بازگشت

تمهيد (البعد الآخر في وجود الانسان)


ان الله تبارك و تعالي قد خلق الانسان مركبا من بعدين:

الأول: البعد المادي و يتمثل في هذا الجسم الذي قد توصل العلم الي اكتشاف الكثير من أسراره و أبعاده.

و أما البعد الثاني فيتمثل في البعد المعنوي (الروحي) الذي لا يزال غامضا برغم الدراسات التي وضعت في هذا المجال.

(و يظهر تاريخ العلم و المعرفة الانسانية أن قضية الروح و أسرارها الخاصة كانت محط توجه العلماء، حيث حاول كل عالم الوصول الي محيط الروح السري، و لهذا السبب ذكر العلماء آراء مختلفة و كثيرة حول الروح.

و من الممكن أن تكون علومنا و معارفنا اليوم - و كذلك في المستقبل - قاصرة عن التعرف علي جميع أسرار الروح و الاحاطة بتفصيلاتها بالرغم من أن روحنا هي أقرب شي ء لنا من جميع ما حولنا، و بسبب الفوارق التي تفصل بين جوهرة الروح و بين ما نأنس به من عوالم، فاننا لن نحيط بأسرار و كنه الروح أعجوبة الخلق و المخلوق الذي تتسامي علي المادة، و لكن كل هذا لا يمنعنا من رؤية أبعاد الروح بعين العقل و أن نتعرف علي النظم و الأصول العامة الحاكمة عليها) [1] .


أما خالق الروح، فانه تعالي يقول: (و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي و ما أوتيتم من العلم الا قليلا) [2] .

و الأمر الذي منه ايجاد الروح (هو كلمة الايجاد المساوية و فعله تعالي المختص به الذي لا تتوسط فيه الأسباب و لا يتقدر بزمان أو مكان و غير ذلك) [3] .

(و أما قوله: (و ما أوتيتم من العلم الا قليلا) أي ما عندكم من العلم بالروح الذي آتاكم الله ذلك قليل من كثير، فان له - الروح - موقعا من الوجود و خواص و آثارا في الكون عجيبة بديعة أنتم عنها في حجاب) [4] .

و البعد الروحي من وجود الانسان هو الذي يمثل حقيقة الانسان، و أما الجسم فانه لا يعدو كونه قالبا مسخرا لذلك البعد المعنوي، فان (العلماء الالهيين و الفلاسفة الروحيين يعتقدون بأن الانسان و بالاضافة الي المواد التي تدخل في تشكيل جسمه ينطوي وجوده علي حقيقة جوهرية أخري لا تتجلي فيها صفات المادة- و قد أقاموا الأدلة علي ذلك في محلها - ان جسم الانسان يخضع لتأثيرها بشكل مباشر و فاعل.

و بعبارة أخري: فان الروح هي حقيقة من حقائق ماوراء الطبيعة - أي الميتافيزيقيا - حيث أن تركيبها و فعاليتها هي غير تركيب و فعالية عالم المادة، صحيح أنها ذات ارتباط مع عالم المادة الا أنها ليست مادة فلا تمتلك خواص المادة) [5] .



پاورقي

[1] التفسير الأمثل ج 9 ص 104.

[2] الاسراء: 85.

[3] الميزان في تفسير القرآن ج 13 ص 197.

[4] الميزان ج 13 ص 199.

[5] التفسير الأمثل ج 9 ص 104.