بازگشت

ضياع بعد الرسول


ولئن ذهبَ قولُهم: «المرء يُحْفَظُ في ولده» مثلاً سائراً فإن لذلك أصلاً قرآنياً أدّب الله به عباده المؤمنين، علي لسان عبده الصالح الخضر، حيث أقام الجدار الذي كان للغلامين اليتيمين في المدينة، معلّلاً بأنّه (كَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً)سورة الكهف، الآية81.

فلصلاح أبيهما استحقّ الغلامانِ تلك الخدمة من الخضر. لكنّ كثيراً ممن ينتسب إلي أُمّة النبيّ محمّد صلّي الله عليه وآله وسلّم، لم يُكرموا آلَ محمّد، من أجل الرسول، ولم تُمهل الأُمّة أهلَ البيت، أكثر من أن يُغمِضَ الرسولُ عينيه، ولمّا يقْبر جسده الشريف، عَدَوْا علي آله، فغصَبُوا حقّهم في خلافته، ثم انهالوا عليهم بالهتك والضرب، حتّي أقدموا علي إضرام النار في دار الزهراء ابنته، وأسقطوا جنينها، وأغضبوها، حتّي قضت الأيّام القلائل بعد أبيها معصّبةَ الرأس، مكسورة الضلع، يُغشي عليها ساعة بعد ساعة، وماتت بعد شهور فقط من وفاة أبيها، وهي لهم قالية!

وما كان نصيب الغلامين، السبطين، الحسن والحسين، من الأمّة بأفضل من ذلك!

بل تكوّنتْ ـ علي أثر ذلك التصرّف المشين ـ فرقة سياسيّة تستهدف آل النبيّ بالعداء والبغضاء، فدبّرت المؤامرة التي اغتالت عليّاً في محرابه، وطعنت الحسن في فسطاطه، وقتلت الحسين في وضح النهار يوم عاشوراء في كربلائه، كما يذبح الكَبْش جهاراً، أمام أعين الناس، من دون نكير!

ولم يكن هذان الغلامان بأهونَ من غلامي الخضر، إذ لم يكن أبوهما أصلح من رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم، قطعاً.

ولقد جابه الحسينُ عليه السلام بهذه الحقيقة واحداً من كبار زعماء


المعادين لآل محمّد، والمعروف بنافع بن الأزرق، في الحديث الآتي:

[203] قال له الحسين: إنّي سائلك عن مسألة: (وَأَمَّا الجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَينِ يَتِيمَيْنِ فِي المَدِينَةِ)[الكهف، الآية (81)].

يابن الأزرق: مَنْ حُفِظَ في الغلامين؟!

قال ابن الأزرق: أبوهما!

قال الحسين: فأبوهما خير، أم رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم؟... [1] .

إنّها الحقيقة الدامغة، لكن هل تنفع مَنْ أُشربت قلوبهم بالنفاق، وغطّي عيونهم الجهل، والحقد، والكراهية للحقّ؟!

لقد كان من نتائج هذا الضياع أنّه لم يمضِ علي وفاة الرسول خمسون عاماً، حتّي عَدَتْ أُمَّتُه علي «وديعته» و «ريحانته» الحسين، وقتلته بأبشع صورة!

وهل يُتصوّرُ ضياعٌ أبعد من هذا؟!

وكان من نتائج ذلك الضياع المفضوح، أنّ التاريخَ المشوّه، وأهله العملاء [2] تغافلوا عن وجود أهل البيت، طيلة الأعوام التي تلتْ وفاة النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم، حتّي خلافة الإمام عليّ عليه السلام، فهذا الحسينُ، لم نجدْ له ذكراً مسجّلاً علي صفحات التاريخ طيلة العهد البكري، ولا العُمَريّ، ولا العُثماني، سوي فلتات تحتوي علي كثير من أسباب ذلك التغافل!



پاورقي

[1] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:130 ـ 131).

[2] وهناک فلتات من المؤرّخين الّذين تصدّوا لتسجيل بعض الحقائق، مثل ابن إسحاق صاحب السيرة، وعمر بن شبّة صاحب الکتب الکثيرة، لکن تراثهم هجر واندثر، ولم تبق منه إلاّ نتف، فيها الدلالات الواضحة علي ما نقول.