بازگشت

اتمام الحجة


وإذا كان الحسين عليه السلام يمثّل الرُسُل والرسالات الألهية، فلابُدّ أن ينحوَ منحاهم في تبليغها، فلقد كانوا يقضون أكثر أوقاتهم في إبلاغها، وإتمام الحجّة علي أقوامهم، قبل أن ينزلوا معهم إلي المعارك الحاسمة.

وهكذا فعل الحسين عليه السلام.

فإذا كان في المحلّلين التاريخيين مَنْ يزعم: «أنّ شعب الكوفة الذي حارب الحسين، لم يكن يعرفه، ولا يعرف عن أهدافه شيئاً»!

فإنّ ذلك ليس إلاّ تحريفاً للحقائق من وجه آخر، فكيف يدّعي علي أُمّة أنّها لم تعرف سبط نبيّها بعد «خمسين سنة» فقط من وفاته؟! فعليها العفاءُ من أُمَّة! وبالخصوص، أهل الكوفة الّذين عاش الحسين عليه السلام بينهم طوال خمس سنين، مدّة وجود أمير المؤمنين علي عليه السلام في الكوفة (36 ـ 40هـ)


فما أغباهم من أُمّة لو نسوا ابن إمامهم؟! بعد (عشرين) سنة فقط؟!

إنّه عذرٌ أقبح من الجرم، بمّرات!

ومع هذا، فإنّ الإمام الحسين عليه السلام قطع أوتار هذا العُذْر، فوقفَ كما وقفَ الأنبياء، والدعاة إلي الله، ناصحاً، ومعرّفاً بنفسه، ومتمّاً للحّجة عليهم.

قال الرواة: لمّا نزلَ عمر بن سعد بحسين، وأيقنَ أنّهم قاتلوه، قامَ الحسين عليه السلام في أصحابه خطيباً، فحمدَ الله وأثني عليه، ثمّ قال:

[271] قد نزل بنا ما ترونَ من الأمر، وإنّ الدنيا قد تغيّرتْ وتنكّرتْ وأدبر معروفها، واستمْرَتْ حتّي لم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء، إلاّ خسيس عيش [1] كالمرعي الوبيل.

ألا ترونَ الحقَّ لا يُعمل به، والباطلَ لا يُتناهي عنه؟!

ليرغبَ المؤمنُ في لقاء الله.

وإنّي لا أري الموت إلاّ سعادةً، والحياة مع الظالمين إلاّ بَرَماً [2] .

ففي أقصر عبارة، وأوفاها في الدلالة، جمع الإمام بين الإشارة إلي الماضي والتعريف بالحاضر.

وذكر الحق وتركه، والباطل والإلتزام به.

وذكّر بلقاء الله منتهي أمل المؤمنين ورغّبهم فيه.

وذكر السعادة، وجعل «الحياة مع الظالمين» ضدّها!

وأهمّ ما في الخطبة التذكير بالتغيّر الحاصل في الدنيا، وإدبار المعروف؟!

ألا يكفي السامع أن يتنبهَ إلي الفرق بين «دُنيا» يوم عاشوراء، عن الدنيا قبلها، وما هو «التغيّر» الحاصل فيها؟! كي يعتبر؟!

وأظنّ أنّ كلّ مفردة من المفردات التي أوردها الإمام في خطبته تكفي لأن يعيَ السامعون، ويبلغوا الرشد! إن لم تكن علي القلوب أقفالُها!


وفي غداة يوم عاشوراء، خطب الإمامُ أصحابه:

[272] فحمد الله، وأثني عليه، ثمّ قال: عبادَ الله، اتّقوا الله، وكونوا من الدنيا علي حَذَر، فإنّ الدنيا لو بقيت لأحد، أو بقي عليها أحدٌ، كانت الأنبياءُ أحقَّ بالبقاء، وأولي بالرضا، وأرضي بالقضاء.

غير أنّ الله تعالي خلق الدنيا للبلاء، وخلق أهلها للفناء، فجديدها بال، ونعيمها مضمحلّ وسرورها مكفهرٌّ.

والمنزلُ بُلْغةٌ، والدار قلعة.

(وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَي وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبابِ).

