيا وما رآه في منامه بالثعلبية وقوله لابي هره وايم الله لتقتلني الفئة الباغية وقوله لاصحابه حين جاءه خبر مسلم وهاني وعبد الله بن يقطر انه قد خذلنا شيعتنا فمن احب منكم الانصراف فلينصرف وقول الحسين عليه السلام له ليس يخفي علي الرأي ولكن الله تعالي لا يغلب علي امره وقوله عليه السلام والله لا يدعوني حتي يستخرجوا هذه العلقة من جوفي وقوله عليه السلام وايم الله لو كنت في حجر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتي يقتلوني.

- وكتابه الذي كتبه إلي بني هاشم حين توجه إلي العراق اما بعد فأنه من لحق بي استشهد ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح.. إلي غير ذلك مما يقف عليه المتتبع المتأمل وهذه كلها ما بين صريح أو ظاهر في المطلوب.

ثم إنه نقل ما ذكره السيد بن طاووس فقال: وإلي هذا الذي ذكرناه ذهب ابن طاوس عليه الرحمة ايضا في اللهوف حيث قال الذي تحققناه ان الحسين عليه السلام كان عالما بما انتهت حاله إليه وكان تكليفه ما اعتمد عليه ثم اورد بعض الاخبار الدالة علي ذلك ثم قال لعل بعض من لايعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة يعتقد ان الله لايتعبد بمثل هذه الحالة ورده بأن الله تعالي تعبد قوما بقتل انفسهم فقال (فتوبوا إلي بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم).انتهي كلام السيد الأمين.

فتحصل: أن التوجيه للمسألة بعدم علم الإمام بمصرعه، لا ينسجم مع ما هو المختار والمشهور من علمهم صلوات الله عليهم. وتوجيهها بعدم وجود أخبار أو آثار أيضا لا يتفق مع المعروف تاريخيا. فيبقي توجيهه مع فرض العلم بالمصرع. وفيه إما أن ينفي انطباق عنوان التهلكة عليه، فإن التهلكة بالمعني الأخروي يعني السير في طريق لا يرضي به الله ومن المعلوم أن الطريق الذي سار عليه الحسين كان في رضا ربه.

بل حتي التهلكة بالمعني الدنيوي أي فقدان الحياة فهي غير مرفوضة لو ترتب عليها فوائد عظيمة، فلا تعد عند العقلاء ولا عند الشرع خسارة لو كان في مقابلها شيء عظيم، ومن المعلوم عظمة الفوائد التي ترتبت علي شهادة الإمام عليه السلام.

بل يقال أنه لا مانع أن يتعبد الله قوما بامتحان أعظم لينالوا من المراتب [5] ما لا يناله غيرهم فيقدمون علي الموت إذا كان ذلك في رضا الله، مع علمهم بأن هذا الطريق ينتهي إلي موتهم، وهذا في أمور الجهاد واضح حيث تجتمع من القرائن لدي الذاهب إلي القتال ما يعلم ـ علما عاديا متعارفا ـ أنه سيقتل. ومع ذلك يذهب، بل هناك حالات يكون غيره يعلم بموته أيضا فضلا عنه، كما نقل أن الرسول لما وجه المسلمين لمقاتلة الروم في مؤتة، قال: إن أصيب زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب علي الناس فإن أصيب جعفر فعلي الناس عبد الله بن رواحة.. فعلم المسلمون أنهما يقتلان.

وإنها لمنزلة عظيمة أن يعلم الانسان أنه مقتول في طريق الله ومع ذلك يختار ما عند الله سبحانه.

و ألا يُعد ذلك إلقاءا بالنفس في التهلكة؟

الجواب: إنه في البداية ينبغي أن يُعرف معني التهلكة، ثم يتم علي ضوء ذلك تحديد أن العمل الذي قام به الإمام الحسين عليه السلام هل يدخل فيها أو لا يدخل؟ أولا هذه الكلمة وردت مرة واحدة في القرآن الكريم فقط، وهي في سورة البقرة آية 195 (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة واحسنوا إن الله يحب المحسنين)

وقد ذكر الشيخ الطوسي في التبيان المعاني المتصورة في الآية فقال: ج 2 ص 152:

قيل في معني الاية وجوه:

أحدها - قال الحسن، وقتادة، ومجاهد، والضحاك، وهو المروي عن حذيفة، وابن عباس: إن معناها لا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة بالامتناع من الانفاق في سبيل الله.

