بازگشت

الانتقام للدماء


ولئن كانت فتنةُ الله لعباده الصالحين ـ من الأنبياء والأئمّة والأولياء ـ شديدة الوطأة عليهم، ولكنّها كانتْ وَعْداً وعهداً ربّانياً، اتّخذوه، وصَدَقُوهُ، فصبروا علي الأذي في جنب الله، وصابروا، ورابطوا علي مواقع الحقّ، ولم يتراجعوا، ولم يهنوا، ولم يحزنوا علي ما فاتهم من الدنيا، وجاهَدُوا بكلّ قُوّة وصلابة وإصرار، حتّي فازوا برضا الله عنهم، كما رضوا عنه، وحازوا خلود الذكر في الدنيا، وجنّات عدن في الآخرة.

وصَدَقهم الله وعدَهُ، بالانتقام من المُجْرِمين، وليعلموا أنّ وعد الله حقّ، وأنّ الله منجز وعدِه رُسُلَهُ، إلي أن يرثَ ويرثوا الارض، ويستخلفهم عليها، وعْداً عليه حقّاً في كلّ الكتب السماوية: التوراة والإنجيل والزبور، والقرآن.

وقبل هذا الأمر المعلن في النصوص المقدّسة، والذي لا يستيقنه الّذين لا يؤمنون، فهم لا يؤمنون بالغيب، وإن كان أمر الانتقام من قتلة الصالحين والمصلحين، هو مكشوف للعيان واضح لكلّ ذي عينين إذا أتعب جفنيه ففتحهما علي ما حوله:

ألَيْس خلوّ المجتمع من الصلحاء المخلصين للأُمّة والوطن، يعني فراغ الساحة للعابثين، والانتهازيّين، والنفعيّين؟!

أليس قتل الجماعة المؤمنة، ذات المستويات الرفيعة في الشرف والكرامة، بين الأُمّة، يؤدّي إلي تجرّؤ القتلة والظلمة علي ارتكاب الجرائم الأكثر، لأنّه يهون عليهم قتل الآخرين، بعد قتل الأشراف؟!

أليس سكوت الأُمّة علي فظائع مروّعة، ومجازر رهيبة، مثل مذبحة كربلاء، بجرائمها وبشاعتها، يكشف عن عجز الأُمّة عن التصّدي للظالم، وخضوعها، بما يؤدّي إلي إقدامه علي الإجرام الأوسع، كما فعل بنو أُميّة في وقعة الحرّة!


بل علي الهتك الأعظم لحرمات الله، كما فعلوه في إحراق الكعبة وهدمها؟!

إنّ هذه النتائج الواقعة، كانت هي النتائج المنظورة والمرئيّة لكلّ أحد ممّن يحمل قبساً من نور الوعيْ والعقل والفكر، أو يجد عليها هديً، ولم يكن بحاجة إلاّ إلي الْتفاتة صغيرة!

وقد أخبر الإمامُ الحسين عليه السلام عن بعض هذه النتائج قبل أن يرد كربلاء، وبعد أن وردها:

[268] قال: والله، لا يدعوني حتّي يستخرجوا هذه العلقة من جوفي! فإذا فعلوا، سلّط الله عليهم من يذلّهم، حتّي يكونوا أذلّ من فرم الأَمَة!

[266] وقال: لا أراهم إلاّ قاتليّ، فإذا فعلوا ذلك لم يَدَعُوْا لله حرمة إلاّ انتهكوها، فيسلّط الله عليهم من يذلّهم حتّي يكونوا أذل من فرم الأَمَة!

ولقد كان القتلُ للأنبياء والأئمّة عادةً، وكرامتهم من الله الشهادة، وإنّما بَرز الّذين كُتب عليهم القتلُ إلي مضاجعهم، ليثبتوا أنّهم أوفياء لوعد ربّهم، ولدينهم، وأهدافهم. فكذلك كان الانتقام للدماء الزاكية سُنّةً إلهيةً جاريةً.

وقد ذكّر الله تعالي نبيَّه بذلك، كما في الحديث:

[286] أوحي الله تعالي إلي محمّد صلّي الله عليه وآله وسلّم: أنّي قد قتلت بيحيي بن زكريّا سبعين ألفاً، وأنا قاتل بابن ابنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً [1] .

وأمّا آحاد الحُثالات التي تكدّست في كربلاء، وارتكبتْ جريمة عاشوراء، فهم أحقر من أن يُذكروا، ويذكر ما جري عليهم، فكفاهم ذلاًّ، وخزياً، وعاراً، وشناراً، ما أقدموا عليه من قتل ابن بنت رسول الله، والكوكبة الأخيار من آله، والهالة المشعّة من الصالحين حوله.


مع أنّ التاريخ لم يغفل ما جري علي كلّ واحد منهم من الانتقام الإلهيّ في هذه الدنيا، علي يَدِ الأخيار من أنصار الحقّ الّذين «اختارهم» الله لهذه المهمة العظيمة لتكون عبرة لمن اعتبر، ولمن يعتبر علي طول التاريخ، من الظَلمة، ليعلموا أنّ الله لهم بالمرصاد، وليأتينّهم موعدهم ولو بعد حين.



پاورقي

[1] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:149).