فيذكر الدنيا، وحذّر منها، وذكر الأنبياء، ليدلّ علي حضورهم في الأهداف معه.

ويذكر البلاء والفناء والبلي واضمحلال نعيمها واكفهرار سرورها! لعلّ كلماته تبلغ مسامعَ أهل الكوفة فتندكّ بها، فيرعوون عمّا هم عليه مقدمون!

ولّما لم يجدْ منهم أُذناً صاغية، وكان صباح «عاشوراء» توجّه بهذا الدعاء:

[270] لمّا صبّحت الخيلُ الحسينَ بن عليّ، رفع يديه فقال:

اللّهُمَّ، أنت ثقتي في كلّ كَرْب، ورجائي في كلّ شدّة، وأنتَ لي في كلّ أمر نَزَلَ بي ثقةٌ وعُدّةٌ، فكمْ من هَمّ يضعفُ فيه الفؤادُ، وتقلّ فيه الحيلةُ، ويخذل فيه الصديقُ، ويشمتُ فيه العدوُّ، فأنزلتُه بك وشكوتُه إليك رغبةً فيه إليك عمّن سواك، ففرّجْتَهُ، وكشَفْتَهُ، وكفيتَنيه. فأنت وليُّ كلّ نعمة، وصاحبُ كلِّ حسنة، ومنتهي كلِّ غاية [3] .

وفي هذا الدعاء توجيه للسامعين إلي الله، وإيحاء بالثقة والرجاء والأمل والفرج والكشف والكفاية.

وتحديد للعدوّ والصديق، وتذكير بالنعمة والحسنة والغاية، التي هي لقاء


الله.

أمّا إذا لم ينفع التذكيرُ، ولم ينجع النصحُ، لقوم غفلوا عن الله، وهم عُميٌ صُمٌ بُكمٌ، لا يفقهون حديثاً، ولا يعون شيئاً.

فإنّ الإمام عليه السلام لمّا وَجَدَ نفسه مُحاطاً بالأعداء، ووجدهم مصمّمين علي تنفيذ الجريمة العُظمي لا يرعوون، كاشفهم بكلّ الظواهر والبواطن، وأوضح لهم الواضحات، لئلاّ يبقي عذرٌ لمعتذر، قال الرواة:

[273] لما استكفَّ الناس بالحسين، ركب فرسه، ثمّ

استنصتَ الناسَ فأنصتوا له، فحمد الله وأثني عليه، وصلّي علي النبي صلّي الله عليه وآله وسلّم، فقال: تبّاً لكم، أيّتُها الجماعة، وترحاً.

أحين استصرختمونا وَلِهينَ، فأصرخناكم موجِفينَ، شحذتُم علينا سيفاً كان في أيماننا، وحششتُم علينا ناراً قدحناها علي عدوّكم وعدوّنا، فأصبحتُم إلْباً علي أوليائكم، ويَداً عليهم لأعدائكم؟

بغير عدل رأيتموه بثُّوه فيكم، ولا أمَل أصبح لكم فيهم.

ومن غير حَدَث كان منّا، ولا رأي يُفَيّل فينا.

فهلاّ ـ لكم الويلاتُ ـ إذ كرهتمونا تركتمونا، والسيف مشيمٌ، والجأش طامنٌ، والرأي لم يستخفّ.

ولكن استصرعتم إلينا طيرة الدنيا، وتداعيتم إلينا كتداعي الفراش.

قيحاً وحكةً وهلوعاً وذلّةً لطواغيت الأُمّة، وشذّاذ الأحزاب، ونَبَذة الكتاب، وعُصبَة الآثام، وبقيّة الشيطان، ومحرّفي الكلام، ومطفي السنن، وملحقي العهر بالنسب، وأسف المؤمنين، ومزاح المستهترين، الّذين جعلوا القُرآن عضين (لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ

أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ).

فهؤلاء تعضدون؟! وعنّا تتخاذلون؟!

أجَلْ ـ والله ـ الخذلُ فيكم معروف، وشجت عليه عروقكم،


واستأزرت عليه أُصولكم وفروعكم.

فكنتم أخبث ثمرة شجرة للناظر، وأكلة للغاصب!

ألا فلعنة الله علي الناكثين (وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً).

