بازگشت

و اما من كان مع الحسين، في مسيره


فقد كان عليه السلام يصطحبُ معه «جَيْشاً» يُشيرُ إليه، ويستعرضه، كلّما سُئِلَ عنه؟ ألا وهي أكداس الرسائل وكتب الدعوة الموجّهة إليه من الكوفة، ممّن كان يعبّر عن رأي عامّة الناس، من الرؤساء والأعيان.

إنّه عليه السلام كان يعدّ تلك الأعداد من الكتب والرسائل «جيشاً» يستحثّه المسير، ويُصاحِبُه، وكانَ كلّما عرضه علي المتسائلين والمتشائمين، بل الناصحين، أُفْحِمُوا، ولم يَحْرُوا جواباً!

وليس الاستنادُ إلي هذا الكمّ الهائل من عهود الناس ـ وفيهم أصحاب الزعامة، والكلمة المسموعة ـ بأهونَ من الاعتماد علي أمثالهم من الأشخاص المجنّدين الحاضرين معه، لو كانوا.

فإنّ احتمالات الخَيانة والتخاذل في الأشخاص، مثلها في أصحاب الرسائل


والعهود، إنْ لم تكن أقوي وأسرع!

وغريبٌ أمرُ أُولئك الّذين ينظرُون إلي الموقف من زاوية المظاهر الحاضِرة، ويحذفون من حساباتهم الأُمور غير المنظورة، ويُريدون أن يُحاسِبوا حركة الإمام وخروجه، علي أساس أنّه إمام عالم بالمصير، بل: لابُدّ أن يعرف كلّ شي من خلال الغيب! فكيف يُقدم علي ما أقدم وهو عالم بكلّ ما يصير؟!

والغرابةُ من: أنّ الإمام الحسين عليه السلام لو عَمِلَ طبقاً لما يعلمه من الغيب، لعابَ عليه كلّ مَنْ يسمع بالأخبار ويقرأ التاريخ، أنّه ترك دعوة الأمّةـ المتظاهرة بالولاء له، من خلال آلاف الكتب والعهود والواصلة إليه بواسطة أُمناء القوم ورؤسائهمـ استناداً إلي احتمالات الخيانة والتخاذل، التي لم تظهر بوادرها إلاّ بالتخمين، حسب ماضي هذه الجماعة وأخلاقهم. واعتماداً علي الغيب الذي لم يؤمن به كثير من الناس في عصره ومن بعده، ولم يسلّمه له غير مجموعة من شيعته.

فلو أطاع الإمام الحسين عليه السلام اُولئك الناصحين له بعدم الخروج، لكان مطيعاً لمن لم تجب عليه طاعتهم، وتاركاً لنجدة من تجب عليه نجدتهم.

كما أنّ طاعة أُولئك القلة من الناصحين لم تكن بأجدر من طاعة الآلاف من عامّة الشعب، الّذين قدّموا له الدعوة، وبإلحاح، وقدموا له الطاعة والولاء.

وقبل هذا، وبعده: فإنّ الواجب الإلهيّ، يحدوه، ويرسم له الخطط، للقيام بأمر الأُمّة، فإذا تمّت الحجّة بوجود الناصر، فهذا هو الدافع الاوّل والأساسيّ للإمام علي الإقدام، دون الإحجام علي أساس الاحتمالات السياسية والتوقّعات الظاهرية، وإنّما استند إليها في كلماته وتصريحاته لإبلاغ الحجّة، وإفحام الخصوم، وتوضيح المحّجة لكلّ جاهل ومظلوم [1] .


وأمّا ظاهرياً:

فقد كان في «قلّة من الناس» وهذا يوجب القلق، في الوجه الذي سار فيه الإمام:

[262 و265] قال زُهَيْر بن شدّاد الأسديّ ـ من أهل الثعلبيّة التي مرّ بها الحسين عليه السلام في طريقه إلي الشهادة ـ: أي ابن بنت رسول الله، إنّي أراك في قلّة من الناس، إنّي أخاف عليك!

فأشار بسوط في يده ـ هكذا ـ فضرب حقيبةً وراءَه، فقال: «إنّ هذه مملوءةٌ كتباً»، «هذه كتب وجوه أهل المصر»!

وقد كان أصحاب الحسين عليه السلام من القلّة بحيث قد عدّهم التاريخ كمّاً، عدّاً بأسمائهم، وقبائلهم، وأعيانهم.

فكان معه من بني هاشم عدّة معروفة، كما في الحديث:

[ص204] بعث الحسين إلي المدينة، فقدم عليه مَنْ خفّ معه، من بني عبد المطلّب، وهم تسعة عشر رجلاً، ونساء وصبيان من إخوانه، وبناته ونسائهم [2] .

ويقول الحديث الآخر عن الذين استشهدوا معه عليه السلام من الهاشميّين

[284] قُتل مع الحسين ستّة عشر رجلاً من أهل بيته [3] .

والحسين عليه السلام هو السابع عشر والّذين خرجوا من المعركة أحياء هم اثنان فقط، أحدهما: عليّ زين العابدين، والآخر: الحسن المثنّي، اللذان ارتُثّا [4] في المعركة، واُخذا مَعَ الأسْري!

وأمّا العدد الإجماليّ لمجموع الّذين «حضروا» مع الإمام في كربلاء فقد


جاء في الحديث:

[ص205] فخرج متوجّهاً إلي العراق في أهل بيته، وستّين شيخاً من أهل الكوفة [5] .

وجاء في بعض المصادر المتخصّصة ذكر من «حَضَر مع الحسين في كربلاء» وعددهم يتجاوز المائة بقليل.

أمّا الّذين «قتلوا» معه، فقد أُحصوا بدقّة، وسجّلتْ أسماؤهم في كتب النسب [6] ، والمشهور أنّ مجموع من «قُتل معه» هم «72» شهيداً [7] .


پاورقي

[1] وقد فصّلنا الحديث عن علم الأئمة بالغيب والإعتراض علي إقدامهم بأنّه إلقاء إلي التهلکة، في مقال مفصّل طبع في «تراثنا» عدد 37.

[2] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:143).

[3] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:148).

[4] ارثُتّ: أي قاتل، وجرح في المعرکة، فاُخرج منها وبه رَمَقٌ.

[5] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:143).

[6] من ذلک کتاب «تسمية من قُتِل مع الحسين عليه السلام من أهله وأولاده وشيعته» للراوي الفضيل بن الزبير بن درهم الأسدي الرسّان الکوفي، من أصحاب الباقر عليه السلام. وقد حقّقتُه ونشرته في مجلّة «تراثنا» الفصليّة التي تصدر في قم، (العدد الثاني) (1406).

وقد حاولتُ إعادة النظر فيه، والاستدراک عليه، والتقديم له بشکل موسّع وأسأل الله التوفيق لنشره ثانيةً.

وهناک کتب متخصّصة لذکر «أنصار» الإمام الحسين الّذين کانوا معه في کربلاء، من أشهرها «إبصار العين في أنصار الحسين» للشيخ محمد السماوي.

[7] أُسد الغابة، لابن الأثير (2:22).