بازگشت

المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلي آله الطيبين الطاهرين

هذه الصفحات عطاء من بركات الموسم الحسيني في محرم. وقد بدأت فكرتها عندما كنت أخصص الليلتين الأخيرتين (الثانية عشر والثالثة عشر) من ليالي المحرم، للإجابة عن الأسئلة التي تدور في أذهان المستمعين، وقد كان يتم الإعلان منذ بداية الموسم عن تخصيص الليلتين الأخيرتين لهذا الموضوع. فكان الإقبال علي الفكرة والتفاعل معها جيدا، فلا يقترب موعدهما إلا وقد اجتمعت حصيلة كبيرة من الأسئلة المختلفة، وهي غالبا في محاور متعددة: فمنها ما يرتبط بمواضيع الموسم نفسه. من طلب إيضاح لنقطة معينة أو الاعتراض علي استفادة الخطيب منها، أو اقتراح في نفس الموضوع، أو غير ذلك. ومنها ما يرتبط بالسيرة أو الثورة الحسينية وهذه كانت تشكل القسم الأكبر في الأسئلة، سواء تلك التي تطرح مواضيعها في نفس هذا المجلس أو ما يسمعه المؤمنون في مجالس ومحاضرات أخري، فيقومون بالسؤال عنه لكي يجاب عنه في هاتين الليلتين. ومنها ما هو عام سواء كان في الثقافة الإسلامية أو في المسائل الشرعية.

والغالب أنه كان يتم تصنيف الأسئلة المتشابهة، ويُجاب عليها بما يناسب المقام من حيث الحضور، والوقت و..

ثم إنه قد اجتمعت أعداد من الأسئلة المختلفة، لاسيما في المسألة الحسينية، فراق لي أن أكتبها وأن تكون الإجابة بنحو أكثر تفصيلا، وإن بقيت في نفس المستوي العام الذي يستفيد منه الأكثر من الجمهور.

ولما كانت بعض المحاضرات في أكثر من موسم تتصل اتصالا مباشرا بأمر السيرة الحسينية من حيث فوائدها وضرورتها ومن حيث لزوم تصحيحها وتنقيحها بما يحفظ لأهل البيت عليهم السلام صورتهم القدسية الواقعية فقد أدرجت مختصرا عنها في البداية.

وذلك أنه يلاحظ المتأمل منهجين متطرفين: فهناك من يحشو في السيرة ما ليس ثابتا بل ربما ما عدمه هو الثابت بزعم ذكر المصائب العظيمة التي وقعت علي أهل البيت عليهم السلام وأن في ذلك ثوابا كبيرا، لأنه يسهل عملية الإبكاء وتشمله روايات (من بكي أو أبكي) وهذا غير صحيح، فإن إعطاء الثواب علي البكاء والإبكاء أمر صحيح ولا ريب فيه، حيث أثبتته الروايات الصحيحة، إلا أنه لا يتكفل بتصحيح قول غير الحق. بل روايات البكاء مقيدة أساسا بأنه بكي (لما أصابنا) وما يقال من غير حجة شرعية لا يشمله أنه ما أصابهم، نعم لو اعتمد الخطيب علي روايات ضعيفة، أو قول لبعض السابقين وذكره برجاء أن يكون الواقع فلا مانع منه، لقاعدة التسامح بناء علي شمولها للمورد.

والمنهج الآخر: هو المسارع إلي النفي، والحذف.. فما أسرعه في قول أن هذه الرواية غير ثابتة وتلك غير معقولة، والثالثة لا يمكن قبولها.. الخ. ونحن مع إدراكنا لحقيقة أنه ليس كل ما ورد في كتب السيرة صحيحا إلا أنه كما أن الإثبات يحتاج إلي استدلال فإن النفي ـ مع وجود تلك الروايات في كتب السيرة والتاريخ في الجملة ـ أيضا بدوره يحتاج إلي استدلال ولا يمكن أن يتمسك هنا بالأصل كما يفعله بعضهم لنفي ما يشاء!!. وكلاهما غير صحيح.

ونحن نحتاج إلي نهضة من قبل العلماء الأفاضل أن يصرفوا جهدا في مجال تحقيق وتنقيح السيرة الحسينية بحيث يعتمد فيها علي الروايات الصحيحة أو محتملة الصحة مع الإشارة إلي كل قسم منها، وتستبعد منها تلك الروايات المعلوم عدم صحتها أو المعلوم مخالفتها للأصول المسلمة.

وهذه الصفحات ـ التي دونت أغلبها في مدينة الرسول صلي الله عليه وآله عند تشرفي بزيارته في حج 1422 هـ حيث كنت أقتنص بعض الوقت للكتابة فيها ـ محاولة أولية، لتوجيه بعض ما يقرأ في السيرة الحسينية، بحيث يكون قريب المأخذ من الذهن العام المستمع لمجريات السيرة الحسينية في كل عام علي الأقل مرة واحد، في عشرة المحرم الأولي، فإن قراءة روايات السيرة تثير من الإعجاب وتقديس البطولة، ومن محاولات الاقتداء والتأسي، بمقدار ما تثير من الأسئلة عن العلل والكيفية، لماذا صنع الإمام كذا؟ وما هي كيفية الحادثة الفلانية؟ وهل تنسجم القضية الكذائية مع المفاهيم العامة الدينية؟ وهذا من بركات المنابر الحسينية وغيرها من وسائل التثقيف والتوعية، والتي رفعت من المستوي الفكري العام للناس فأصبح المستمع قادرا ـ بنسب متفاوتة ـ علي التحليل والربط والتساؤل، وهذا يحمّل الخطباء والمحاضرين مسؤولية مضاعفة نسأل الله أن يوفقنا وإياهم لتحملها.

فوزي آل سيف

تاروت ـ القطيف