ألا، وإنّ البَغيَّ قد ركز بين السِلّةِ والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، [4] أبي الله ذلك ورسولهُ والمؤمنون، وحجورٌ طابتْ، وبطونٌ طهرتْ، وأُنوفٌ حميّةٌ، ونفوسٌ أبيّةٌ، تُؤْثِر مصارعَ الكرام علي ظآر اللئام.

ألا، وإنّي زاحِفٌ بهذه الأُسْرة، علي قِلّة العدد، وكثرة العدوّ، وخذلة الناصر!

فإنْ نَهْزِمْ فهزّامون قِدْماً وإن نُهْزَم فغير مُهَزَّمينا

وما إنْ طِبُّنا جُبْنٌ ولكنْ منايانا وطعمة آخرينا

ألا، ثمّ لا تلبثون إلاّ ريثما يُركبُ فرسٌ، حتّي تدار

بكم دورَ الرحا، ويُفلق بكم فلقَ المحور، عهداً عهده النبي إلي أبي.

(فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ، ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنْظِرُونِ).

[سورة يونس: 71]

(إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَي اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَا مِن دَابَّة إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَي صِراط مُسْتَقِيم).

فإنْ كان في سامعي هذه الخطبة مَنْ عنده مثقال ذرّة من خير، اكتسَبه بعرف أو تعلّمه من درس أو دين، أو كان له ضمير ووجدان، أو من يرجع إلي عقل ونظر لنفسه، لكانت له مُرشدةً!

إذ أنّ الإمام عليه السلام قد استعمل كلّ ذلك:

فحرّك الأعراف القائمة علي الوفاء بالعهد، والإحسان بالمثل.


وبصّرهم بالبؤس الذي غمرهم، فهم في غمرته ساهون، فلا عدلَ ولا أملَ في الحكم الذي تحت نيره يرزحون، وهم لا يشعرون!

وقرأ لهم الشعر الحماسيّ الذي تمثّل به أبطال العرب، وسارت به الأمثال!

وأوضح لهم مفاسد الموقف من خلال عروض البغيّ ابن البغيّة، كي تتحرّك عندهم خيوط الوجدان، ويتبصّروا مواقع أقدامهم، وأهدافهم! لَعلّهم يهتدون.

كما عرّفهم ـ بأقوي نصٍّ ـ بنفسه وأصله وفصله، والجماعة الّذين معه، الّذين

عبّر عنهم بـ «هذه الأُسرة» تعبيراً عن اندماجهم وتكتّلهم ووحدتهم، في المسير والمصير، وأنّهم ليسوا مّمن يتوقّع نزولهم علي رغبة الأعداء، هيهات!

وذكر في خُطبته الأنبيَاء، والنبيّ، وأباه.

وقرأ لهم الآيات مستشهداً بها.

ألم يكن الجمع قد سمعوا آيات القرآن؟! وهم الآن يسمعون الإمام يتلوها عليهم؟!

فإن لم يقرأوا القرآن فكيف يدّعون الإسلام؟!

وإن قرأوه، فهل حجّة أتمّ عليهم من آياته؟!

ومن أعظم المواقف إثارة، وأتمّ الخطب حجّة، ما نقله الرواة، قالوا:

[274 ـ 275] إنّ الحسين بن عليّ لمّا أرهقه السلاحُ، قال: ألا تقبلون منّي ما كان رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم يقبل من المشركين؟

قالوا: وما كان رسول الله يقبل من المشركين؟

قال: إذا جنحَ أحدُهم، قبِلَ منه!

قالوا: لا.

قال: فدعوني أرجع!


قالوا: لا.

قال: فدعوني آتي التُركَ، فأُقاتلهم حتّي أموت [5] .

وبدلاً أن يتعاطفوا مع هذا العرض، تمادوا في الغيّ..

فأخذ له رجلٌ السلاحَ، وقال له: أبشر بالنار!

فقال الحسين عليه السلام: بل ـ إن شاء الله ـ برحمة ربّي عزّ وجلّ، وشفاعة نبيّي صلّي الله عليهوآله وسلّم.

إنّها منتهي الضراوة والوحشية من جيش الكوفة، ولكنّها منتهي الغاية في إتمام الحجّة عليهم من الإمام الحسين عليه السلام.

