بازگشت

العريان


وقبل أن نغادر كربلاء، ونودِّعَ «يوم عاشورا» بآلامه وشجاه، لابُدّ أن نلقي نظرة وداع علي تلك الجثث الطاهرة، المضرّجة بدمائها، في سبيل الإسلام ورسالته الكبري.

فإذا بِنا نشاهد مشهداً فظيعاً، جسمَ الحسين، حبيبَ النبيّ، ملقيً، عارياً عن كلّ ما يورايه عن حرّ الشمس!

ولقد جاء في الحديث أنّ الحسين نفسه كان قد توقّع من لؤم القوم أن يجرّدوه من ثيابه:

[277] قال الحسين بن عليّ حين أحسَّ بالقتل: ابغوني ثوباً لا يُرْغَبُ فيه، أجعله تحتَ ثيابي! لا أُجَرَّد!

فأخذ ثوباً، فخرقه، فجعله تحت ثيابه!


فلمّا قُتِلَ، جُرِّدَ صلوات الله عليه ورضوانه [1] .

واحسرتا، علي هذه الأُمّة!

إلي أيّ حدّ وصلت إليه من اللؤم، والرذالة، والخبث، والنذالة، وهم يدّعون الانتماء إلي أفضل دين عرفته البشرية بتعاليمه الإنسانية القيّمة!!

أربعة آلاف في بداية القتال، بلغوا اثنتي عشر ألفاً علي بعض الأقوال، وثلاثين ألفاً علي أوسط الأقوال، وأكثر علي أقوال أُخر، جنود الدولة الإسلامية، ليس فيهم مَنْ يعرف من الإسلام أوّليات واجباته الأخلاقية، حقّاً، إنّ من المستنكَر أن يدّعي أحدهم الإسلام!

وقد ذُهلوا عن هذه الدعوي، لمّا واجهتهم أُخت الحسين، بمثل هذا السؤال: «أما فيكم مسلم؟!» فلم يُجبْها أحدٌ منهم!

وكيف يجرؤ علي ادّعاء الإسلام مَنْ يُقدِمُ علي هذا الإجرام، الذي تأبي نفوس أحقر الناس وأفقرهم عن ارتكابه: تجريد ابن بنت رسول الله من ثوب ممزّق، ملطّخ بالدم!

ولماذا؟!

إنّه أمر يقزّز الشعور، ويجرح العاطفة، ويستدرّ العَبْرة.

لكنّهم فعلوا كلّ ذلك، وهم يزعمون أنّهم مسلمون! عَرَبٌ!!

أمّا الحسين عليه السلام فقد فَنَّدَ بمواقفه وتضحياته مزاعمهم، كما صرّح في خطاباته بانتفائهم عن كلّ ما ينتمون إليه حين صاح بهم:

ويْحَكُم، يا شيعة آل أبي سفيان!

إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم، إن كنتم عَرَباً! كما تزعمُون! [2] .


فقد نفي أن يكون لهم «دين» يعتقدون بأحكامه، ولا مسلمين يخافون المعاد الذي يخافُه كلّ ملّيٍّ معتقد، فيمتنع من ارتكاب الأصغر من تلك الجرائم النكراء البشعة!

ونفي أن يكونوا «عرباً» لأن للعُروبة عند أهلها قوانين وسُنناً وآداب وموازين، أقلّها الشعور بالتحرّر والإباء والحميّة والمروءة والتأنُّف من ارتكاب المآثم الدنيئة والاعتداءات الحقيرة.

أمّا هؤلاء «المسلمونَ!» و «العَرَبُ!» فهم الممسوخُون، المغمُورون في الرذيلة إلي حدّ الغباء، والعمي، لبعدهم عن الحقّ، وانضوائهم تحت لواء الباطل.

وظلّت كربلاء، ويوم عاشوراء، وصمة عار علي جَبينِ التاريخ الإسلاميّ وعلي جبين أهل القرن الأوّل، لا يمحوها الدهر، ولا يغسلها الزمن.



پاورقي

[1] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:147).

[2] رواه أصحاب المقاتل، انظر: الإيقاد: ص129 ومقتل الحسين عليه السلام للمقرّم: ص275.