بازگشت

اشرقت الشمس...


اشرقت الشمس.. حمراء.. حمراء. بركة من دماء. التمعت ذري النخيل، وتوهجت ذرات الرمال، واصطبغت وجوه القبائل بلون الجريمة.. واستيقظ الشيطان يعربد و يدمّر....

صرخ شيطان من القبائل:

- يا حسين.. أبشر بالنار.

- كذبت بل أقدم علي ربّ غفور كريم.. فمن انت؟.

- انا ابن حوزة.

رفع السبط يديه الي السماء

- اللَّهم حِزة الي النار.

لا أحد يعرف كيف حدث الأمر. ما الذي أغضب الفرس؟ ما الذي دفعها لأن تركض كالمجنونة.. تدور و تدور. و في فورة غضب تمكنت الفرس أن تقذف من علي ظهرها الفارس.. في قلب الخندق


المشتعل. لحظات مرّت تحول فيها ابن حوزة الي رماد.. تحولت احلام السلب و النهب و شهوة القتل الي هشيم تذروه الريح....

لو كان هناك رجل من الحواريين لقال هذا ابن اللَّه.

و لقال له الحسين.

- انا ابن نبي اللَّه.

هتف السبط:

- اللَّهم انا اهل بيت نبيك و ذريته و قرابته، فاقصم من ظلمنا وغضبنا حقّنا إنك سميع قريب...

ما أقرب السماء للإنسان إن سما. و تذكر الحسين رجلاً سأل أباه:

كم هي المسافه بين السماء و الارض؟ فأجاب «باب مدينة العلم»: دعوة مستجابة.

وقف ابن سعد منتشياً بأحلامه... ماهي الّا ساعة، ثم ينتهي كل شي ء... سوف يُحكم قبضته علي الري و جرجان.... لم تبق الّا خطوة واحدة... أن يعبر جثة الحسين.. بركة صغيرة من الدم.. ثم ينطلق صوب الشرق.. الي عالم يزخر بالجواري والحريم.

تقدم الحرّ.. أيقظه من الحلم:

- أمقاتل انت هذا الرجل؟!


- إي و اللَّه قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح الايدي.

- دعوه ينصرف الي مكان في هذه الارض؟

- لو كان الأمر بيدي لقبلت.. انها أوامر ابن زياد.

ادرك الحرّ أن الساعة آتية لا ريب فيها، و لسوف تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتري الناس سكاري و ما هم بسكاري.. وبدأ الحرّ يخطو صوب القافلة.. قال «ابن أوس» و قد ذهبت به الظنون.

- اتريد أن تحمل؟!

-...

ضرب الزلزال الاعماق مرّة أخري، وشعر الحرّ بالانقاض تتراكم بعضها فوق بعض...

هتف ابن أوس متعجباً:

- لو قيل لي من اشجع أهل الكوفة لما عدوتك؟ فما هذا الذي اراه منك؟.

التفت الحرّ و صوّب نحوه نظرة تحمل كل معاني الاكتشاف:

- اني أخيّر نفسي بين الجنّه والنار.. واللَّه لا أختار علي الجنة شيئاً ولو أُحرقت...

تمتم ابن سعد مذهولاً:

- ماذا أري؟.. ماذا يفعل هذا المجنون؟.. كيف يختار الانسان


الموت!.. انظروا اليه.. كيف يبدو خاشعاً أمام الحسين...

- انصتوا انه الحرّ.

قهقه أحدهم:

- إنه يريد موعظتنا هو الآخر...

هتف شبث بن ربعي:

- ايها الاحمق، دعنا نسمع ما يقول.

وجاء صوت الحرّ جهورياً مدوّياً منطلقاً من اعماق نفس اكتشفت ينابيع الخلود:

- يا أهل الكوفة لأمّكم الهبل والعبر، إذ دعوتموا هذا العبد الصالح وأحطتم به من كل جانب و منعتموه التوجه الي بلاد اللَّه العريضة حتي يأمن هو و أهل بيته، واصبح كالأسير في ايديكم لا يملك لنفسه نفعاً و لا ضرّا و حلأتموه و نساءه وصبيته و صحبه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهود والنصاري والمجوس، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه! وهاهم قد صرعهم العطش. بئسما خلفتم محمداً في ذريته..

وانطلقت نحوه السهام كالمطر.. و تقهقر الحرّ متفادياً نبال القبائل الغادرة.