لقد كشف الإمامُ بعرض هذه الأُمور، عن مدي قساوة هؤلاء، كما كشف عن جهلهم بسُنّة الرسول، التي يدّعون الانتماء إليها والدفاع عنها.

وحين رفضوا الخيارات التي عرضها بكلمة النفي «لا» فإنّ الخيار الثالث ـ مهما كانت صيغته ـ فإنّه لم يقابَلْ إلاّ بالسلاح! [6] .

وهذا لا يصدر ممن له وجدان، وضمير، وإنسانية، فضلاً عن الّذين يدّعون الانتساب إلي الإسلام دين الرحمة والسلام والحقّ والعدل!

إنّ عروض الحسين عليه السلام هذه تكشف بجلاء عن مدي بُعْدِ الأُمّة


المسلمة، عن دين الإسلام، ولمّا يمضِ علي وفاة النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم، نصفُ قرن، خمسون عاماً فقط!!

وإنّ المسلمين لم يتعمقوا في فهم التعاليم القيّمة التي جاء بها الإسلام ولم يتخلّوا تماماً من روح الجاهلية الأُولي الكامنة في نفوسهم فلا زالوا يتحرّكون بها، ولازالت أعراف الجاهلية وعاداتها في حبّها لسفك الدماء، وهتك الأعراض، وخيانة الوعود، ونبذ العهود، وخفر الجوار، وهتك الذمار، تملأ نفوسهم، وتعشعش في عقولهم!

وأبان الإمام الحسين عليه السلام أنّ المسلمين ـ يومذاك ـ قد استولي عليهم الحكّام إلي حدّ الانقياد لهم في معصية الله، وإلي حدّ الذُلّ والخضوع والطاعة لمن بيده القوّة ـ حبّاً للحياة الدنيا ـ مهما كان الحاكم في شخصه، وفعله، وتصرّفه، وقوله، وفكره: شناعةً، وقباحةً، وفساداً، وجوراً، وخِسّةً، ووحشيّةً.

وفي كلّ هذا ردّ كاف عَلي الرأي القائل بأنّ للأُمّة «عِصْمةً» في تعيين مصير السياسة المهمّة، التي تتعلّق بدين الناس ودنياهم، وتبني عليها الأعراض، والأموال، والنفوس!

فقد كشف الإمامُ الحسين عليه السلام بخطاباته، ومواقفه، وبشهادته: أنّ الأُمّة المسلمة، إذا كانت بعد مضيّ خمسين عاماً، لم تعِ، ولم تدرك ما عرض عليها من الحقائق الواضحة، وقد أوغلوا في الجهل إلي حدّ الإقدام علي قتل سبط نبيّهم! وأسر بناته وأهله!

إذا بلغَ وَعْيُ الأُمّة بعد خمسين سنة من حكم الخلفاء باسم الإسلام إلي هذا الحدّ المتردّي، من الجهل والتدني والانحطاط والوحشيّة، الذي هو عين «اللاوعي» بالرغم من تكاثف الأعوام وتكرّر المفاهيم التي جاء بها الإسلام بقرآنه وسُنّته، وسيرة أصحابه، أمام مرأي الأُمّة ومسامعها!

فكيف بهذه الأُمّة، قبل خمسين عاماً، وفي السنة التي توفّي فيها نبيّهم صلّي


الله عليه وآله وسلّم حين يُدّعي أنّها أجمعتْ ـ لو تمّ ثمّ الإجماعُ! ـ علي تنصيب خليفة لأنفسهم، يقوم مقام الرسول صلّي الله عليه وآله وسلّم، ذلك المقام الجليل المقدّس والمهمّ؟!

فإذا كانت الأُمّة في عصر الحسين عليه السلام، لم تبلغ الرشد ـ في عامها الخمسين ـ أن تعي من أمر الخليفة والولاة، يزيد وابن زياد، ما يبعثها علي رفضهما، والابتعاد عن خطّتهما، أو الانعزال والتبرّؤ من أعمالهما، بل بلغ بها الجهلُ والغيُّ أن أطاعتهما إلي حدّ الإقدام علي قتل سيّد شباب أهل الجنّة، سبط النبي صلّي الله عليه وآله وسلّم؟!

