بازگشت

يوم عاشوراء


[ص207] ولمّا خرج الحسين، وبلغ يزيد خروجه كتب إلي عبيد الله بن زياد عامله علي العراق يأمره بمحاربته وحمله إليه إن ظفر به فوجّه اللعين عبيد الله الجيش إلي الحسين عليه السلام مع عمر بن سعد.

وعدل الحسين إلي كربلاء، فلقيه عمر هناك، فاقتتلوا، فقُتل الحسين رضوان الله عليه ورحمته وبركاته، ولعنة الله علي قاتليه.

وكان قتله في العاشر من المحرّم سنة إحدي وستّين، يوم عاشوراء [1] .


وهو يومٌ عظيم في تاريخ المسلمين، وهو علي آل الرسول أليم.

أمّا عظمتهُ، فهي من أجل اقترانه بالحسين عليه السلام، ذلك الإمام العظيم

الذي مثّل الرسول في شخصه، لكونه سبطه الوحيد ذلك اليوم، ولكونه كبير أهل بيته، وخامس أهل الكساء المطهَّرين من عترته، والذي مثّل الرسالة في علمها وسموّها وخلودها.

فكانتْ معركة عاشوراء معركة الإيمان الذي مثله الحسين عليه السلام، والكفر الذي حاربه، ومعركة الحقّ الذي تجسّد في الحسين عليه السلام، والباطل الذي قاومه، ويعني ذلك أنّه قد تكرّرت في هذا اليوم معارك الأنبياء ومشاهد الصالحين، عَبْرَ التاريخ، وبخاصّة مغازي النبيّ محمّد صلّي الله عليه وآله وسلّم في بدر وأُحُد والأحزاب وغيرها، ومشاهد عليّ عليه السلام في الجمل وصفّين والنهروان.

فكلّ الانبياء والأئمّة والأولياء والصالحين، والشهداء والمجاهدين، يشتركون بأهدافهم وآمالهم وبدمائهم، وتشخَص أعيُنهم علي نتائج المعركة في عاشوراء.

وكلّ جهود الكفر والنفاق والفجور والفسق والرذيلة والخيانة، والجهل والغرور والإلحاد، تركّزت في جيش بني أُميّة، تُحاول أن تنتقم لكلّ تاريخها الأسود، من هذه الكوكبة التي تدور حول «الحسين عليه السلام» يريدون ليُطفئوا نور الله بسيوفهم وأسنّة رماحهم!

وأمّا ألَم عاشوراء، الذي أقرح جفونَ أهل البيت، وأسبل دموعَهم، وأورثهم حُزْناً، فهو من التوحُّش الذي أبداه الأعداء مع تلك الأبدان الطاهرة! ومن الظلم الذي جري علي ممثّل الرسول والرسالة، في وَضَح النهار المضيئ، وأمام أعين الأُمّة المدّعية للإسلام، من دون نكير، بل استهلّوا فرحاً بالتهليل والتكبير!

وما أفظع الظلم والقهر والألم بأنْ يُعتدي علي ابن بنت رسول الله صلّي الله


عليه وآله وسلّم، وعلي يد أُمّته، من المسلمين كما يتظاهرون، ومن العرب كما يزعمون، وبأمر من الخلفاء والولاة كما يدّعون!

إنّها الردّةُ الحقيقيّةُ، لا عن الإسلام فحسب، بل عن كلّ دين مزعوم، وعن كلّ معنيً والتزام إنساني، أو قومي، أو وطني، أو انتماء طائفي، أو تبعية، أو أي معنيً آخر معقول.

بل ليس ما جري في يوم عاشوراء قابلاً للتفسير إلاّ علي أساس الجاهليّة، والعمي، والغَباء، والغرور، والغطرسة، والحماقة، وحُبّ سفك الدم الطاهر، وروح الاعتداء والانتقام، والرذالة، والخسّة، والعناد للحقّ الظاهر، وركوب الرأس، والعنجهية، وخُسران الدنيا والآخرة.

فحقّاً كانت معركةُ عاشوراء، معركة الفضيلة كلّها ضدّ الرَذيلة كلّها.

لكن لم ينته الظلم علي آل محمّد بانتهاء عاشوراء، بل امتدّ مدي التاريخ الظالم، علي يد حكّامه، وعلي يد كُتّابه، وعلي يد الأشرار الّذين ناصبوا آل محمد العداءَ والبغضَ والكراهيةَ، وورثوا كلّ ذلك من أسلافهم، الّذين صنعوا مأساة عاشوراء.

أليس من الظلم البيّن والخيانة المفضوحة أن يُفْصَلَ «يوم عاشوراء» ومجرياته التاريخية، عن تاريخ الإمام الحسين عليه السلام؟!

هذا الذي وقع ـ فعلاً ـ في كتاب «تاريخ دمشق» لابن عساكر!

