بازگشت

مادت الكوفة بأهلها، واهتزّت الارض تحت الأقدام...


مادت الكوفة بأهلها، واهتزّت الارض تحت الأقدام. كتائب جنود مذعورين تتحرك في كل اتجاه.. عيون زائغة لأشباه رجال تحمل اسلحة القتل.. تنطلق الي خارج المدينة.

«زجر بن قيس» يقود خمسمئة فارس.. يتّجه صوب جسر «الصراة».

و خرج «الشمر» في أربعة آلاف مقاتل، و «الحصين بن نمير» في أربعة آلاف، و «شبث بن ربعي» في ألف، و «حجّار بن أبجر» في ألف.. وتتابعت الكتائب تلو الكتائب.. جنود يشبهون في ذلّتهم الاسري.. قلوبهم مع الحسين و سيوفهم تستهدف قلبه.

حيّات و أفاعٍ تتلوّي.. تزحف باتجاه «الفرات». وبدا النهر أفعي خرافية تتمدد وسط الرمال...

و في الكوفة، مطرت السماء ذهباً يخطف الأبصار و يسلب الألباب،


و اجتمع زعماء «القبائل» تحت المطر، فلم يبرحوا حتي طمّت رؤوسهم بالذهب، والأرقط ينثر الأموال و يوفّر العطاء.. يلقي حباله و عصيّه، فاذا هي حيّات وعقارب تسعي.

وافتتنت «المومس» بابن زياد فنسيت ذكر الحسين. قالت بخلاعة:

- مالي والدخول بين السلاطين..

قهقهه «الأرقط». دوّت ضحكة شيطانية في أرجاء القصر.. جيوشه تحاصر القافلة.. تمنعها من العودة.

- وقعتَ في قبضتي يا حسين.. ها أنا أرتقي قمّة المجد.. سيدخل بوابة قصري قائلاً: حطّة. أنا ابن زياد ابن.. أبي سفيان.. صخر بن حرب.

افتر الرجل الأبرص، فظهرت أنياب حادّة.

- لا تقبل من الحسين الّا النزول علي حكمك. إنه الآن في أرضك، فضيّق عليه الخناق.

ما لهذا الأبرص؟!.. صوته كفحيح الافعي. الخنزير يريد للنخل أن يركع.. والنخل الباسق يعشق الفضاء والّا مات واقفاً.

الأرقط يجيد «الشطرنج». ينقل جنده وقلاعه.. يحرك فيلة و خنازير و بيادق تحلم بحكم «الري و جرجان».


الأرقط يعرف «أصول اللعبة». من يمينه تتدلّي مشانق وحبال، ومن شماله يسيل ذهب اصفر يأخذ بالألباب. والبيادق الفئران تفرّ مذعورة.. تحمل سيوفاً خشبية.. وتمتلئ جيوبها فضة أو ذهبا....

والأرقط الذي تلبّس وجهه جلد الأفعي يتمدّد في «النخيلة»، يراقب بيادقه بحذر وترقب. هناك رجل سيد مّر لعبته. سيلقف سيفه كلّ حباله و عصيّه.. وجيوشه الوهمية.

صرخ الأرقط بالرجل الأبرص.

- اكتب «لابن سعد»: اما بعد، اني لم أبعثك الي الحسين لتكفّ عنه ولا لتمنّيه السلامة. انظر، فإن نزل الحسين و أصحابه علي حكمي فابعث بهم اليّ، و أن أبوا فازحف اليهم حتي تقتلهم و تمثّل بهم.

كخنزير راح الشمر يجري صوب أحلامه المريضة.. تفوح منه

رائحة الموت، وآلالف الضحايا ترقد في عينه المنطفئة.. و من عطفيه تنبعث حرائق و دخان، و روائح أجساد محترقة.

سلّم الكتاب الي «قائد الجيش»، وراح ينظر اليه خلسة بعين نصف مغمضة. أما عينه الاخري فقد بدت هوّة سحيقه تعشعش فيها العناكب.

ادرك الرجل الذي ناهز السبعين أن الأبرص قد جاء يسرق منه أحلاماً قديمة.. جميلة تحكي جمال مدن «الري» و «جرجان».


- قبّحك اللَّه وقبّح ما جئت به. و اللَّه لا يستلسلم الحسين. إنَّ نفس أبيه بين جنبيه.

- فخلّ بيني وبين العسكر.

- بل أنا الذي أتولّي ذلك.

عقربان يتنافسان في الصحراء..ينعب في صدريهما يوم و غراب.. يتنافسان علي الفوز في سباق من الخسران المبين.