فكيف تكون راشدةً في اختيار خليفة للرسول، فور وفاته قبل خمسين عاماً، وهي في حال الصِغَر؟!

إنّ إثبات هذه الحقيقة الدامغة، كان واحدة من نتائج ما قام به الإمام الحسين عليه السلام من إتمام الحجّة، يوم عاشوراء!

ومهما تكن آثار جهود الإمام في خُطبه، إلاّ أنّ الأرض لا تخلو من حجّة، وقد برز من بين تلك الجموع الكثيفة، الغارقة في جهلها، مَنْ وَعَي نداءات الحسين عليه السلام، وتحرّك وجدانه، وأحسّ ضميره.

فقد جاء في نهاية حديث عرض الإمام عليه السلام للخيارات الثلاث ومواجهة جيش الكوفة لها بالرفض والسلاح، أنّه:

[ص220] كان مع عمر قريب من ثلاثين رجلاً من أهل الكوفة فقالوا: يعرض عليكم ابنُ بنت رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم ثلاث خصال، فلا تقبلون شيئاً منها؟!

فتحوّلوا مع الحسين، فقاتلوا.

إنّ هؤلاء أبلغ حجّة، علي كلّ القوم، حيث دلّ حديثهم علي أنّ كلام الحسين قد بلغ جيش الكوفة، لكن رانَ علي قلوبهم حبُّ الدنيا، ونخوة الجاهلية، والعمي عن الحقّ، فهم لا يهتدون.


أيحقُّ ـ بعد هذا ـ كلّه لهذه الجماعة، أنْ تدّعي أنّها أُمّة محمّد رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم، وأنّها آمنت بدينه الإسلام، وتريد أن تدخل الجنّة؟!

وقد أشار إلي هذه المفارقة بعضهم لمّا قال:

[323] لو كنتُ فيمن قَتَلَ الحسين، ثمّ أُدخلتُ الجنّة، لاستحييتُ أنْ أنظر إلي وَجْهِ النبي صلّي الله عليه وآله وسلّم.

ولم يصرّح، لأنّ مثل هذا الفرض قد قيل في بيئة لم يستبعد فيها لقاتل الحسين عليه السلام أن يدخل الجنّة!

وهذا هو واحد من أوجه التردّي في الضلال، والتقهقر في الوعي، والتخلّف في الشعور، والبعد عن الإسلام!

فكيف يحتمل أن يدخلَ الجنّة قاتل الحسين ـ سيّد شبابها ـ؟! بينما (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا) كما يقول القرآن؟!


پاورقي

[1] في مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور: حشيش عَلَس.

[2] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:146).

[3] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:146).

[4] وفي نسخة: «الدنيّة» بدل «الذلّة».

[5] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:146)، تحتوي الروايتان اللتان رواهما ابن عساکر علي «طلب الإمام المسير إلي يزيد» لکن الروايات الصحيحة، خالية من ذلک، بل روي عن عقبة بن سمعان قوله: «صاحبت الحسين من المدينة إلي مکّة ومن مکّة إلي کربلاء، ولم أُفارقه في حال من الحالات، فما سمعت منه أن يقول: «دعوني آتي يزيد» لاحظ تاريخ دمشق، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص220 هامش) مع أنّه لو أُضيفت تلک إلي الخيارات لکانت أربعا! بينما المتن ينصّ علي أنّها ثلاث!! ولاحظ الهامش الآتي.

[6] لقد اختلف الرواة في صيغة الخيار الثالث الذي عبّر عنه الإمام الحسين عليه السلام فقال الأکثرون انه عَرَضَ عليهم الرجوع إلي مدينة جدّه الرسول، فقوبل بالسلاح، ولکن الاُمويين افتأتوا صيغة اُخري حاصلها انّه يذهب إلي يزيد فيضع يده في يده، أو يري فيه رأيه! لکن مقابلتهم لهذا الخيار بالسلاح دليل علي عدم صدق هذا الافتيات، إذ معني ذلک التسليم والوقوع في أيديهم، فما لهم لا يقبلونه منه!؟ ولا يقابلونه إلاّ بالسلاح!؟.