بازگشت

البركة والاعجاز


من معجزات النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم المذكورة في سيرته، أنّه تفل في بئر قد جفّت، فكثر ماؤها وعذب وأمهي، وأمري، وهذا المعجز من بركة نبيّ


الرحمة للعالمين قليل من كثير، وغيضٌ من فيض.

والحسين عليه السلام ابنُ ذلك النبيّ، وبضعةٌ منه، وعصارة من وجوده، والسائر علي دربه، والساعي في إحياء رسالته، فهو يمثّل في عصره جدّه الرسول جسدّياً، ويمثل رسالته هدياً، فلا غروَ أن يكون له مثل ما كان لجدّه من الإعجاز، وهو سائر في طريقه إلي الشهادة والتضحية من أجل الإسلام، ليفعل ما لم يفعله أحَدٌ من قبله.

والإمامة ـ عندنا نحن الشيعة الإمامية ـ تشترك مع النبّوة في كلّ شي إلاّ أنّ النبوّة تختصّ بالوحي المباشر، وبالشريعة المستقلّة، أمّا النصّ، والأهداف، والوسائل، والغايات، فهما لا يفترقان في شي من ذلك.

بل الإمامة امتدادٌ أرضيٌ للرسالة السماويّة، فلا غروَ أن يَمُدّ الله الإمامَ بما يمدُّ النبيّ من القُدرة علي الخوارق التي لا يستطيعها البشر.

أليس الهدف من الإعجاز إقناع الناس بالحقّ الذي جاء به الأنبياء؟! فإذا كان ما يدعو إليه الأئمّة هو عين ما يدعو إليه الأنبياء، فأيّ بُعْد في دعم هؤلاء بما دعم به أولئك؟! من دون تقصير في حقّ اُولئك، ولا مغالاة في قدر هؤلاء!

ومهما كانَ، فإنّ الحسين عليه السلام لمّا خرج من المدينة يريد مكّة مرّ بابن مطيع، وهو يحفر بئره، وجري بينهما حديث عن مسير الإمام، وجاء في نهايته:

[201] قال ابن مطيع: إنّ بئري هذه قد رشحتُها، وهذا اليوم أوان ما خرج إلينا في الدلو شي من الماء، فلو دعوتَ الله لنا فيها بالبركة.

قال عليه السلام: هات من مائها. فأُتي من مائها في الدلو، فشرِبَ منه، ثمّ تمضمض، ثمّ ردّه في البئر، فأعذَب، وأمْهي [1] .

وهذا من الحسين عليه السلام أيضاً غيض، وهو معدن الكرم والفيْض. إلاّ


أنّ حديث الماء، والحسين في طريقه إلي كربلاء، فيه عِبْرة، تستدرّ العَبْرة:

فهل هي إشارات غيبيّة إلي أنّ الحسين سيواجه المنع من الماء، وسيُقتل «عَطشاً» وهو منبع البركة، من فيض فمه يعذب الماء وينفجر ينبوعُه؟!

فهل كان ذلك يخطر علي بال؟!

لكنّ ذكر العطش والبحث عن الماء، له شأن آخر في حديث كربلاء!


پاورقي

[1] في مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:130) وأُمْرِيَ، هکذا مضبوطاً، بدل (وأمهي).