بازگشت

و حديث كربلاء: احزانها و تربتها


واسم «كربلاء» نفسه، الذي لم يذكر في تراث العرب القديم، وإنّما جاء علي لسان الغيب، وسمعه العرب لأوّل مرّة في حديث النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم، فيما رواه سعيد بن جهمان، قال:

[233] إنّ جبرئيل أتي النبي صلّي الله عليه وآله وسلّم بتراب من تربة القرية التي يقتل فيها الحسين.

وقيل: اسمها «كربلاء».

فقال رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: كربٌ وبلاءٌ [1] .

فلابُدّ أن يكون هذا الاسم موضوعاً علي تلك القرية، لكن تداولها بدأ منذ هذا الحديث، وأمّا استيحاء «الكرب» و «البلاء» منه، فلم يؤثر إلاّ من هذا النصّ، بالرغم من إيحاء حروف الكلمة، ودلالتها التصوّرية التي لا يمكن إنكارها.

وعليّ عليه السلام أيضاً سأل عن هذا الإسم واستوحي منه نفس الوحي:

[278] قال الراوي: رجعنا مَعَ عليّ من صِفّين، فانتهينا إلي موضع، فقال: ما يُسَمّي هذا الموضع؟

قلنا: كربلاء.

قال: «كربٌ وبلاءٌ».

ثم قَعَدَ علي رابِية وقال: يُقتل هاهنا قومٌ أفضل شهداء علي ظهر الأرض، لا يكون شهداء رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم.

والحسينُ نفسُه، حين نزلَ كربلاء، تساءَلَ:

[275] ما اسمُ هذه الأرض؟


قالوا: كربلاء.

قال عليه السلام: كربٌ وبلاءٌ.

وبعد حديث الغيب كان إحضار عيّنة من «تُربة كربلاء» التي تكرّر الحديث عنها، دعماً من الرسول صلّي الله عليه وآله وسلّم، لكلّ ذلك الحديث بمصداق، ونموذج، من تُربتها، لتكون دليلاً عينياًمن دلائل النبوّة ومعجزاتها.

[213] ففي حديث عليّ: أنّ جبرئيل قال للنّبي: هل أُشمّك من تُربته؟

فمدّ يده فقبض قبضةً من تُراب، فأعطانيها.

وفي حديث أنس:

[217] فجاءه بسهلة، أو تُراب أحمر، فأخذته أُمّ سلمة فجعلتْه في ثوبها.

وفي حديث أبي أُمامة:

[219] فخرج علي أصحابه وهم جلوس... قال: «هذه تُربته» فأراهم إيّاها [2] .

ولأُمّ سلمة ـ أُمّ المؤمنين ـ شأن أكبر مع هذه التربة، فقد روت حديثه بشي من التفصيل:

[221 و222]:... فاستيقظ وفي يده تُربة حمراء وقال: أخبرني جبرئيل: أنّ ابني هذا الحسين يقتل بأرض العراق... فهذه تُربتها.

... أهل هذه المدرة يقتلونه!

بل زادها رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم شرفاً بأن استودعها تلك التربة، وكانت تحتفظ بها، فيما روته، قالت:

[223] كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبي صلّي الله عليه وآله وسلّم في بيتي، فنزل جبرئيل فقال: يا محمّد، إنّ أُمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك.


وأومأ بيده إلي الحسين.

فبكي رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم، وضمّه إلي صدره، ثمّ قال:

«وديعةٌ عندكِ هذه التُربة» فشمّها رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم، وقال: وَيْحَ كرب وبلاء.

وقال: يا أُمّ سلمة إذا تحوّلت هذه التُربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد قُتل.

فجعلتْها أُمّ سلمة في قارورة، ثمّ جعلتْ تنظر إليها كلّ يوم وتقول: إنّ يوماً تحوّلين دماً ليوم عظيمٌ! [3] .

وهذه التفاصيل اختصّت بها أُمّ سلمة من بين زوجات النبيّ.

أما حديث التُربة فقد رواه غيرها من النساء أيضاً:

فعائشة قالت:

[228] فأشار له جبرئيل إلي «الطفّ» بالعراق، وأخذ تربة حمراء، فأراه إيّاها فقال: هذه تربة مصرعه.

وزينب بنت جحش روت:

[230] فأراني تربة حمراء.

وأُمّ الفضل ـ مرضعة الحسين ـ قالت:

[232] وأتاني بتربة من تربته حمراء.

والعجيب في أحاديثهنّ، كلّهن، وأحاديث مِن غيرهنّ، انها تحتوي علي جامع مشترك هو «الحُمرة» لون الدم، إلاّ أنّ حديثها احتوي علي تحوّل التربة إلي «دَم» في يوم عاشوراء.

فما هذه الأسرار التي تحتويها هذه الأخبار؟

وما سرّ هذه التُربة التي:

تُفيضُ دمعة الناظر إليها!


وتتحوّلُ إلي دم!

ولها رائحةٌ خاصّة!

وكان طيبها دليلاً عليها لمن يهواها:

[346] فلمّا أُجريَ الماءُ علي قبر الحسين ـ في عصر المتوكّل العبّاسي ـ نضب بعد أربعين يوماً، وامّحي أثر القبر، فجاء أعرابيٌ من بني أسد، فجعل يأخذ قبضةً ويشّمها، حتّي وقع علي قبر الحسين وبكاه، وقال: بأبي وأُمّي ما كان أطيبَك، وأطيب تربتك ميّتاً، ثمّ بكي وأنشأ يقول:

أرادُوا ليُخفوا قبره عن وليّه [4] فطِيبُ ترابِ القبر دلَّ علي القبرِ [5] .

وتُوحي الكرب، والدمّ، والقتل، والبلاء!

وهل يمكن الاطّلاع علي تلك الأسرار إلاّ من خلال أنباء الغيب التي تُوحيها السماءُ علي سيّد الانبياء؟

وإنّ من أعظم دلائل النبوّة والإمامة، تحقُّقُ تلك التنبُّؤات كلّها.

ولاتزال «تُربةُ كربلاء» ذاتها، تتحوّلُ يوم عاشوراء إلي دَم قان.

ولايزال الموالون للحسين يعرفونها من رائحتها.

ولازال تراب كربلاء، يُقدَّس، ويتقربُ إلي الله بالسجود عليه لطهارته وشرفه عند الله، ويُتبرّك به ويُستشفي به، لأن دم الحسين اُريق عليه، في سبيل الله.

ولازالتْ أرضُ كربلاء توحي المآسيَ والكربَ والبلاء، وتجري عليها المصائبُ والآلامُ، وتجري فيها أنهارُ الدماء!

لأنّها كربٌ وبلاءٌ!



پاورقي

[1] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور(7:134).

[2] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:134).

[3] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:134).

[4] في المختصر: عن عدوّه، فليلاحظ.

[5] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:155).