بازگشت

مقالة الحسين للحر الرياحي ثكلتك امك هل تناسب مقام الإمامة؟


الجواب: أصل الحادثة كما نقلها المؤرخون جرت لما التقي الحر بن يزيد الرياحي مع الإمام الحسين عليه السلام في الطريق إلي كربلاء. فقد نقل الطبري في تأريخه، أنهما لما التقيا وأقيمت صلاة الظهر، قام الإمام الحسين عليه السلام خطيبا فقال:

أما بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا وتعرفوا الحق لاهله يكن أرضي لله و نحن أهل البيت أولي بولايته هذا الامر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان وإن أنتم كرهتمونا وجعلتم حقنا وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم و قدمت به علي رسلكم انصرفت عنكم.

فقال له الحر بن يزيد: إنا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر!

فقال الحسين: يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي! فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنشرها بين أيديهم فقال الحر: فإنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتي نقدمك علي عبيدالله ابن زياد! فقال له الحسين: الموت أدني إليك من ذلك. ثم قال لاصحابه قوموا فاركبوا فركبوا وانتظروا حتي ركبت نساؤهم، فقال لاصحابه انصرفوا بنا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين للحر: ثكلتك أمك ما تريد؟

قال: أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو علي مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل أن أقوله كائنا من كان ولكن والله مالي إلي ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه [1] انتهي ما نقله الطبري.

والثكل يعني فقد الولد.

ويبدو أن قسما من الكلمات تتأثر في معناها المتبادر إلي الذهن العام بالزمان، فقد يكون لفظ عندنا اليوم مستنكرا بينما هو في زمان آخر، ليس بتلك الصورة من الاستنكار. ومن ذلك الكلمة المذكورة، أو قولهم قاتله الله فإنها اليوم كلمات مستنكرة بينما لم تكن كذلك في الزمن السابق، وإلي ذلك أشار ابن الأثير في كتابه النهاية فقال: يجوز أن يكون من الألفاظ التي تجري علي ألسنة العرب ولا يراد بها الدعاء، كقولهم تربت يداك، وقاتلك الله.

ونحن نلتقي في سيرة النبي صلي الله عليه وآله، مع أصحابه بهذه الكلمات كما نقل عنه في روايات الجمهور ففي مسند أبي داود الطيالسي روي عن رسول في حديثه مع معاذ:...فقال: يا رسول الله قولك أولا أدلك علي أملك ذلك كله؟ فأشار رسول الله صلي الله عليه وسلم بيده إلي لسانه. فقلت يا رسول الله وإنا لنؤاخذ بما نتكلم بألسنتنا؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس علي مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟

بل نجد بعضهم يدعو علي نفسه بذلك، كما نقل ابن قتيبة في غريب الحديث إن عمر بن الخطاب سار مع رسول الله ليلا فسأله عن شئ فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه! فقال عمر: ثكلتك أمك يا عمر نزرت رسول الله صلي الله عليه وسلم مرارا لا يجيبك (أي ألححت عليه).

ونقل الكوفي في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام كلام حذيفة مع أحدهم عندما استعلم عن فضائل أمير المؤمنين عليه السلام فقال حذيفة: يا ربيعة إنك لتسألني عن رجل والذي نفسي بيده لو وضع عمل جميع اصحاب محمد صلي الله عليه وآله وسلم في كفة الميزان من يوم بعث الله محمدا إلي يوم الناس هذا ووضع عمل علي يوما واحدا في الكفة الاخري لرجح عمله علي جميع أعمالهم!

فقال ربيعة: هذا الذي لا يقام له ولا يقعد!

فقال حذيفة: وكيف لا يحتمل هذا يا ملكعان (لكع) أين كان أبو بكر وعمر و حذيفة ثكلتك أمك - وجميع أصحاب محمد؟ يوم عمرو بن عبد ود ينادي للمبارزة؟ فأحجم الناس كلهم ما خلا عليا فقتله الله علي يديه والذي نفسي بيده لعمله ذلك اليوم أعظم عند الله من جميع أعمال أمة محمد إلي يوم القيامة.

بل نجد أمير المؤمنين عليه السلام يتحدث عن أخيه عقيل، فيقول له ذلك كما في نهج البلاغة:

(.. وعاودني مؤكدا. وكرر علي القول مرددا، فاصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني، وأتبع قياده مفارقا طريقتي، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبربها، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها. فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل، أتئن من حديدة أحماها انسانها للعبه وتجرني إلي نار سجرها جبارها لغضبه، أتئن من الاذي ولا أئن من لظي..)

هذه الشواهد وهي غيض من فيض تشير إلي أن هذه الكلمة في ذلك الوقت لم تكن تعطي المعني الذي يتبادر إلي الذهن اليوم.

بل حتي لو فرضنا أن هذه الكلمات كانت تعني الدعاء الجدي والحقيقي علي الطرف المقابل بأن تثكله أمه، وأن يموت، فلا مانع من الالتزام بها في مورد مخاطبة الإمام الحسين عليه السلام مع الحر الرياحي، فإن الحرـ إلي ذلك الوقت ـ كان باغيا علي إمام زمانه، ومضيقا عليه مسيره، و هذا يعني إعلان الحرب عليه، ولو قتل في تلك الحال لكان مصيره إلي النار دون ريب، و كان حينئذ علي من يناصر الحسين عليه السلام أن يشهر سيفه في وجه الحر و يقاتله و يقتله لو استمر.. فلا مانع من الالتزام بهذا المعني.


پاورقي

[1] تاريخ الطبري 4- 303.