الثاني - ما روي عن البراء ابن عازب، وعبيدة السلماني: لا تركبوا المعاصي باليأس من المغفرة.

الثالث - ما قال البلخي، من أن معناها: لا تتقحموا الحرب من غير نكاية في العدو، ولا قدرة علي دفاعهم. والرابع - ما قاله الجبائي لا تسرفوا في الانفاق الذي يأتي علي النفس.

ثم قال الشيخ والاولي حمل الآية علي عمومها في جميع ذلك.

أقول: تارة يراد تأويل الآية وتطبيقها علي المصاديق المختلفة، فيصح ما ذكر، وغيره كما أن الإمام الباقر عليه السلام قد طبقها علي العدول عن ولاية أهل البيت عليهم السلام، وكل ذلك صحيح، فلا مانع من الجري والانطباق لآية علي مصاديق كثيرة، وتارة يراد تفسيرها فيكون الصحيح هو ما ذكر من أنه أنفقوا ولكن لا تهلكوا أنفسكم بكثرة الانفاق، وإنما يجب أن يكون الانفاق بنحو الاحسان وهو حد وسط بين الاسراف والكثرة وبين التقتير ومسك اليد، وشاهد ذلك أن طرفي الآية من الصدر والعجز ظاهران في الانفاق فلا بد أن يكون الوسط وهو (ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة) كذلك.

وعلي هذا فالمقصود هنا هو التهلكة الدنيوية. بمعني أن نظام حياتكم ينبغي أن يكون قائما علي أساس الاعتدال.

وأما بناء علي المعني الآخر فالمقصود هو التهلكة الأخروية، أي أن لا يحصل منكم عمل ينتهي إلي الهلاك الأخروي وسوء العاقبة عند الله سبحانه، بأن تتركوا ولاية أهل البيت أو تقوموا بالمعاصي، وما شابه.

والمعني الأول لا يرتبط بقضية الإمام الحسين عليه السلام، كما أن المعني الثاني غير معقول في حقه، فإن معناه أن لا يعمل المرأ عملا يؤدي به إلي الهلاك والدخول في نار جهنم فلا بد أن يقوم بعمل ينتهي إلي النجاة و وليس سوي الطاعة، والحسين لم يفعل إلا طاعة الله.وأي طاعة أفضل من أن يقتل المرء في سبيل الله؟

ثم إننا لو تنزلنا وقلنا بحرمة التهلكة فإنما تصح لو كانت بلا عوض، وأما التهلكة التي يعوض فيها الانسان بأسمي أنواع العوض والأجر فليست سيئة كما هو الحال في نظر الناس. فالتضحية لأجل الدين وهي هلكة بمعني الموت ليست قبيحة في نظر العقل..

ورابعا: أنه في الفقه الإسلامي ليست كل تهلكة حراما، بل لو كانت الآية عامة أو مطلقة فهي مقيدة بما دل علي الجهاد بقسميه، و (سيد الشهداء ورجل قام إلي إمام جائر فنصحه فقتله..)، ومثل تسليم المجرم نفسه للقضاء الشرعي ليقام عليه حد الرجم أو الجلد أو القطع [6] .

ولو كان قيامه صلوات الله عليه وشهادته تهلكة، لكانت حركات الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في التاريخ الإسلامي كلها تهلكة، ولتم حذف كل أبواب الجهاد وأحاديثه من كتب المسلمين، فإن الجهاد ملازم للموت والهلكة الدنيوية، ولكن فيه الحياة الأخروية الباقية والخالدة.


پاورقي

[1] المسائل العکبرية 71.

[2] بحار الانوار 42- 259.

[3] تنزيه الأنبياء 227.

[4] سوف يأتي جواب عن هذه الکلمات فانتظر.

[5] روي الشيخ الصدوق في الأمالي أن الحسين لما غفي علي قبر جده، ورآه في المنام قال له النبي صلي الله عليه وآله: إن لک في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة. ونقل الشيخ الطوسي في الأمالي: عن أبي عبد الله وأبي جعفر: إن الله عوض الحسين من قتله بأن جعل الإمامة في ذريته والشفاء في تربته وإجابة الدعاء عند قبره.. (وهذا المعني ورد کثيرا في زيارات الحسين عليه السلام).

[6] أضواء علي ثورة الحسين - للشهيد الصدر.