بازگشت

رعاية المجتمع الاسلامي


إنّ من أهمّ واجبات الإمام هو رعاية المجتمع الإسلامي عن كَثَب، وملاحظة كلّ صغيرة وكبيرة في الحياة الاجتماعيّة، ورصدها، ومحاولة إصلاحها وإرشادها، ودفع المفاسد والأضرار، بالأساليب الصالحة، وبالإمكانات المتوافرة، دَعْماً للأُمّة الإسلاميّة، وحفظاً للمجتمع من الانهيار أو التصدّع.

وقد ورد عن الإمام الحسين عليه السلام حديث مهمّ يدلّ علي عمق اهتمام الإمام بهذا الأمر الهامّ:

قال جُعيد الهمدانيّ: أتيتُ الحسين بن عليّ وعلي صَدْره سكينة ابنتهُ، فقال: يا أُخْتَ كلب، خذي ابنتك عنّي.

فساءلني، فقال: أخبرني عن شباب العرب؟

قلتُ: أصحاب جُلاهقات ومجالس!

قال عليه السلام: فأخبرني عن الموالي؟

قلتُ: آكل رِبا، أو حريص علي الدنيا!

قال عليه السلام: (إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) والله، إنّهما لَلصِّنفان اللذانِ كنّا نتحدّثُ أنّ الله تبارك وتعالي ينتصرُ بهما لدينه.

يا جُعيد همدان: الناس أربعة:

فمنهم من له خَلاقٌ، وليس له خُلُق.

ومنهم من له خُلقٌ، وليس له خَلاق.

ومنهم من ليس له خُلُق ولا خلاق، فذاك أشرّ الناس ومنهم من له


خُلُق وخلاق، فذاك أفضل الناس [1] .

وهذا الحديث يدلّ علي مراقبة دقيقة، من الحسين عليه السلام، لمجتمع عصره:

فقوله: «كُنّا نتحدّث» يدلّ ـ بوضوح ـ علي تداول الأمر، والتدبير الحكيم والمشورة المستمرة، من الإمام ومن كان معه، حول السُبل الكفيلة لنصرة الدين وإعزازه وتقوية جانبه، وتهيئة الكوادر الكفوءة لهذه الأغراض وإنجاحها.

والتركيز علي «شباب العرب» بالذات، يعني الاعتماد علي الجانب الكيفي في الكوادر العاملة، إذ بالشباب يتحقّق التحرّك السريع والجري، فهم عصب الحياة الفعّال، وعليهم تعقد الآمال، وهم يمثلّون القوّة الضاربة.

وأمّا «الموالي» فهم القاعدة العريضة، التي ترتفع أرقامها في أكثر المواجهات والحركات، وهم أصحاب العمل والمال، والّذين دخلوا هذا الدين عن قناعة بالحقّ، وحاجة إلي العدل.

ولكن سياسة التهجين، والتدجين، الأُموية، جرّت شباب العرب، إلي اللهو واللعب. وجرّت الموالي إلي الالتهاء بالأموال والتكاثر بها.

وهنا تأتي كلمة (إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) في موقعها المناسب، لأنّها تُقالُ عند المصيبة، والمصيبة الحقيقية أن تموت روحُ القوّة والتضحية والنضال في هذين القطاعين المهمّين من الأُمّة.

وتقسيمه عليه السلام المجتمع إلي:

مَنْ له «خُلُق» وكرامة وشرف، يعتمد الأعراف الطيّبة، وتدفعه المروءة إلي التزام العدل والانصاف، ورفض الجور والفساد والامتهان، ويرغب في الحياة


الحرّة الكريمة في الدنيا.

وإلي من له «خَلاق» ودين وعمل صالح وضمير ووجدان وعقيدة ورجاء ثواب، يدفعه كلّ ذلك إلي نبذ الباطل، وبذل الجهد في سبيل إحقاق الحقّ.

فمن جمعَ الأمرين فهو أفضلُ الناس جميعاً، وهو ممّن تكون له حميّة، ويسعي في الدخول فيمن ينتصر الله به لدينه.

ومن تركهما معاً، فهو من أذلّ الناس وأحقرهم، وهل شرّ أشرّ من الذُلّ.

ومن التزمَ واحداً، فقد أخطأ طريق العمل الصالح، وهو في ذلّ ما ترك الآخر، وهل يُرجي الخير من ذليل؟! وإنْ كان محسناً أو صالحاً؟!

وموقف آخر:

قال بشر بن غالب الاسدي: قدم علي الحسين بن علي اُناس من أنطاكية فسألهم: عن حال بلادهم؟ وعن سيرة أميرهم فيهم؟ فذكروا خيراً، إلاّ أنّهم شكوا البَرد [2] .

فالإمام عليه السلام يستكشف الأوضاع السائدة في بلاد المسلمين، حتي أبعد نقطة شمالية، وهي أنطاكية! وهي رقابة تنبع من قيادة الإمام للاُمّة، فمع فراغ يده من السلطة القائمة، فهو لا يتخلّي عن موقعه، ويخطّط له.


پاورقي

[1] تاريخ دمشق، ترجمة الإمام الحسن عليه السلام رقم [272] ص159، وقد رواه عن الإمام الحسن عليه السلام، لکنّ ابن سعد أخرجه عن الإمام الحسين عليه السلام، وکذلک المتّقي الهندي، کما في هامش الموضع المذکور، وجعيد يروي عن الإمامين، لکن ذکر سکينة يُعيّن کون الحديث للحسين عليه السلام.

[2] تاريخ بغداد (3:36).