بازگشت

من انباء الغيب


للغيب والإيمان به، دور في حضارة الدين، والرسالات كلّها، وفي الاسلام كذلك، حتّي جعل من صفات الّذين يلتزمون بها انّهم (يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ)والرسول الأكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم قد جاء بأنباء الغيب التي أوحاها الله إليه.

وكلّ ما أخبر به منْ أنْباء المستقبل وحوادثه، فهو من الغيب الموحي إليه، إذ هو (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَي - إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَي - عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَي) وكانت واقعة خروج الحسين إلي أرض العراق وقتله هُناك من دلائل النبوّة، وشواهد صدقها حقّاً [1] .

وقد استفاضتْ بذلك الأخبار، وممّا نقله ابن عساكر:

[213] عن عليّ عليه السلام قال: دخلت علي رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم وعيناه تفيضان! فقلت: يانبيّ الله، أغضبك أحدٌ؟ ما شأن عينيك تُفُيضان؟

قال: بل قام من عندي جبرئيل قبلُ، فحدّثني أنّ الحسين يقتل بشطّ الفرات [2] .

وزار مَلَك القَطْر رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم، فدخل الحسين


يتوثّب علي رسول الله فقال الملك:

[217] أما إنّ أُمّتك ستقتله!

وقد روي هذه الأنباء عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: عليّ أمير المؤمنين عليه السلام، وأُمّ سلمة أُمّ المؤمنين، وزينب أُمّ المؤمنين، وأُمّ الفضل مرضعة الحسين، وعائشة بنت أبي بكر، ومن الصحابة: أنس بن مالك، وأبو أُمامة، وفي حديثه:

[219] قال رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم لنسائه: لا تُبكوا هذا الصبيّ ـ يعني حسيناً ـ.

فكان يوم أُمّ سلمة، فنزل جبرئيل، فدخل رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم وقال لأُمّ سلمة: لا تَدَعي أحداً يدخلْ علَيَّ.

فجاء الحسين،... أراد أن يدخل، فأخذته أُمّ سلمة فاحتضنته وجعلت تُناغيه وتسكّته، فلمّا اشتدّ في البكاء خلّت عنه، فدخل حتّي جلس في حجر رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم.

فقال جبرئيل للنبيّ: إنّ أُمتّك ستقتل ابنك هذا!...

فخرج رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم قد احتضن حسيناً، كاسف البال مهموماً...

فخرج إلي أصحابه وهم جلوس فقال لهم: «إنّ أُمّتي يقتلون هذا» وفي القوم أبو بكر وعمر [3] .

إنّ الذين بلغتهم هذه الانباء وآمنوا بها، غيبيّاً، ليَزداد إيمانهم عمقاً وثباتاً لمّا يجدون الحسين عليه السلام يُقتل فعلاً، وبذلك يكون الحسين عليه السلام ومقتله من شواهد النبوّة والرسالة ودلائلها الواضحة، وبهذا تتحقّق مصداقيّة قول رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: «... وأنا من حُسين».

ونزول جبرئيل بالأنباء إلي النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم أمرٌ مألوفٌ إذ هو


مَلَك الوحي، وموصل الأنباء، أمّا نزول ملك القَطْر ـ المطر ـ وإخباره بذلك، فهو أمر يستوقف القاري؟

فهل في ذلك دلالة خفيّة علي موضوع فقدان الماء في قضيّة كربلاء، و«العطش» الذي سيتصاعد مثل الدخان،، من أبْنِيَة الحسين، يوم عاشوراء!


پاورقي

[1] أورد کثير من هذه الأخبار البيهقي في «دلائل النبوّة» وکذلک أبو نعيم في «دلائل النبوّة» وهما مطبوعان متداولان.

[2] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:133).

[3] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:134).