بازگشت

و من دلائل الامامة


فعليٌّ عليه السلام أمير المؤمنين، الوصيُّ الذي تلقّي من النبيّ أدوات الخلافة: عينيّها ومعنويّها، خفيّها وعلنيّها، علومها الشرعية وأسرارها المودعة الجفريّة، ما أسرّ كثيراً منها، وأعلن عن البعض.

فكان فيما أعلن عنه: الإخبار عن «مقتل الحسين»!

قال صاحب مطهرته:

[213] لمّا حَاذي عليه السلام «نينوي» وهو منطلق إلي «صفّين» نادي: صبراً! أبا عبد الله، صبراً! أبا عبد الله! بشطّ الفُرات!!

قلتُ: مَنْ ذا أبو عبد الله؟

قال عليّ عليه السلام: دخلت علي رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم وعيناه تُفيضان... فقال: قام من عندي جبرئيل قبلُ، فحدّثني أن الحسين يُقتل بشطّ فرات... [1] .

أمّا أين هي «نينوي»؟ وأيّ شاطئ من شواطئ الفرات، هو موضع قتل الحسين؟

فإنّ رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم، قد هدي عليّاً عليه السلام إلي «علامة» ووضع عنده عيّنةً من تربة الموضع.

قال: هل لك أنْ اُشِمَّك من تُربته؟

فمدّ يده، فقبض قبضةً من تراب، فأعطانيها.

وعلامةٌ أُخري، إنّ هذه التربةَ مفيضةُ الدمع، وقد جرّبها عليّ عليه السلام


لأوّل مرّة وقعت بيده، فقال:

فلم أملك عينيَّ أن فاضتا.

وبعد هذه الأعوام الطوال، والحُسين يقرب من الثلاثين من عمره، يقف عليٌّ عليه السلام علي هذه الأرض، ليقف علي تلكما العلامتين، ويُعلن عن الغيب المستودع، مرّتين، مرّة حين سار إلي صفّين، كما قرأنا في الحديث السابق، ومرّة أُخري حينما رجع من صفّين، قال الراوي:

[238] أقبلنا مرجعنا من صفّين، فنزلنا كربلاء، فصلّي بها عليّ صلاة الفجر، بين شجرات ودوحات حَرْمَل، ثم أَخَذَ كفّاً من بَعْر الغِزْلان فشمه، ثم قال: أُوّهْ، أُوّهْ، يُقتلُ بهذا الغائط قومٌ يدخلون الجنّةَ بغير حساب.. [2] .

لقد شمّ عليٌّ تُربة هذه الأرض من يَد النبيّ، ويشمّها اليوم وهو علي أرض كربلاء، يقدّسها، فيصلّي فيها.

ولئن كانت أنباءُ الرسول صلّي الله عليه وآله وسلّم من دلائل النبّوة، فإنّ حضور عليّ عليه السلام علي هذه الأرض، وإعلانه عن أنباء الغيب التي أوحاها إليه الرسول، وحمّلها عليّاً، فهي من دلائل الإمامة.

وزاد عليّ عليه السلام أنْ حضر في كربلاء، وقدّس أرضها، وواسي ابنه الشهيد بنداء له: «صَبْراً أبا عبد الله» «صبراً أبا عبد الله».

وإذا كانت أنباء كربلاء، من الغيب الذي يُوحيه الله إلي الرسول، فلابُدّ أنّ شيئاً من تلك الأنباء قد جاء في صحف الأنبياء، مادامت الشريعة الإلهية واحدة، والحقائق الكونيّة بعينها متّحدة، والوقائع المتجدّدة محفوظة في لوح الغيب، والأهداف في الإعلان عنها بنفسها مُتكرّرة.

فماذا عن كربلاء في الصحف الأُولي!


إنّ رجالاً من أهل الأديان قد تناقلوا بعض تلك الأنباء:

[ص189] فهذا كعب الأحبار كان إذا مرَّ عليٌّ عليه السلام يقول: يخرج من وُلد هذا رجلٌ يُقتل في عصابة لا يجفُّ عرق خيولهم حتّي يردوا علي رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم [3] .

[ص189] وكان رأسُ الجــالوت ـ وهو من أولاد الأنبياء السابقين ـ يقول: كُنّا نسمع أنّه يقتل بكربلاء، ابن نبيٍّ، فكنتُ إذا دخلتُها ركضتُ فرسي حتّي أجوزَ عنها، فلمّا قُتل حُسَينٌ، جعلتُ أسير بعد ذلك علي هيئَتي [4] .

وإذا كانت الأنباء قد ذاعتْ وانتشرتْ، ورويتْ عن الصحف الأُولي، وعن النبيّ، وعن عليّ، فأجدر بالحسين أبي عبد الله، صاحب الأنباء ومحورها، وموضوع حديثها، أن يكون علي علم بها.

ولقد أعلن عنها قبل كربلاء، وكان يحلف بالله علي النتيجة التي يلقاها، ومن تلك الأنباء:

[267] قال الحسين عليه السلام: والله، ليَعْتَدُنَّ عليَّ كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت!

[268] وقال عليه السلام: والله، لا يَدَعُوني حتّي يستخرجوا هذه العَلَقةَ من جوفي!

[266] وقال من شافَهَ الحسين: رأيت ابْنِيةً مضروبة بفلاة من الأرض، فقلتُ: لمن هذه؟

قالوا: هذه لحسين.

فأتيتُه، فإذا شيخ يقرأ القرآن ـ والدموع تسيلُ علي خدّيه ولحيته! ـ فقلت: بأبي أنت وأُمّي، يابن رسول الله، ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي ليس بها أحدٌ؟


فقال: هذه كتب أهل الكوفة إليَّ، ولا أراهم إلاّ قاتلي.

وأوْلي بالحسين عليه السلام أن يعلم ما يجري في الغيب من خلال إخبار جدّه المرسَل، لأنّه من أعلام الإمامة التي زانها


پاورقي

[1] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:133).

[2] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:135).

[3] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:135).

[4] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:135).