ونحنُ نربأ بابن عساكر نفسه، ذلك المؤرّخ الشهير، أن يكون قد أغفلَ ذكر

أحداث كربلاء ويوم عاشوراء بالذات، عن تاريخه الكبير، إذ لا يخفي عليه أنّ تاريخ الحسين عليه السلام إنّما يتركّز في عاشوراء، ويعلم أنّ مثل ذلك العمل سيؤدّي إلي أنْ يُنتقدَ بلا ريب من قبل المؤرّخين، والفضلاء، والنبلاء.

لكنّ يداً آثمة امتدّتْ إلي هذا الكتاب العظيم، لتفرّغه من ذكر أحداث «يوم عاشوراء» إذْ ليس في ذكر تلك الأحداث، إلاّ ما يَكشف عن مدي الألم والظلم


والاعتداء الذي جري علي أهل البيت، ممّا لا يمكن إنكارهُ ولا دفعُه ولا توجيهُه ولا تفسيرهُ إلاّ علي أساس ما قُلنا!

وتلك اليد الآثمة الخائنة للعلم والتراث تريد أن تبرّئ ساحة بني أُميّة، أسلافها، من الجرائم المرتكبة يومذاك، تلك الجرائم السوداء البشعة، التي لم يغسل عارَها مرورُ الأيّام ولا ينمحي بحذف هذه الأحاديث من هذه النسخة أو تلك.

ولئن امتدّت يدُ الخيانة إلي تاريخ ابن عساكر، فحذفتْ منه حوادث يوم عاشوراء، فإنّ مؤرّخي الإسلام، ومؤلّفي المسلمين، قد أفعموا كتب التاريخ بذكر تلك الحوادث، وجاء ذكر ذلك في العديد من الكتب التاريخية واُلّف لذلك، خاصةً، ما يسمّي بكتب «المقاتل».

ولعلّ نسخةً من أصل تاريخ ابن عساكر توجدُ هناك أو هنا، فيعرفها مطّلعٌ، أو يطّلع عليها منصِفٌ، فيُخرجها إلي النور، فيَبْهَتُ الخائنون الّذين ظلموا الإسلام، وظلموا آل محمد، وظلموا التاريخ، وظلموا التراث، وظلموا المسلمين بالتعتيم عليهم، وكتمان ما جري علي أرض الواقع عنهم.

كما فعلوا مثل هذا الحذف والتحريف في كثير من كتب التراث والحديث والدين، فأبادوها بالدفن والإماثة بالماء، والإحراق [2] .

ولكن الحقائق، وإنْ خالوها تخفي علي الناس، فإنّها لابُدّ وأن تُعْلَم مهما طال الزمن [3] .


ونحن ـ لمّا التزمنا في كتابنا هذا بإيراد ما رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة الإمام الحسين عليه السلام فقط ـ لا نحاول أنْ نخرجَ عن هذا الالتزام، فلا نَستعرض حوادث السيرة، اكتفاء بما جاء في المقاتل القديمة والحديثة من ذكرها، وأملاً في أنْ نوفّق لعرضها في كتاب مستقلّ بعون الله.

ولكنَّا نورد في ما يلي ما رواه ابن عساكر من خطب الإمام في يوم عاشوراء، وفيها من العِبَر ما هو كفاية للمعتبرين.


پاورقي

[1] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:145).

[2] إقرأ عن ذلک: «تدوين السنة الشريفة» للمؤلّف.

[3] مثل الطبقات الکبري، لابن سعد کاتب الواقدي، فإنّه ذکر في ترجمة الإمام الحسين عليه السلام مقتله، وما جري عليه يوم عاشوراء بتفصيل واف، ولابدّ أنّ ابن عساکر قد أورده في تاريخه، لأنه لا يغفل ما رواه ابن سعد في الطبقات، فکيف يتجاوز هذا المقتل؟

إلاّ أنّ ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من کتاب «الطبقات» لابن سعد، هي الاُخري حاول إغفالها الطابعون للطبقات، فلم يوردوها في المطبوع ـ لا الطبعة الاُورپية ولا البيروتية؟!

لکن الله ادّخر منها نسخةً في مکتبة أحمد الثالث في استانبول ـ وهي النسخة الأصل التي اعتمدها طابع النسخة الاُورپية ـ وحقّقها أخيراً سماحة السيد الطباطبائي في نشرة تراثنا الصادرة من مؤسسة آل البيت ـ قم في العدد (10) ونشر مستقلاً أيضاً.

کما أورد محقق کتاب ابن عسـاکر سماحة الشيخ المحمـودي کلّ ما يرتبط بالمقتـل منه في هامش مطبوعته من تاريخ ابن عسـاکر، ليتلافي النقص في ترجمة الإمام عليه السلام منه، فجزاه الله خيراً.